يبدو ساخرا أن ابن سلمان الآن -في أحد السيناريوهات الحالمة- يجلس القرفصاء في إحدى غرف قصره المرفهة، والمصفحة كليا ضد المتسللين، على أطراف البحر الأحمر بقلعة الديكتاتورية المتطورة نيوم، وهو يطالع الأخبار القادمة من الإمارات التي التزمت موقف الحياد بعد التقرير الأمريكي الاستخباراتي الذي كشف عن تورط بن سلمان في قتل الصحفي جمال خاشقجي في أكتوبر 2018.. يحبس ابن سلمان دموعه من طعنة الحليف الغادرة، وهو يناجي: جزى الله الشدائد كل خير، عرفت بها عدوي من صديقي.

 

إلا أن هذا السيناريو الحالم لا يمكن أن يكون واقعا، ليس لأن ابن سلمان أجهل من أن يعرف بيت شعر وحسب، بل ولأن ما فعله بن سلمان بحق الصحفي السعودي المعارض الذي تقطعت أوصاله في سفارة بلده وتحت علمها، لم يكن نوعا من الشدائد، وإنما جريمة قتل سياسي حقيرة استخدمت فيها أبشع صنوف الانتقام والسادية والتعذيب.

 

الإمارات تلتزم الصمت

لكن لا بأس بإلقاء الضوء على موقف الإمارات، تحصينا للمستبدين العرب المقبلين من التحالف مع صديق وهمي غير جدير بالثقة ومشاركة خطط الشر والتدمير! فقد أحبطت الإمارات مجددا حليفها السعودي في قضية قتل خاشقجي، حيث التزمت الإمارات الهدوء دون اتخاذ موقف صريح لدعم “القاتل” إزاء نشر وكالة الاستخبارات الأمريكية تقريرا يدين رسميا بن سلمان بالمسئولية عن قتل خاشقجي.

 

لم تبادر أبوظبي كعادتها لإصدار رد فعل قوي مساند لمحمد بن سلمان في محنته رغم توالي المواقف الدولية المنددة بولي العهد، واكتفت بإصدار بيان مقتضب من وزارة خارجيتها تؤكد فيه “دعمها لموقف السعودية من التقرير الأميركي وتؤيد بيان الخارجية السعودية بخصوص قضية خاشقجي”.

 

يأتي ذلك فيما نشر المسئول الأمني المقرب من دوائر الحكم في الإمارات ضاحي خلفان تغريدة مثيرة يدعو فيها إلى معاقبة سعود القحطاني المستشار المقرب من بن سلمان، في وقت سبق وأن كشفت وثائق مسربة تعمد ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد تجاهل مساندة بن سلمان الذي شغل بخذلان كبير. وتتعلق الوثائق بالأزمة الشديدة التي واجهها بن سلمان عقب جريمة قتل خاشقجي.

 

وتحت عنوان “سرّي للغاية” كتب طحنون بن زايد مستشار الأمن الوطني إلى وزير الخارجية عبدالله بن زايد، تقريراً حول “عتب” السعودية على الإمارات بشأن طريقة تعاملها مع أزمة خاشجقي. وجاء في البرقية: في إطار التعاون المستمر بين المجلس الأعلى للأمن الوطني ووزارة الخارجية، نفيد سموّكم بالمعطيات الخاصة الواردة، حول تفاعلات العلاقات السعودية الإماراتية في ظل أزمة خاشقجي، لتقدير الموقف.

 

يسري عتب سعودي كامن على غموض موقف أبو ظبي السياسي، فقد اعتبر العديد من المقرّبين من بن سلمان بأن الموقف السياسي العلني من القيادة السياسية والأمنية في أبو ظبي تحديدا حيال وضع المملكة الصعب مع أزمة خاشقجي لم يرقَ إلى الطموحات السعودية، ربما بسبب ارتفاع نسبة “العشم” السعودي تجاه القيادة الإماراتية.

 

اليمن.. ساحة أخرى

الخذلان الإماراتي لطموحات ابن سلمان قديمة بقدم التحالف بينهما نفسه، فرغم أهازيج الأخوة والتحالف الدائم، إلا أن ذلك لا يمنع بعض الشخصيات السعودية والإماراتية المعروفة والنشطة على وسائل التواصل الاجتماعي من توجيه الانتقادات لبعضها البعض، مثلما فعل الإماراتي ضاحي خلفان الذي أثار زوبعة على موقع تويتر، قوبلت بحملة سعودية لمقاطعة البضائع الإماراتية. فملف اليمن حساس جدا بالنسبة إلى طرفي التحالف، وما يزيد الأمر سخونة، ارتباطه بالخصم الإيراني الذي يلعب دورا في اليمن من خلال حلفائه الحوثيين.

 

ومنذ بداية الحرب في اليمن، شاركت الإمارات في مقاتلة ثلاثة أعداء في آنٍ واحد: جماعة أنصار الله الحوثي، والإخوان المسلمين، والقاعدة، بحسب نائب رئيس أركان القوات المسلحة الإماراتية، قائد العمليات المشتركة في اليمن عيسى بن عبلان المزروعي.

 

وهكذا بدا الخلاف واضحا منذ عام 2015، بين أبو ظبي التي تضع ضمن أهدافها محاربة حزب “الإصلاح” اليمني، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، والرياض التي تستضيف قيادات الحزب وتتعاون مع أذرعه العسكرية لمساندة قوات الرئيس عبد ربه منصور هادي في حربها ضد الحوثيين.

 

أما حزب الإصلاح، الذي فقد الكثير من ثقله في النسيج القبلي والاجتماعي اليمني، فلم يستطع بسط سيطرته على مناطق وسط وجنوب اليمن، وشاب التوتّر علاقاته مع المجلس الانتقالي الجنوبي، حليف الإمارات العربية التي استطاعت تشكيل تحالفاتٍ أقوى على الأرض مع التيارات السلفية الخصم الإيديولوجي التاريخي لتنظيم الإخوان المسلمين.

 

وما سهّل مهمة أبو ظبي، هو وجود روابط تاريخية تعود إلى ستينيات القرن الماضي، تربط إماراتيين بجذورهم الجنوبية-اليمنية، بالإضافة إلى أن السلفيين البارزين، الذين تعاملت معهم الإمارات، أمثال عادل الذبحاني (أبو العباس) في تعز وهاني بن بريك في عدن، وحمدي شكري في الساحل الغربي، وغيرهم، تخرجوا من مدرسة “الوادعي” القريب من السعودية، كما أن “مداخلة” اليمن جزء لا يتجزأ من “مداخلة” السعودية. 

 

دعم غير موجود

وبالعودة لقضية خاشقجي، فقد كان السؤال الأهم في الرياض طيلة الشهر الماضي هو: لماذا لم يزر محمد بن زايد الرياض ولو لساعات؟ ولكن يمكن فهم الأمر بالنظر إلى تنامي حالة استياء نخبوي سعودي من الإمارات لا سيما مع أزمة خاشقجي، التي لوحظ خلالها تنامي مشاعر استياء من قبل نخب سياسية وأمنية وثقافية سعودية ضد الإمارات وخاصة أبو ظبي.

 

وانتشر القول في المجالس الخاصة وداخل مكاتب موظفي الدولة بأنها هي من ورّطت ولي العهد السعودي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ليتحول إلى شخص مندفع، ويخرج عن تقاليد المدرسة التقليدية السعودية القائمة على الصبر والتحمّل والحلم. بل إن بعضاً من الأمنيين المحافظين ذهب مع الرواية التركية الرسمية بأن للإمارات دوراً ما في الحادثة.

اقرأ المزيد: قبل ساعات من نشر تقرير خاشقجي.. ماذا يحدث الآن في قصور آل سعود؟