كتب- باسم الشجاعي:
بالنظر سريعًا إلى آخر العمليات العسكرية التي ظهرت فيها الحركات المُسلَّحة في مصر خلال الفترة الماضية، ماعدا محافظة شمال سيناء، نجد أنَّ البلاد دخلت في فترة من السكون والهدوء.
الهدوء امتدَّ إلى جميع التنظيمات المسلحة التي تواجهها الدولة؛ حيث مرَّت عدة أشهر دون تنفيذ هجوم جديد خارج سيناء، الأمر الذي يثير التساؤل حول الأسباب الحقيقية وراء هذا الهدوء.
وبحسب رصد موقع “العدسة”، كانت آخر عملية خارج سيناء شهدتها مصر في نهاية شهر مارس الماضي؛ حيث قُتِل شرطيان وأصيب ثلاثة آخرون في انفجار سيارة مفخخة في مدينة الإسكندرية الساحلية شمالي البلاد.
واستهدف الانفجار مدير أمن المحافظة مصطفى النمر، بحسب بيان وزارة الداخلية.
وجاء هذا التفجير قبل يومين من الانتخابات الرئاسية المصرية الأخيرة، والتي فاز فيها “عبد الفتاح السيسي”، على منافسه الوحيد المؤيِّد له من الأساس “موسى مصطفى موسى”.
وينشط في مصر وخاصة سيناء، عدة تنظيمات أبرزها “أنصار بيت المقدس”، الذي أعلن في نوفمبر 2014، مبايعة تنظيم “الدولة الإسلامية”، وغيّر اسمه لاحقًا إلى “ولاية سيناء” وأعلن مسؤوليته عن مقتل مئات من عناصر الجيش والشرطة.
وتنظيم “أنصار بيت المقدس” أو “ولاية سيناء” هو الأخطر والأقوى في مصر؛ حيث قام بالعديد من العمليات المسلحة التي استهدفت عناصر من الجيش و الشرطة وسكانًا محليين ورجال قضاء.
كما تبنّت الاعتداء على مقر مديرية أمن الدقهلية الذي أسفر عن مقتل 15 مواطنًا، وإصابة 130 في 25 ديسمبر 2013، علاوة على اغتيال مساعد وزير الداخلية “محمد السعيد” في 28 يناير2014، وفي يوليو 2015 وقع انفجار ضخم بوسط القاهرة؛ حيث أعلنت “ولاية سيناء” المسؤولية عن تفجير سيارة ملغومة تحمل 450 كيلوجرامًا من المواد المتفجرة أمام القنصلية الإيطالية فى القاهرة، ما تسبَّب في مقتل شخص وإصابة 9، وفي 11 ديسمبر 2016 استهدفت الكنيسة البطرسية، وتسبّب الحادث في سقوط 25 قتيلًا علاوة عن العشرات من المصابين.
وشهد عام 2017، تغييرًا في تكتيكات التنظيمات المسلحة في مصر من حيث النمط والمناطق المستهدفة بجانب الاستخدام العالي للتكنولوجيا سواء في العمليات أو في عملية الاستقطاب.
التأثر بالضربات الأمنية
لعلَّ السبب الأول لحالة الهدوء تلك التي تسود التنظيمات المسلحة في مصر هو الاختفاء والتواري عن الأنظار، تأثرًا بالضربات الأمنية، أو خشية الوقوع تحت طائلة هذه الضربات.
فمنذ فبراير الماضي تشهد مصر عملية عسكرية شاملة التي بدأها الجيش المصري في سيناء؛ حيث رفع الجيش المصري حالة التأهب إلى الدرجة القصوى في محافظة شمال سيناء، وذلك بالتزامن مع قصف مكثّف بدأه على عدة مواقع بالمحافظة، التي تعيش على وقع معارك شبه مستمرة بين الجيش ومجموعات مسلحة أبرزها “ولاية سيناء” الموالي لتنظيم الدولة.
واستنادًا إلى البيانات العسكرية السابقة، منذ بدء العملية في 9 فبراير الماضي، يرتفع عدد القتلى المسلحين إلى 286 مسلحًا، بخلاف 37 عسكريًا، وعدد الموقوفين إلى 5179 شخصًا (تمّ الإفراج عن عدد كبير منهم دون الإعلان بشكل نهائي).
وعلى الرغم من الأرقام الكبيرة التي احتوتها بيانات المتحدث العسكري للجيش المصري حول أعداد المسلحين القتلى والاعتقالات العشوائية التي طاولت آلاف المواطنين، والحديث عن السيطرة الأمنية على غالبية مناطق سيناء، إلا أنَّ هجمات تنظيم “داعش” على مدينة العريش عاصمة محافظة شمال سيناء، مازالت قائمة.
وبحسب تقارير إعلامية تمّ رصد وقوع 5 هجمات على الأقل بمدينة العريش ومحيطها، بعد هدوء دام أسابيع طويلة بفعل الطوق الأمني الذي فرضته قوى الأمن المصرية على المدينة في فبراير الماضي، فيما أوقعت هذه الهجمات خسائر بشرية ومادية في صفوف قوات الأمن.
ومن أبرز الهجمات التي وقعت أخيرًا تلك المتمثلة باستهداف دورية تابعة للعمليات الخاصة في الداخلية المصرية، والتي كان يقلها قائد جهاز الأمن المركزي في محافظة شمال سيناء اللواء “ناصر حسين”، ما أدَّى لمقتل ضابط وعسكريين وإصابة آخرين جنوب مدينة العريش، تبعه استهداف جيب هامر ومدرعة أمنية لقوات الجيش جنوب المدينة أيضًا.
كما قتل مسلحون مجهولون مهندسًا في إدارة المرور بالمدينة يُدعى عماد البصيلي، بالإضافة لقتل ضابط برتبة ملازم من قوات الشرطة في المدينة، عدا عن استهدافات أخرى لم يكتب لها التنفيذ.
وعلى الرغم من أنَّ هذا النوع من الاستهدافات يسير بوتيرة متباطئة، لكن تأثيره أمضى أقوى، سواء على مستوى القوات المتواجدة على الأرض أو فيما يخص الدولة بشكل عام.
ويرى خبراء أنَّ من شأن تلك العمليات أن تُحدث توترًا في صفوف القادة، وتخوفات وربما انهزامية لدى الضباط والجنود، على نحو يسهل كثيرًا من مهمة التنظيمات المسلحة في العمليات المستقبلية.
وقد يبدو في الأمر ثأر تنفذه التنظيمات المسلحة انتقامًا لبعض عناصره الذين قُتلوا أو أُلقي القبض عليهم في أعقاب العملية الشاملة التي تشهدها سيناء.
هدوء ما قبل العاصفة
ثمة سيناريو آخر مطروح على الساحة السياسية في مصر يفسِّر حالة الغياب للتنظيمات المسلحة عن المشهد؛ حيث رجّح البعض أن يكون هذا “هدوء ما قبل العاصفة”، واستعدادًا لعمليات تجري على قدمٍ وساق، تكون موجعة بقدر كبير خاصة مع في ظل وجود وزير للداخلية جديد.
فوفقًا لتقارير إعلامية نشرت على مدى السنوات الماضية فإنّ التنظيمات المسلحة في سيناء تمتلك أسلحة ثقيلة، وتستطيع إحداث ضربات طويلة المدى، ولكن يصعب استخدامها في ظلّ حالة التمشيط الجوي الذي تقوم به القوات الجوية المصرية.
ومن بين تلك المعدات: “صواريخ ستريلا، وبنادق قنص ستير النمساوية، ومدافع DShK الروسية الثقيلة، وأحدث طراز من بنادق الكلاشنيكوف، وصواريخ مضادة للدبابات، ومنظومات الدفاع الجوي المحمولة أرض– جو، ومركبات مدرعة، وكميات من مادة تي إن تي ومتفجرات سي-4، فضلًا عن الألواح الشمسية، والهواتف المحمولة، وقطع غيار للمركبات والدراجات النارية، وسيارات الدفع الرباعي والربع نقل والملاكي والأسلحة المتوسطة والخفيفة التي ظهرت مجتمعة في عرض عسكري نظّمه داعش في مارس 2015، فضلًا عن المعدات الطبية. ”
والباعث على القلق إمكانية انتقال مسرح العمليات خارج سيناء، وخاصة المدن القريبة مثل “السويس والإسماعيلية وبورسعيد”.
وربما لا يمكن تصوُّر حجم التهديد الذي قد تواجهه الدولة إذا كانت كل تلك المناطق الحيوية والاستراتيجية والمأهولة بالسكان أهدافًا للتنظيمات المسلحة.
ومنذ الانقلاب العسكري في مصر على الرئيس الأسبق “محمد مرسي”، توالت الأعمال الإرهابية خلال أعوام 2015 و2016 و2017، لتشهد البلاد 903 عمليات مسلحة فى المحافظات؛ حيث ظلت سيناء وخاصة مدينة العريش الأعلى فى هذا السياق بنسبة تتجاوز 80% من جملة الحوادث، وذلك بحسب تقرير لصحيفة “وطن” الموالية للنظام المصري، نُشِر في فبراير الماضي.
اضف تعليقا