العدسة – جلال إدريس
على ما يبدو أن التوتر في العلاقات بين بعض الدول الخليجية وتركيا سيشهد تطورات جديدة خلال الأيام المقبلة، خصوصا بعدما بدأت كل من السعودية والإمارات في تصعيد لهجتها ضد “الدولة التركية” بعد فترة هدوء نسبي كانت تشهدها العلاقات طوال الأشهر الماضية.
فبعد أقل من أسبوع على تصريحات ولي العهد السعودي التي هاجم فيها تركيا ووصفها بأنها أحد محاور الشر الثلاثة في المنطقة إلى جانب إيران والإرهاب، خرج وزير الدولة الإماراتي “أنور قرقاش” بتصريحات صحفية يهاجم فيها الدولة التركية ويطالبها باحترام سيادة الدول العربية.
التساؤل عن أسباب التصعيد السعودي الإماراتي ضد “تركيا” في الوقت الحالي يطرح نفسه وبقوة، خصوصا وأن دول الخليج آثرت عدم التصعيد ضد “أنقرة” طوال الفترة الماضية، رغم انحياز تركيا الكبير لصالح “قطر” في الأزمة الخليجية.
“بن سلمان” ومحور الشر
التصعيد “السعودي الإماراتي” ضد “تركيا” بدأ مطلع الأسبوع الماضي، حين وصف ولي العهد السعودي، خلال زيارته للقاهرة، الدولة التركية بأنها “أحد محاور الشر الثلاثة في المنطقة”.
وقال “بن سلمان” لرؤساء تحرير الصحف القومية المصرية إن تركيا “جزء من مثلث الشر” في المنطقة، إلى جانب إيران والجماعات الإسلامية المتشدّدة، وهو تصريح تناقلته وسائل الإعلام المصرية بكثير من الانتشاء.
ومع التهليل المصري لتصريح “بن سلمان”، سارعت سفارة المملكة في أنقرة بإصدار بيان، الخميس 8 مارس 2018، قالت فيه إن الأمير السعودي لم يقصد الإساءة لتركيا، وإن تصريحاته تم تناولها بشكل “غير صحيح”، لافتة إلى أنه كان يتحدث عن الجماعات الإسلامية المتشددة.
وكان صحفيون مصريون نقلوا عن “بن سلمان” (الأربعاء 7 مارس 2018) قوله إن العثمانيين (يقصد تركيا) يسعون لإحياء الخلافة الإسلامية، معتبراً هذا السعي نوعاً من أنواع تغذية التطرف، وهو ما ردت عليه صحف تركية، الجمعة 9 مارس 2018، بتوجيه رسالة صريحة لولي العهد السعودي، مفادها أنه لن يتمكن من حماية الحرمين الشريفين عبر تعاونه مع من يحتلون بيت المقدس، في إشارة إلى الاحتلال الإسرائيلي.
الانتقاد السعودي لـ”تركيا” يعد الأول من نوعه منذ اندلاع الأزمة الخليجية، وانحياز “تركيا” لصالح قطر، حيث دأبت كل من البلدين على إظهار التصريحات الدبلوماسية، حتى وأن كانت العلاقات في باطنها ليست على ما يرام.
وخلال فترة الحصار السعودي الإماراتي لـ”قطر” حاول “الرئيس التركي رجب طيب أردوغان” لعب دور الوسيط في مصالحة خليجية، كالتي يقوم بها أمير الكويت، إلا أن محاولاته باءت بالفشل، واضطر للقيام بجولة خليجية شملت الكويت والسعودية وقطر إلا أنها لم تُفضِ إلى شيء أيضا.
ورغم التأكيدات السعودية على متانة العلاقات بين البلدين، فإن حجم الخلاف يبدو أكبر من أن تخفيه الصدور، خاصة وأن الملفّات التي تتعارض فيها الرؤية التركية مع السعودية تتزايد يوماً بعد يوم.
قرقاش والسيادة العربية
وعلى نفس وتيرة “بن سلمان”، سلك وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، مسلكا حادا ضد “تركيا”، وأثبت بقصد أو بدون قصد ما نفته الرياض، من أن العلاقات “السعودية الإماراتية التركية “ليست في أحسن حالاتها”، وأن مستقبل هذه العلاقات “يتوقف على السياسات التركية”.
وعبر حسابه الرسمي بـ”تويتر” غرد “قرقاش” بعدة تغريدات أكد فيها أن العربي “لن يُقاد من جواره”، مطالبا تركيا باحترام سيادة الدول العربية.
وفي سلسلة تغريداته قال “قرقاش”: “لا يخفى على المراقب أن العلاقات العربية التركية ليست في أحسن حالاتها، ولعودة التوازن على أنقرة أن تراعي السيادة العربية وأن تتعامل مع جوارها بحكمة وعقلانية”.
وأضاف أن “التعرض للدول العربية الرئيسية ودعم حركات مؤدلجة تسعى لتغيير الأنظمة بالعنف لا يمثل توجها عقلانيا نحو الجوار، وأنقرة مطالبة بمراعاة سيادة الدول العربية واحترامها”، وتابع بالقول: “العالم العربي لن يقاد من جواره، وظروفه الراهنة لن تبقى دائمة، وعلى دول الجوار أن تميّز في التعامل مع العرب بين الحقائق والأساطير”.
تصريحات “قرقاش” لم تضف جديدا للمتابعين للشأن الخليجي التركي، حيث إنه من المعروف أن علاقات “السعودية والإمارات وتركيا” ليست على ما يرام منذ انحياز تركيا للجانب القطري في حصارها، أو محالة إخضاعها.
كما أن تدخل “تركيا” في الموقف القطري، أفشل مخططات رباعي الحصار في التحرك عسكرياً ضد الدوحة؛ عبر تفعيلها اتفاقية عسكرية منحتها حق مساندة الأخيرة ضد أي عدوان.
عملية عفرين والتقارب الإيراني
وفقا لمراقبين، فإن من أول الأسباب التي دعت كلا من السعودية والإمارات للتصعيد الحالي ضد “تركيا” هي عمليات عفرين العسكرية التي تقوم بها القوات التركية داخل الأراضي السورية، والتي تستهدف أنقرة منها إخلاء منطقة عفرين الحدودية مع سوريا من المسلحين الأكراد الذين تدعمهم واشنطن.
تحدي “تركيا” لواشنطن في حرب عفرين، لاشك أنه يزعج الإدارة الأمريكية، وجعلها تصعد من لهجتها ضد “تركيا”، كما دفعت الإدارة الأمريكية، بذيولها في المنطقة العربية للتصعيد ضد “تركيا”وهو ما ظهر جليا في الجامعة العربية، التي رفض رئيسها أحمد “أبو الغيط” التدخل العسكري التركي في سوريا، واعتبره تدخلا في شؤون دولة عربية.
لكن تجاهل “تركيا” لانتقادات واشنطن من جهة، وانتقادات الدول الخليجية من جهة أخرى، أزعجهم بشكل كبير، وجعل الانتقادات “الإماراتية السعودية” تطفوا على السطح ودون مواربة.
ويرى مراقبون أن الرياض تنظر بعين الريبة للتقارب الإيراني التركي الأخير، الذي تمثّل في عقد مفاوضات أستانة العام الماضي، وما ترتّب عليها من توافق على مناطق لخفض التوتّر برعاية الثلاثي روسيا وتركيا وإيران.
صفقة القرن
ووفقا لمراقبين، فإن “السعودية” وتحديدا ولي العهد “محمد بن سلمان” جزء أصيل من “صفقة القرن” التي يسعى من خلالها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لإنهاء الصراع لصالح المحتلين، في حين أن الموقف التركي يرفض هذه الصفقة جملة وتفصيلاً، فإن ذلك زاد من حدة الخلاف بين البلدين.
وقد تجلّى الخلاف عندما أعلن “ترامب” اعتراف بلاده بالقدس المحتلة عاصمة لـ “إسرائيل”، وهو الإعلان الذي ردت عليه أنقرة بلهجة شديدة وتهديدات صريحة، في حين اكتفت الرياض ببيان خافت.
رفض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لصفقة القرن دفع “السعودية والإمارات” للتصعيد ضد تركيا”، حيث إنه من المعروف أن “ترامب” يستعين بحلفائه في الرياض وأبوظبي والقاهرة والمنامة، لإتمام تلك الصفقة، إلى حد أن وصفت إحدى الصحف الإسرائيلية كلا من “محمد بن سلمان ولي عهد السعودي ويوسف العتيبة السفير الإماراتي بأمريكا” بأنهما مستشارا أمريكا في صفقة القرن.
ضوء أخضر من أمريكا
هذه المقدمات كلها، تعزز فرضية أن دول الحصار ربما حصلت على ضوء أخضر أمريكي لبدء استهداف أنقرة، بعدما فشلت إلى حد كبير في حملتها في قطر؛ إذ قد يكون البيت الأبيض مقتنعاً بأن تمرير بعض الأمور في المنطقة يستوجب عزل تركيا أو إخضاعها، إن لم يكن تغيير نظام الحكم فيها بأي طريقة، على غرار ما جرى في الانقلاب الفاشل الأخير.
في المقابل، لا تبدو القيادة التركية مكترثة بنظرة هذه الدولة أو تلك لها، ويتضح هذا في مضيها قدماً لإكمال كل ما بدأته حفاظاً على أمنها ومكانتها الإقليمية، كما أنها لم تتراجع خطوة واحدة عن دعمها لحلفائها الإقليميين، أو للقضايا التي يثير الانحياز لها غضب دول الحصار ومن وراءها.
وفي حين تكتفي دول الحصار بترويج اتهامات عبر مواقع التواصل، تقوم أنقرة بتوجيه اتهامات موثقة تثبت من خلالها وقوف دول الحصار إلى جانب الاستبداد، ودعمها للانقلابات العسكرية وتفتيت الدول، ومن هذا ما كشفته أنقرة أواخر العام الماضي عن ضلوع أبوظبي في التخطيط للانقلاب على الرئيس السوداني عمر البشير في يوليو 2017.
وسبق أن أعلنت تركيا أيضاً أنها تمتلك أدلة على تورط الإماراتيين في دعم الانقلاب الفاشل الذي جرى في يوليو 2016 ضد الرئيس التركي.
وفي الخلاف الأخير الذي حصل بسبب اتهام وزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد، القائد العثماني فخر الدين باشا بسرقة المدينة المنورة، جاء رد الرئيس التركي حاسماً، عندما طالب الوزير الإماراتي بأن يلزم حدوده ويعرف مع من يتحدث.
وقد أخرجت تركيا وثائق من الأرشيف العثماني أثبتت تعامل مؤسسي الإمارات مع الاحتلال الإنجليزي ضد الخلافة العثمانية، وقيام زايد الأول بشن حملات سرقة واستهداف لدولة قطر بإيعاز من بريطانيا.
اضف تعليقا