قبل أيام، خاطب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الكنيست مطالبًا دولة الاحتلال الإسرائيلي بالوقوف مع أوكرانيا ضد الغزو الروسي لبلاده.

واستشهد بالمستعمرة اليهودية الأوكرانية جولدا مابوفيتش (لاحقًا جولدا مائير)، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، التي أنكرت وجود الشعب الفلسطيني على الإطلاق. 

تحدث زيلينسكي مشبهًا وضع أوكرانيا بوضع دولة الاحتلال، أي أن كلا الطرفين لديهما جيران يريدون طردهم من الأرض. وفي الواقع، كان الكيان الصهيوني مهتمًا باليهود الأوكرانيين، حتى قبل بدء التدخل الروسي.

ففي وقت مبكر من كانون الثاني (يناير) 2022، بدأ كيان الاحتلال في التخطيط لنقل يهود أوكرانيا إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث قالت وزارة الهجرة واستيعاب المهاجرين في حكومة الاحتلال: “ندعو يهود أوكرانيا إلى الهجرة إلى إسرائيل – وطنكم”.

وبالفعل، بدأ المستعمرون اليهود بالوصول في أوائل مارس/آذار إلى الأراضي المحتلة، بينما يواجه الأوكرانيون الذين لم يتمكنوا من إثبات يهوديتهم – وفقًا لمعايير إسرائيل العنصرية للاجئين- صعوبات لا تعد ولا تحصى.

وفي غضون ذلك، بدأ قسم الاستيطان التابع للمنظمة الصهيونية العالمية تجهيز 1000 وحدة سكنية لليهود الأوكرانيين على أراض فلسطينية وسورية مسروقة ومحتلة في الضفة الغربية المحتلة ومرتفعات الجولان المحتلة.

ومع ذلك، فإن هؤلاء اللاجئين / المستعمرين الأوكرانيين ليسوا أول يهود أوكرانيين يستعمرون فلسطين. فقد لعب يهود أوكرانيا دورًا رائدًا في استعمار فلسطين منذ عام 1882.

 

بين أوديسا وفلسطين

ففي عام 1804، وعدت “لائحة الحكومة الروسية بشأن اليهود” بعشر سنوات من الإعانات والإعفاءات الضريبية لليهود البولنديين السابقين الذين تحولوا إلى روسيا، والراغبين في باستعمار المستوطنات في المناطق العثمانية المحتلة. 

وبحلول عشرينيات القرن التاسع عشر، استقرت موجة جديدة من المستعمرين اليهود في خيرسون ومقاطعة إيكاترينوسلاف المجاورة (التي سميت على شرف كاترين بعد احتلالها)، ووصل المزيد في أواخر ثلاثينيات وأربعينيات القرن التاسع عشر، وتم تصنيفهم رسميًا على أنهم “مزارعون يهود”.

وبحلول أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، أصبحت أوديسا – التي كان ثلث سكانها من قبل المستوطنين الاستعماريين الروس وأوكرانيا الغربية والبولندية واليهودية وأحفادهم – مركزًا رئيسيًا للنشاط الصهيوني.

 

مسقط رأس الصهيونية

كانت أوديسا أيضًا مسقط رأس كبار القادة الصهاينة، بما في ذلك أبرزهم فلاديمير يفجينيفيتش زابوتينسكي (الذي أعيدت تسميته لاحقًا باسم “زئيف” جابوتينسكي) ، مؤسس الصهيونية التصحيحية، وهو نفسه سليل المستوطنين اليهود الأوكرانيين في أوديسا.

وعندما أعاد ستالين ضم غرب أوكرانيا ولاتفيا وليتوانيا ومولدافيا بعد عام 1940 ، ظل يهود هذه المناطق أكثر انفتاحًا على النفوذ الصهيوني نتيجة لموجة من معاداة السامية التي هيمنت على هذه البلدان بعد الحرب العالمية الأولى.

 

جيران الاحتلال الإسرائيلي 

وفي السبعينات، سمح السوفيت لليهود الخاضعين لسيطرتهم والذين أرادوا الهجرة أن يهاجروا. وجاء معظمهم من غرب أوكرانيا ولاتفيا ومولدافيا وليتوانيا، وأرادت الأغلبية الذهاب إلى الولايات المتحدة، مما دفع دولة الاحتلال إلى الحد من خياراتهم وإجبارهم على الذهاب إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة باعتبارها الوجهة الوحيدة الممكنة. لكن أكثر من نصف المهاجرين استقروا في الولايات المتحدة على الرغم من العوائق الإسرائيلية.

كل هذا سبق وصول مليون يهودي روسي وأوكراني في التسعينيات إلى كيان الاحتلال، تبين أن العديد منهم ليسوا “يهودًا” وفقًا للقانون الإسرائيلي، ناهيك عن القانون الديني اليهودي، حيث شرعوا في استعمار أراضي الفلسطينيين.

 

سرقة الأوكرانيين للأراضي الفلسطينية 

وعندما اشتكى الرئيس زيلينسكي من جيران الاحتلال الإسرائيلي، قاصدًا الفلسطينيين، كان ينبغي تذكيرهم بأن الفلسطينيين ليسوا جيرانًا عرضيًا للمستعمرين اليهود الأوكرانيين، ولكنهم هم الأشخاص الذين شردهم المستعمرون اليهود الأوكرانيون والذين سرقوا أراضيهم.

ومع ذلك، كان زيلينسكي هو نفسه الذي سحب عضوية أوكرانيا من لجنة الأمم المتحدة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف في عام 2020. وبينما كانت إسرائيل تقتل وتقصف الفلسطينيين في مايو 2021، وصفها زيلينسكي بأنها ضحية للفلسطينيين، وليس كدولة استعمارية مفترسة ساعد اليهود الأوكرانيون في تأسيسها.

ومن المفارقات، أن يعتقد زيلينسكي أن قوله إن جيران إسرائيل “يريدون رؤيتنا أمواتًا” قد لا يكون أكثر من مجرد إسقاط نفسي لما يريد هو والإسرائيليون رؤيته يحدث للفلسطينيين ، وليس العكس.

 

ازدواجية معايير ظاهرة 

ولذا من الواضح أن هناك ازدواجية ظاهرة في المعايير الأوكرانية تجاه النضال الفلسطيني المشروع ضد الاحتلال والقمع والقتل والتمييز العنصري والتشريد – وهي جرائم تمارسها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني منذ أكثر من سبعة عقود.

وشملت هذه الجرائم الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني التهجير القسري لمئات الآلاف من الفلسطينيين خلال نكبة عام 1948. تم هدم المئات من البلدات والقرى على أساس التمييز العرقي، وتم محو معظم معالمها من الأرض، ومنع عودة أهلها. 

وعندها، أصبح بعض الفلسطينيين مشردين داخل دولة المزعومة (إسرائيل) المعلنة حديثًا، بينما لجأ آخرون إلى الدول العربية المجاورة.

 

الاحتلال والحصار

علاوة على ذلك، فقد عانى الفلسطينيون، حتى الذين حصلوا على الجنسية الإسرائيلية، من التمييز، بينما يعيش سكان الضفة الغربية تحت احتلال وحشي، ويعيش المقيمون في غزة تحت حصار ساحق. 

وقد جرّمت دولة الاحتلال النضال الفلسطيني من أجل الحرية والتحرير، وصادرت الممتلكات والموارد الفلسطينية، واعتقلت النشطاء الفلسطينيين.

كما أصدر الكنيست الإسرائيلي كثير من القوانين العنصرية، مثل قانون الدولة القومية لعام 2018 وقانون الجنسية المعدل مؤخرًا. 

وهنا يمكن القول، إن رفض أو إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا لا يعني تأييد السياسات الأوكرانية، خصوصًا الخارجية منها. فتأييد أوكرانيا بل ودعمها دولة الاحتلال الإسرائيلي أمر مرفوض ومستهجن حتى من أولئك الذين يؤيدون أوكرانيا في تصديها للاحتلال الروسي. 

والأمر الآخر الذي ينبغي الإشارة له، هو سوء تقدير الإدارة الأوكرانية. ففي وقت عصيب كهذا على أوكرانيا، ينبغي على القيادة أن تحشد أكبر قدر ممكن من الدعم العالمي لها. إلا أن التركيز على دعم الاحتلال الإسرائيلي – في وقت يواجه فيه الاحتلال أصلًا سمعة سيئة عالميًا- لهو سوء تقدير واضح، وإخفاق في إدارة المعركة الإعلامية.