العدسة_ بسام الظاهر

تتوسع دول المنطقة العربية في اتخاذ إجراءات من شأنها أن تنسحب على المدنيين وتحديدا الحديث عن المعارضة، تحت ستار مواجهة الإرهاب والمليشيات المسلحة.

هذا التوجه يمكن رصده بشكل واضح في البحرين من خلال الاتجاه إلى محاكمة المدنيين في محاكم عسكري، في خطوة هى الأولى من نوعها هناك.

انتقادات حقوقية وتخوفات داخلية من هذه الخطوة التي يبدو أنها ستكون سيفًا مسلطًا على المعارضة البحرينية خلال الفترة المقبلة، ولكن ما هى الحاجة إلى هذه المحاكمات خلال الفترة المقبلة؟.

أول قضية

وتنظر المحكمة العسكرية البحرينية أول قضية لمدنيين، بعد أن أحالت السلطات مجموعة من المتهمين بالتحضير لشن هجمات على القوات المسلحة.

وقال رئيس القضاء العسكري العميد يوسف راشد فليفل، إن أجهزة مكافحة الإرهاب تمكنت من القبض على “خلية إرهابية” استهدفت ارتكاب عدد من الجرائم الإرهابية ضد قوة دفاع البحرين.

وأضاف فليفل، أن النيابة العسكرية بعد إنهاء تحقيقاتها قررت إحالة المتهمين إلى المحكمة العسكرية الكبرى وسيتم من قبلها تحديد الموعد المقرر لجلسة المحاكمة.

وهذه المرة الأولى التي يتم فيها إحالة مدنيين للمحاكمة العسكرية منذ تعديل الدستور في مادته التي لم تكن تتيح الإحالة إلى محاكم عسكرية.

Image result for ‫يوسف راشد فليفل‬‎

العميد يوسف راشد فليفل

ولكن الغريب أن السلطات البحرينية لم توضح طبيعة وتفاصيل القضية وأسماء المتهمين حتى الآن، بما يثير التخوفات حول ضم معارضين للحكم الحالي في هذه القضية.

وتمت هذه الإحالة بموجب تعديل دستوري يتيح محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري في إبريل الماضي.

هذه الخطوة أثارت استهجان وردود أفعال سلبية حقوقية دولية، منظمة العفو الدولية قالت إن ملك البحرين صدق على تعديل دستوري يمهد السبيل لمحاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، في دلالة جديدة على جهود البحرين لسد سبل نيل العدالة والمحاكمة العادلة.

وقالت لين معلوف، مديرة البحوث بمكتب بيروت الإقليمي، “إن هذا التعديل الدستوري بمثابة كارثة تحيق بمستقبل المحاكمات العادلة ونظام العدالة في البحرين”.

وأضافت: “أنه جزء من نمط أوسع تستخدم الحكومة في إطاره المحاكم في قمع كل أشكال المعارضة على حساب حقوق الإنسان”.

وتابعت: “بدلًا من أن تسعى السلطات في البحرين إلى تصحيح العيوب التي اتسم بها تاريخها المشين من المحاكمات الجائرة والإفلات من العقاب، قررت المضي خطوة أخرى في طريق تقويض الثقة في استقلال ونزاهة المحاكم ونظام العدالة ككل”.

تعديل الدستور

قصة تعديل الدستور بدأت في شهر فبراير الماضي بتقديم اقتراح إلى السلطة التشريعية في البحرين، قبل الموافقة عليه مارس الماضي.

ووافق 27 صوتا أي ما يشكل أغلبية الثلثين المطلوبة لإقرار التعديل في مجلسي الشورى والنواب من أصل 40 نائبًا في كل مجلس.

وبرّر عضو مجلس الشورى السابق فريد غازي، التعديلات بالقول إن الهدف هو حماية المجتمع من الأعمال الإرهابية، موضحا أن البحرين ليست الدولة الأولى التي تذهب باتجاه هذا التعديل الدستوري، إذ إن هذا الأمر معمول به في دساتير عدد من الدول العربية والأجنبية.

Image result for ‫مجلس الشورى بالبحرين‬‎

مجلس شورى البحرين

وذهب إلى أن التعديل يستند لنظرة حماية المجتمع، وتم بتوافق وقبول مجتمعي بالإضافة إلى إرادة ملكية.

وبعد شهر تقريبا من موافقة السلطة التشريعية على تعديل الدستور، أصدر ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، تعديلات لقانون القضاء العسكري بما يتماشى مع التعديلات الدستورية.

هذه التعديلات أثارت علامات الاستفهام حول الهدف منها خلال هذا التوقيت، في ظل عدم تصاعد عمليات مسلحة ضد قوات الجيش والشرطة هناك بالصورة التي تستعدي هذا الأمر.

كما أنها لم تأتِ في ظل الاضطرابات التي شهدتها البحرين في 2011، والتي تم إخمادها بالقوة، بما يعني وجود أهداف خاصة بنظام الحكم هناك.

لماذا؟

ويمكن تفسير خطوة إحالة المدنيين للقضاء العسكري في إطار نوع من قمع المعارضة في البحرين، خاصة مع إجراءات سابقة تم اتخاذها في هذا الصدد.

وبات أن خطوة تعديل الدستور ليست إلا مزيد من فرض السيطرة على كل المعارضين خلال الفترة المقبلة، بما يتيح إصدار أحكام عسكرية مشددة بعيدا عن القضاء المدني.

ويمكن فهم دوافع النظام البحريني لإصدار هذا التعديل الدستوري، وفقًا لما جاء على لسان وزير العدل خالد بن علي آل خليفة، وقال: “إن بلاده لم تكن تستطيع القيام بهذه الخطوة إلا بإعلان الأحكام العرفية، لكن وفق التعديل الجديد للدستور سيكون بإمكان المحاكم العسكرية مباشرة هذه القضايا”.

وهذا ربما يشير إلى رغبة من الحكومة البحرينية في تجنب إعلان حالة الطوارئ والأحكام العرفية لعدم توجيه انتقادات دولية وحقوقية لهذا الأمر حالة استمرارها في ظل هدوء الأوضاع في البلاد، ولكن في المقابل هناك رغبة في استمرار الضغط على المعارضة.

وتصبح المحاكمات العسكرية للمدنيين سيفا مسلطا على رقاب المعارضة في كل وقت.

وزير العدل نفسه أكد على هذه الفكرة، من خلال استخدام نفس العبارات التي يطلقها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لناحية الدخول في حرب من نوع جديد أطلق عليها “حروب الجيل الرابع”.

ولكن الغريب في حديث الوزير هو تعريفه للمدني والعسكري في إطار تبرير هذه الخطوة، وقال: “إن مرتكبي الأعمال الإرهابية ليسوا مدنيين وإنما يمارسون العنف المسلح، ويتلقون تدريبات قتالية وتجب مواجهتهم بتطوير التشريعات القضائية الرادعة لهم”.

وبموجب هذا التعديل يبقى أن السلطات البحرينية يسهل عليها إحالة أي عضو في حركات المعارضة التي تصنفها البحرين إرهابية أو أخرى تم حلها تحت دعوى التحريض والتنفيذ لعمليات مسلحة.

وأحد الجهات المعارضة التي تصنفها البحرين “إرهابية”، ائتلاف 14 فبراير، على الرغم من تأكيده انتهاج العمل السلمي وعدم اللجوء للعنف في إطار تغيير النظام البحريني.

مظاهرات البحرين

محاكمات غير عادلة

وبعيدًا عن أهداف التعديل الدستوري، فإن الأزمة تتعدى إحالة المدنيين للقضاء العسكري إلى عدم وجود محاكمات غير عادلة بالأساس في القضاء المدني، بما يزيد من الأوضاع سوءا.

منظمة العفو الدولية أشارت إلى أنّ هذا التعديل بموجبه يتعرض المتهمون، بما في ذلك المدنيون، لمحاكمات عسكرية شديدة الجور، من بينها محاكمات يُحتَمَل أن تُعقَد وراء أبواب مغلقة، مع حرمانهم من الاستعانة بمحام من اختيارهم.

وتعيد هذه الخطوة إلى الأذهان كذلك فترة حالة الطوارئ التي فُرِضَت في البحرين عقب الاحتجاجات الحاشدة في عام 2011، واستُخدِمَت المحاكم العسكرية خلالها في قمع المعارضة.

وحكم على عشرات من نشطاء المعارضة السلمية وحقوق الإنسان، والممرضين، والأطباء، والمعلمين، بالسجن في محاكمات عسكرية شديدة الجور اتسمت بنطاق من الانتهاكات مثل الأخذ “بالاعترافات” المنتزعة تحت وطأة التعذيب.

وتحت عنوان “عام من قمع المعارضة في البحرين“، أصدرت منظمة العفو الدولية تقريرًا مطولًا ينتقد إجراءات السلطات تجاه المعارضين منذ منتصف 2016 وحتى منتصف 2017.

ولكن الأزمة في غياب العدالة في المحاكمات، أشار إليه تقرير منظمة “هيومن رايتس ووتش” في 2012، الذي تحدث عن وجود خروقات كثيرة لحقوق الإنسان منذ 2011.