العدسة – معتز أشرف
في تقدير موقف مهم لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، كتبه ربوبرت ساتلوف، الرجل الأول في المؤسسة البحثية المعبرة عن مصالح أمريكا وسياسياتها في المنطقة، رجح التقدير أربعة خيارات أمريكية رئيسية حول الإستراتيجية تجاه إيران، بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالخروج من الاتفاق النووي مع طهران.
انسحاب مقلق!
وبحسب تقدير الموقف الذي وصل (العدسة)، فإن كل الأمور كانت تؤدي إلى قرار “ترامب” كان مُصِرًّا على قراره بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، رغم عدم وضوح الرؤية فيما يخص بعده، حيث وصف الاتفاق بـ”الجنوني” و”التافه”، ولكنه قال إن واشنطن قد تتوصل إلى تفاهم جديد مع باريس والعواصم الأوروبية الأخرى “بسرعة كبيرة”، وأنه ملتزم بـ”المرونة”، غير أن ما كشفته إسرائيل مؤخرًا عن أرشيف إيران النووي السري يقف بالتأكيد وراء الحجج التي تدعو إلى “إلغاء الاتفاق”، إلا أن تقدير موقف معهد واشنطن لا يوفّر الانسحاب وحده نهجًا بديلًا لمنع إيران من امتلاك قدرات [لإنتاج] أسلحة نووية، كما أن الانسحاب وحده لا يفسّر كيف ستردّ الولايات المتحدة على ردود فعل الأصدقاء والخصوم، بمن فيهم إيران، بالإضافة إلى ذلك، لا يوفّر الانسحاب وحده دليلًا على الأهداف العامة للإدارة الأمريكية تجاه إيران والسياسات اللازمة لتحقيقها، وبعبارةٍ أخرى، يشكل الانسحاب من الاتفاق خطوة، وليس إستراتيجية، ونحن بحاجة إلى إستراتيجية للتعامل مع إيران.
4 خيارات
التفاوض على اتفاق أفضل، هو أول خيارات تقدير الموقف الذي أعده مدير معهد واشنطن للدراسات، مؤكدًا أهمية وجود اتفاق أفضل يقوم بتصحيح عيوب الاتفاق الأصلي، من خلال تضمين قيود دائمة على التخصيب، وفرض حظر على تطوير الصواريخ الباليستية، واعتماد نظام تفتيش أكثر تقحمًا، وقد يتطلب ذلك ورقة ضغط تُجبر إيران على العودة إلى طاولة المفاوضات، ويشمل ذلك إعادة فرض العقوبات التي وضعتها الأمم المتحدة والولايات المتحدة، وربما فرض غرامات ثانوية على الدول التي لا تقلّص مشترياتها من النفط الإيراني إلى مستويات منخفضة بما فيه الكفاية.
وأضاف تقدير الموقف الأمريكي أنه على خلاف مناورة الرئيس “أوباما” التي سعت إلى عرض الاتفاق الإيراني على أنه “اتفاق تنفيذي”، يتعين على الرئيس “ترامب” أن يَعِد بتقديم أي اتفاق لمجلس الشيوخ على أنه معاهدة، الأمر الذي سيعزز الضغط على الشركاء الأوروبيين للولايات المتحدة كي يساعدوا على التوصل إلى اتفاق يستأهل عدد الأصوات المطلوبة بموجب الدستور، أي 67 صوتًا.
وفي جعبة الخيارات المرشحة لمعالجة الأزمة، رجح التقدير أن “التفاوض على اتفاق أكثر أهمية” هو الخيار الثاني بحيث لا يقوم الاتفاق فقط بإصلاح العيوب في الاتفاق القديم، بل يتناول الأنشطة الإقليمية الإيرانية الخبيثة أيضًا، وفي هذا الصدد، أدّى دعم طهران للإرهاب والتخريب والميليشيات الشيعية في سوريا والعراق إلى تغيير الوضع الأمني في المنطقة، مما أثار قلق العرب والإسرائيليين على حد سواء، بحسب تعبير معهد واشنطن، مؤكدًا أن التوصل إلى اتفاق أكثر طموحًا سيكون أكثر تعقيدًا، إلا أن النجاح سيشكل تأكيدًا مثيرًا للقيادة الأمريكية، ولبراعة الرئيس “ترامب” في إبرام الصفقات.
الإطاحة بالنظام
ثالث الخيارات التي وضعها تقدير واشنطن، هو إطلاق سياسة تسعى إلى تغيير النظام، قائلا: “قد يأتي هذا النهج الجريء نتيجة تقييمٍ يبرز فيه فساد النظام في طهران، بحيث لن ينفع معه أي اتفاق، ويمكن للرئيس الأمريكي أن يجادل بأن سعي إيران للسيادة الإقليمية يشكل خطرًا واضحًا وشاملًا على المصالح الأمريكية، وبطبيعة الحال، قد تأخذ الجهود الرامية إلى إحداث تغيير في النظام أشكالًا عديدة، مع استبعاد احتمال قيام مواجهة عسكرية، ولكن من شأن تحديد الهدف فقط أن يرسم مسارًا جديدًا للانخراط الأمريكي في الشرق الأوسط”.
إستراتيجية الانكماش
وفي المسار الرابع للخيارات، رجح التقدير الأمريكي تنفيذ إستراتيجية الانكماش في الشرق الأوسط، تُقلّص بموجبها الولايات المتحدة تعرّضها للمشاكل الخطيرة والمستعصية في المنطقة، مؤكدًا أنه ربما كان “أوباما” قد صمّم الاتفاق النووي كأداة لانتشال أمريكا من مستنقع الشرق الأوسط، لكن قد يجادل “ترامب” بأن الولايات المتحدة ما زالت عالقة هناك، كما كان الحال دائمًا، ويمكن أن يتصوّر المرء قيام الرئيس الأمريكي بإعطاء تصريح يقول فيه، “دعونا لا نكون ملزمين مثل جليفر باتفاق مرهِق يبقينا مقيّدين بإيران لسنوات قادمة”، مضيفًا: “دعونا نتمتع بِحرية اختيار المكان والزمان المناسبين للتصرف”، وفي هذا السيناريو، ستواصل الولايات المتحدة تقديم (أو، حتى أفضل من ذلك، بيع) الأسلحة إلى حلفائها المحليين لكي يتمكنوا من مواجهة إيران ووكلائها، ويمكن للرئيس الأمريكي أن يربط الانسحاب من الاتفاق النووي بعقيدة الردع الجديدة التي تنص على ما يلي: أي دليل على قيام إيران بتخصيب المواد الانشطارية إلى درجة تتخطى مستوى معيّنًا من شأنه أن يؤدي إلى قيام الولايات المتحدة بعملية عسكرية ضخمة تهدف إلى إنهاء النظام.
مخاوف وتحذيرات!
تقدير الموقف الذي ينحاز إلى قرار الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي مع طهران، أكد أنه على الرغم من أن هذه الخيارات تطال اطياف السياسات، إلا أنه ليس من الصعب تصوّر تأييد “ترامب” لأي منها، وهذا خير دليل على غياب التماسك الإستراتيجي في الإدارة الأمريكية فيما يتعلق بإيران والشرق الأوسط على نطاق أوسع، الا أنه شدد على أن الانسحاب من الاتفاق، يجب أن يرافقه إستراتيجية جديدة [تهدف إلى] التوصل إلى اتفاق أفضل، وستؤدي هذه المقاربة إلى تقليل المتاعب بين أصدقاء الولايات المتحدة في أوروبا، حيث يشارك بعضهم قلق واشنطن بشأن عيوب الاتفاق الحالي، كما أنها تتمتع بفرصة أفضل للنجاح، كما أن هذا ليس كافيًا، حيث يتعين على الرئيس الأمريكي أن يعزز سياسة تتمثل [بالتوصل إلى] “اتفاق أفضل” يضم العناصر الأساسية للخيارين الثاني والثالث، من دون تحمّل التكلفة السياسية لتبنّي تلك المسارات الأكثر تطرفًا بشكلٍ علني وكامل، ويجب أن يتضمن ذلك اعتماد تدابير أكثر فعالية وأكثر حزمًا لمواجهة سلوك إيران المزعزع للاستقرار في جميع أنحاء الشرق الأوسط، فضلًا عن اتخاذ مبادرات جديدة – في مجال حقوق الإنسان والحرية الدينية والوصول إلى شبكة الإنترنت، على سبيل المثال – التي تضع أمريكا بشكل مباشر إلى جانب الإيرانيين الذين يناضلون من أجل الحرية، وقد تشكّل هذه المقترحات مجتمعة سياسةً حقيقيةً تجاه إيران – هي الأولى منذ عقود – وليس مجرد سياسة نووية تجاه إيران.
وحذر التقدير الأمريكي أن ما أسماه “رد الفعل البغيض لـ”ترامب””، المتمثل في الانسحاب من المنطقة خلف جدار من التهديد والتوعّد، مؤكدًا أنه في نهاية المطاف، لا يقوم الانخراط الأمريكي في الشرق الأوسط على الغيريّة، فإلى جانب دعم مصالح الولايات المتحدة وحلفائها التقليديين، يكمن الهدف الأناني لواشنطن في حل المشاكل هناك، قبل أن يتم تصديرها إلى الولايات المتحدة، وأنه لا بد أن يستمد الرئيس الأمريكي قراره بشأن الاتفاق النووي من خيار إستراتيجي سليم ومعقول تجاه إيران، وليس من حافز انعزالي مضلّل، أو من عدائية متأصلة تجاه الإنجاز الذي حققه سلفه.
اضف تعليقا