هجوم قرب قصر الرئاسة في عدن جنوب اليمن واشتباكات وتصريحات وتهديدات تكشف عن انقسامات بين الإمارات والسعودية في التحالف العربي الذي لطالما قاتلت تحت رايته لدعم الشرعية اليمنية ضد مليشيات الحوثي.
تصريحات متصاعدة ما بين التحالف بقيادة السعودية، وقوات “المجلس الانتقالي الجنوبي” الذي تدعمه الإمارات في اليمن، عقب الهجوم على قوات حكومية من قبل الانفصاليين، بينت أن هناك أهدافاً مختلفة للطرفين بالبلاد، في ظل أهداف إماراتية كشفتها تصريحات سابقة من مسؤولين إماراتيين حول تقسيم اليمن، أربكت الأجواء وأثارت غضب الشعب اليمني.
الإمارات ذات النفوذ الكبير في اليمن قوّضت مساعي التحالف تاركة له الشمال، لتضع يدها على الجنوب اليمني الغنيّ وتستعمره، فهو بالنسبة لها مليء بالكثير من الثروات الطبيعية مثل النفط والغاز والمعادن والثروة السمكية، كما أن فيه عدن (جنوب) وهي إحدى أهم المدن اليمنية الساحلية التي تحوي موانئ مهمة بالنسبة لأبوظبي، التي تسعى أيضاً إلى بسط نفوذها على مضيق باب المندب الاستراتيجي.
وفي ظل مساعي التقسيم تشن قوات المجلس الانتقالي الجنوبي المدعومة من الإمارات هجماتها على القوات المدعومة من الحكومة الشرعية في البلاد، وهو ما يرفضه التحالف.
وبين مسؤولون محليون وسكان، لوكالة “رويترز”، الأربعاء (7 أغسطس 2019)، أن الانفصاليين الجنوبيين اشتبكوا مع الحرس الرئاسي في مدينة عدن، مقر الحكومة اليمنية، ما أدى إلى مقتل ثلاثة وإصابة 9 بجروح خطيرة.
وقبل هذا الهجوم طفت إلى السطح تصريحات عدة من الأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبد الله، وقائد شرطة دبي السابق ضاحي خلفان، تحدثا فيها عن تقسيم اليمن، لاقت سخطاً كبيراً في أوساط اليمنيين.
وكتب عبد الله، المستشار السابق لولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، عبر حسابه الشخصي في موقع “تويتر”، يوم الأحد (28 يوليو 2019): “لن يكون هناك يمن واحد موحد بعد اليوم”.
من جهته قال ضاحي خلفان، نائب قائد شرطة دبي، قبل أيام من الهجوم، في تغريدة في 4 أغسطس 2019، إن اليمن لم يكن بلداً واحداً أو له حاكم واحد عبر التاريخ، كما طالب خلفان بإنهاء شرعية الرئيس هادي، مؤكداً أنها الطريقة الوحيدة لاستقلال الجنوب، واعتبر أن التفريط بهذا الاستقلال يعد تفريطاً في الأمن القومي العربي والخليجي.
انقسام التحالف
وعقب الهجوم أعلن التحالف العربي الذي تقوده السعودية أنه “يتابع بقلق تطور الأحداث بالعاصمة المؤقتة عدن” جنوبي البلاد، مؤكداً أنه “لن يقبل بأي عبث بمصالح الشعب اليمني”، وهو البيان الذي عكس خلافات كبيرة في صفوف طرفي التحالف؛ الإمارات والسعودية.
وأكد العقيد تركي المالكي، المتحدث باسم التحالف، في بيان الخميس (8 أغسطس 2019)، “الرفض القاطع من قيادة القوات المشتركة للتحالف لهذه التطورات الخطيرة”، وفق بيان نقلته وكالة الأنباء السعودية، بعنوان “نرفض أي إجراءات تضر بأمن واستقرار عدن”.
وأضاف المالكي أن القيادة “لن تقبل بأي عبث بمصالح الشعب اليمني”، داعياً “كافة الأطراف والمكونات لتحكيم العقل وتغليب المصلحة الوطنية والعمل مع الحكومة اليمنية الشرعية في تخطي المرحلة الحرجة وإرهاصاتها”.
ويعكس الهجوم الجنوبي المدعوم إماراتياً تضارباً في مصالح الرياض وأبوظبي، خاصة أنه بدأ بعد أقل من شهر من إعلان الإمارات انسحابها من اليمن في ظل تقاربها مع إيران، وترك السعودية وحيدة هناك.
وفي حديث سابق مع “الخليج أونلاين” اعتبر الباحث في العلاقات الدولية، عادل المسني، أن الإمارات تتطلع إلى أداء دور إقليمي، وهي ترى أن المملكة بحجمها وإمكاناتها تقف عقبة أمام هذا الطموح، ولذا –يقول المسني- نجد أن الإمارات عملت على إغلاق الجنوب أمام السعودية والشرعية وتضييق خياراتهما.
ويتابع المسني حديثه قائلاً: “مع ارتفاع وتيرة التوتر مع إيران، وازدياد الاهتمام بتشكيل تحالفات، تعلن الإمارات الانسحاب، في خطوة واضحة للابتزاز من ناحية، وتنصل من استحقاقات التصعيد والمواجهة مع إيران، بحيث تبدو السعودية معزولة وحيدة كالأيتام على مأدبة اللئام”.
إرهاصات الهجوم
وبالعودة إلى بداية الحرب، كانت الإمارات تدعم الرئيس عبد ربه منصور هادي، أما اليوم فهي تطالب بإزاحته وتقسيم اليمن، وتطالب بالجنوب تحديداً.
وقبل الهجوم الجديد، كان مصدر حكومي يمني رفيع كشف لموقع “الجزيرة”، (في 6 أغسطس 2019)، أن الحكومة كشفت عن ترتيبات يجريها المجلس الانتقالي المدعوم إماراتياً ومليشياته، لاقتحام قصر المعاشيق في عدن جنوب اليمن.
وصعّد “المجلس الانتقالي الجنوبي” من لهجته مؤخراً، وقال في بيان صدر عن لجنة الهبة الشعبية التي أطلقوها في العاصمة المؤقتة عدن: إن “على الحكومة مغادرة العاصمة عدن وكل مدن الجنوب فوراً، وإخلاء كافة أراضيه من الوحدات العسكرية الشمالية، ونقلها إلى جبهات الحرب ضد الحوثي في الشمال، وندعو الرئيس عبد ربه منصور هادي والأشقاء في التحالف العربي لنقل كامل السلطات على أرض الجنوب سلمياً، وتمكين الجنوبيين من إدارة أرضهم ومواردهم”.
وتزامن البيان مع تحرك القوات التابعة له (الحزام الأمني) المدعومة من الإمارات، استعداداً لاقتحام قصر المعاشيق الرئاسي والسيطرة على المؤسسات الحكومية، وفقاً لموقع “الجزيرة”.
كما كان تسريب صوتي منسوب لقائد في قوات الحماية الرئاسية اليمنية قد كشف، في يونيو 2019، عن وجود مخطط إماراتي لسيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من أبوظبي على عدن، العاصمة اليمنية المؤقتة.
وقال قائد اللواء الرابع في قوات الحماية الرئاسية اليمنية، العميد مهران قباطي، وقتها، إن المجلس الانتقالي الجنوبي أنهى ترتيباته للسيطرة على البنك المركزي والوزارات الحكومية والقصر الرئاسي اليمني (معاشيق) بعدن.
تصعيد الإمارات ضد الحكومة
الباحث السياسي اليمني محمد الصادق اعتبر ما تقوم به مليشيا الانتقالي الجنوبي في عدن تصعيداً من الإمارات ضد الحكومة، “وترك القاتل الحقيقي دون عقاب”.
وأوضح في حديث لـ”الخليج أونلاين”، أن ما يقوم به الانتقالي الجنوبي يأتي “ترجمة للاتفاق الإماراتي الإيراني بالتآمر على الشرعية اليمنية وتقويض صلاحيتها، من أجل اقتسام اليمن جنوباً لأبوظبي وشمالاً لطهران”.
وأضاف: “الحوثيون اعترفوا بالهجوم الذي وقع في معسكر الجلاء بعدن وقتل فيه قيادي في الحزام الأمني، وبدلاً من مقاتلة الحوثيين تلجأ هذه القوات لطرد الشماليين ومحاربة الحكومة، وهذا دليل على أن الانفصاليين لا يهمهم الاستقلال عن اليمن بقدر ما ينفذون أوامر الإمارات”.
واتهم في سياق حديثه الحكومة اليمنية بعدم جديتها في وضع حلول للتدخلات الإماراتية في اليمن، وقال: “كان على الشرعية أن تطالب بطرد الإمارات واعتبار ما تقوم به احتلالاً مهما كان الثمن”.
وفي سياق ذي صلة، كان نشطاء نشروا على مواقع التواصل الاجتماعي تسجيلاً صوتياً لقيادي في تلك القوات يدعو لعدم نشر مقاطع فيديو لعمليات الترحيل؛ “خشية المحاسبة والملاحقة الدولية”، فيما حاول الحزام الأمني نفي الاتهامات الموجهة له، وأصدر بياناً يقول إنه “ضد أي عمليات ترحيل أو انتهاكات تحدث في الجنوب”.
تهميش الشرعية
دعمت الإمارات “المجلس الانتقالي الجنوبي”، الذي عزز وجوده في مدن الجنوب وسعى للانفصال عن اليمن، ونشرت أبوظبي نحو 30 طائرة حربية للمشاركة في العمليات بالجنوب، كما أن هناك مستشارين إماراتيين وضباطاً وقوات برية لا يعرف تقدير أعدادها، ولها دور بارز في استعادة مدينتي عدن ومأرب التاريخية وسد مأرب من الحوثيين.
كما أن الإمارات خسرت العديد من القتلى في اليمن، وتمددت قواتها صوب حضرموت وسقطرى في البحر العربي، وتتولّى زمام معركة الساحل الغربي اليمني. وللقوات الإماراتية تقدم طفيف في الشريط المطل على البحر الأحمر (ذوباب وكهبوب والمخا)، وهي تمتلك معظم الدور العسكري واللوجستي، في أهم المدن اليمنية تأثيراً على الأحداث حالياً، وسيطرت على ميناء البريقة، الذي يعد المورد الرئيس لجميع الإمدادات اللوجستية، بما يشمل السلاح والمواد الإغاثية.
وكانت الإمارات منعت، في فبراير الماضي، طائرة الرئيس هادي من الهبوط في مطار عدن، كما منعت قائد ألوية الحرس الرئاسي مهران القباطي من دخول المدينة.
واستقدمت أبوظبي خلال زيارة قيادات إماراتية إلى جزيرة سقطرى بعض المرافقين ممن لا يمتلكون موافقة السلطات اليمنية بالدخول.
كما سبق أن اعترضت الإمارات على قرارات للرئيس هادي حول التعيينات، مثل تغيير رئيس الحكومة خالد بحاح سابقاً، وتعيين علي محسن نائباً للرئيس، وتغيير عيدروس الزبيدي محافظ عدن.
وخلال زيارة الرئيس هادي إلى العاصمة أبوظبي في ديسمبر 2016، لم يجد أي حفاوة أو حضوراً لأي مسؤول إماراتي رفيع، في خطوة تعبر عن مدى التوتر الذي تعيشه العلاقة بينه وبين الساسة الإماراتيين، ما اضطره إلى المغادرة الفورية، إلى جانب تناوله بالنقد والسخرية من شخصيات رسمية في وسائل الإعلام في الإمارات.
تركة الإمارات
الانسحاب الذي أعلنت عنه الإمارات من اليمن، فتح باب التساؤلات واسعاً حول التركة التي ستتركها إذا ما صدقت فعلاً في إعلانها.
ويرى المحلل السياسي اليمني منصور الريمي أن الإمارات تركت اليمن أمام “تركة ثقيلة ومستقبل غامض بعد إعلانها الانسحاب الشكلي من البلاد”.
وأضاف الريمي، في حديثه مع “الخليج أونلاين”، أن المخاوف “برزت بعد الإعلان الإماراتي، خصوصاً أن القرار كان غير معلن، وقد يكون استعداداً للتصعيد والذهاب نحو الانفصال لتترك البلد منقسماً وضعيفاً وتحول اليمن إلى دولة فاشلة تحكمها المليشيات كما يحدث اليوم في عدن”.
ويتابع الباحث أن “تأويلات كثيرة صاحبت الانسحاب الذي وصف بأنه جزء من الصراع الخفي بين الرياض وأبوظبي الذي كشفته أحداث طرد القوات الإماراتية من (منطقة) سيئون، فضلاً عن الضغوط الدولية من جراء الانتهاكات الإنسانية التي ارتكبتها قوات الإمارات والأحزمة الموالية لها في عدد من المحافظات اليمنية”.
كما يقول الريمي: “يبقى من الثابت أن أطماع أبوظبي في موانئ اليمن ما تزال قائمة، وتشهد عليها ممارسات القوات الإماراتية في المخا والمكلا وعدن والحديدة ذاتها. ولذلك لم يكن مستغرباً أن التخفيض لم يشمل مناطق في شبوة والساحل الغربي، بل جرى العكس عملياً، وعُزِّزت القوات في هذه المناطق”.
اضف تعليقا