تضاعف السلطة الإيرانية جهودها لضمان فوز رئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها يوم 18 يونيو/ حزيران المقبل، فما هي الأسباب؟

سؤال حاولت صحيفة “لوريان لو جور” الناطقة بالفرنسية الإجابة عليه بعد أن تميزت قائمة المرشحين السبعة الذين يتنافسون في الانتخابات الرئاسية، والتي أقرها مجلس صيانة الدستور، بالعرض الأيديولوجي الأكثر تقييدًا لما يقرب من أربعين عامًا من تاريخ الجمهورية الإسلامية.

وقالت الصحيفة إنه بينما تعمل طهران على زيادة المبادرات الدبلوماسية – في فيينا مع واشنطن أو في بغداد مع الرياض – يرغب النظام في إظهار قوته على الساحة العالمية.

وأوضحت أن المعسكر المحافظ – الذي يتمتع فيه المرشد الأعلى علي خامنئي بنفوذ كبير – يمثلها في القائمة النهائية للمرشحين خمسة متنافسين محتملين مع استبعاد ثلاثة من أصحاب الوزن الثقيل: الإصلاحي إسحاق جهانغيري، والمحافظين محمود أحمدي نجاد وعلي لاريجاني، على الرغم من أن الأخير يعمل حاليًا كمستشار لخامنئي.

ومن وجهة نظر “لوريان لو جور” ما حدث يبدو لضمان انتصار المرشح المفضل للمحافظين بأي ثمن، أي رئيس القضاء إبراهيم رئيسي، ولضمان سيطرتهم على جميع المؤسسات وجميع مراكز السلطة، بعد فوزهم بأغلبية ساحقة في الاقتراع التشريعي الذي جرى في فبراير/ تشرين أول 2020، في إطار مقاطعة جماعية لصناديق الاقتراع. 

ولفتت إلى أنه خلال الاقتراع التشريعي الأخير وصلت نسبة المشاركة 42.57٪ فقط، لا سيما بسبب رفض مجلس صيانة الدستور لما يقرب من نصف المرشحين البالغ عددهم 16 ألفًا، ومعظمهم “معتدلون” أو “إصلاحيون”.

“الدولة العميقة”

ونوهت الصحيفة بأنه بحسب الدولة العميقة، يتمتع إبراهيم الرئيسي بعدة صفات، فهذا الرجل البالغ من العمر 60 عامًا ينتمي إلى نسل الرسول – “أي سيد” – ويتمتع بعلاقة مميزة للغاية مع المرشد الأعلى البالغ من العمر 82 عامًا، لدرجة أنه من المحتمل أن يخلفه.

وذكرت أن رئيسي يرجع أصله إلى مدينة مشهد، وقد عمل في مجال العدالة حتى تم تعيينه رئيسًا لها من قبل علي خامنئي عام 2019، وهو أحد أولئك الذين، داخل النظام، يسعون بعناية الحفاظ على مبادئ الثورة في المجتمع ولا يترددون في استخدام الأسلوب المتشدد، “لفعل ما يجب”، حتى إذا كان ذلك لا يتم إلا بإراقة الدماء.

كما أشارت إلى أنه كان أحد القضاة الذين طبقوا في عام 1988، في نهاية الحرب العراقية الإيرانية، أمر الإعدام الجماعي الصادر عن الخميني ضد 5000 سجين سياسي، وهم أعضاء مزعومون في “منظمة مجاهدي خلق” (MEK) دون محاكمة عادلة، إذ تعتبرهم السلطات “خونة” لارتكابهم العديد من الهجمات بعد الثورة عام 1979 ودعمهم نظام الرئيس العراقي صدام حسين خلال الحرب.

سنام وكيل، نائب مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمعهد “تشاتام هاوس” علق على ذلك بالقول: إن “المؤسسة السياسية، ولا سيما الموالون حول المرشد الأعلى علي خامنئي، ينظرون إليه على أنه شخص مؤثر من داخل النظام، جزء من الدولة العميقة، يمكنه حماية مصالحهم والتكوين الأيديولوجي للنظام”. 

وأضافت “لأول مرة منذ 2005، سيهيمن المحافظون بالكامل على المؤسسات الإيرانية في حال فوز إبراهيم رئيسي بالانتخابات المقبلة، فهذا التحالف من الدعم يمكن أن يساعد المرشد الأعلى في معالجة مسألة الانتقال السياسي وخلافته”.

من جهته يؤكد مهرزاد بروجردي أستاذ العلوم السياسية في “جامعة فيرجيينا التقنية” أنه لهذا السبب تم استثمار الكثير من الجهد حتى لا يتقدم ضده سوى محافظون ويضمن فوزه، فبمجرد أن يصبح رئيسًا يمكن لإبراهيم رئيسي العمل على ترسيخ وضعه داخل الجيش وقوات الأمن، وزيادة شرعيته الدينية، بهدف أن يصبح يومًا ما المرشد الأعلى.

ووفقا للصحيفة فإن الإعلان عن قائمة المرشحين لانتخابات الرئاسة جاءت في الوقت الذي تخوض فيه المسئولون في طهران وواشنطن حاليًا سباقًا مع الزمن لإبرام اتفاق حول الطاقة النووية، لا سيما من خلال الوساطة الأوروبية، وبحسب تصريحات مقربين، المحادثات تسير في الاتجاه الصحيح.

ولفتت إلى أن البيت الأبيض يعاني بسبب ضيق الوقت لأنه سيكون من الأصعب بكثير، التفاوض مع فريق ينتمي للمحافظين، أو حتى المتشددين.

وفي هذا الإطار يقول سنام الوكيل “قدم المرشد الأعلى دعمه لمحادثات فيينا. من مصلحة النظام دعم هذه المناقشات وتنفيذ فكرة الامتثال الإيراني مقابل الامتثال الأمريكي حتى تستفيد طهران من تخفيف العقوبات “، مضيفا “التساؤل الذي سيطرحه فوز رئيسي هو آفاق المفاوضات المستقبلية” .

وتحاول واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون التفاوض على العودة إلى اتفاقية 2015 التي انسحبت منها الولايات المتحدة بشكل أحادي، من خلال توسيعها لتشمل الترسانة الباليستية لطهران وكذلك أنشطتها الإقليمية من خلال مليشياتها، لكن هذين الموضوعين يقعان تحت الخطوط الحمراء بالنسبة لإيران، واحتكار الدبلوماسية من قبل المتشددين سيثبت أنه لن يتم تجاوزهما.

 

“الجائزة”

وداخليا، أوضحت “لوريان لو جور” أن إبراهيم رئيسي قال في 15 مايو / أيار قبل إعلان قائمة المرشحين: “جئت كمستقل إلى الساحة لإحداث تغييرات في القيادة التنفيذية للبلاد ومحاربة الفقر والفساد والإذلال والتمييز”.

فهذا المرشح الذي واجه المعتدل حسن روحاني عام 2017، وخسر بحصوله على 38٪ من الأصوات، وضع على عاتقه مهمة محاربة الفساد في بلد يعيش في خضم أزمة اقتصادية عنيفة، تفاقمت بفعل العقوبات الأمريكية ولكن أسبابها الجذرية يمكن أن يعزى أيضًا إلى سوء الإدارة الذي طال أمده.

وأكدت أن رئيسي ينظر إله من قبل المتشددين باعتباره الشخص الأكثر قدرة على حشد معسكرهم: للسماح بـ “خلق توافق في الآراء” وإقامة أرضية مشتركة، وحكومة “قوية وغير فاسدة” من أجل تجاوز “المأزق” الذي تغرق فيه البلاد، على حد قول أحمد أمير آبادي فاراهاني، عضو البرلمان المحافظ المتشدد.

ومع ذلك، تتابع الصحيفة، يمكن أن تؤدي هذه القبضة على جميع الأمور أيضًا إلى ديناميكية معاكسة، وبالتحديد إلى تكاثر الصراعات الداخلية داخل دائرة أصغر.

كما اعتبرت أن انتخابات 18 يونيو/ حزيران يعد نقطة تحول، فلم يعد مجلس صيانة الدستور يشعر بأنه ملزم بضمان حتى أدنى حد من التنوع السياسي، فوفقا لمهرزاد بروجردي “تبدو هذه الانتخابات صورية أكثر من أي وقت مضى، ففي السابق، كان هناك نوع من التدخل غير المباشر الذي سمح لمرشحين معينين بالترشح من أجل جذب اهتمام الناس إلى الاقتراع “.

وقد حذر مركز استطلاعات الرأي للطلاب الايرانيين (ISPA ) بالفعل من خطر أن تصل نسبة المشاركة 39٪ فقط، وهو أدنى مستوى منذ الثورة الإسلامية عام 1979. 

“لكن يبدو أن النظام تخلى عن أهمية التعبئة والتصويت، وأكثر ما يقلقه هو الهندسة الاجتماعية والعملية السياسية التي تضمن حصول رجاله على “الجائزة”، ويمكنهم استخدام ذلك كنقطة انطلاق للمناصب القيادية الأعلى في المستقبل” يلخص بروجوردي.

للإطلاع على النص الأصلي اضغط هنا