إبراهيم سمعان

خصخصة جزء من “أرامكو” كانت ضمن خطة ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان” الطموحة في رؤيته 2030، ولكن على ما يبدو أنَّ عملية طرح أكبر شركة نفط بالعالم في البورصة- والتي كانت منتظرة خلال العام الجاري- قد تأجلت. وفق ما أكدت وكالة ” بلومبيرج الأمريكية.

وأرجعت “الوكالة”، ذلك لعدة عوامل؛ أهمها المبالغة الكبيرة في القيمة السوقية لشركة “أرامكو “التي قال “ابن سلمان”: إنها يمكن أن تصل إلى تريليوني دولار، وربما إلى 2.5 تريليون، وتخوّف المستثمرين.

وأوضحت “بلومبيرج” أن ضغوط الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” على السعوديين لزيادة إنتاج المملكة من الخام بنحو مليوني برميل يوميًا بما يؤدّي إلى تراجع أسعار النفط، يعني قيمة سوقية أقلّ لشركة النفط السعودية.

ويناقض التراجع عن هذه الخطوة ما أكّده “ابن سلمان” خلال زيارته للولايات المتحدة في أبريل الماضي حول جاهزية بلاده لطرح “أرامكو” في البورصة.

كما أشار الموقع الأمريكي إلى أنَّ المسؤولين السعوديين باتوا الآن يقللون من التوقعات فيما يتعلق بعملية الإدراج المحتملة، بل إنَّ مراقبين- بمن فيهم أعضاء في قيادة شركة أرامكو- لديهم شكوك في أن تتم عملية الإدراج أساسًا، غير أن وزير الطاقة السعودي “خالد الفالح” قلل من حدة تلك التوقعات بقوله: إن توقيت الإدراج ليس مسألة مُلِحّة بالنسبة للحكومة السعودية، وإنه سيكون أمرًا جيدًا لو تمّت العملية في 2019.

ومن المقرر أن يكون طرح شركة أرامكو- إن حدث- أكبر اختبار للإصلاحات في السعودية ولجدواها بالكيفية الحالية، وأيضًا لبرنامجها الزمني الذي سيعدل للمرة الثانية بعد أن تم نقله بهدف تحقيق التوازن المالي من عام 2020 إلى عام 2023 للتخلص من العجز الكبير في الموازنة.

وفي حال تأجيل طرح اكتتاب “أرامكو” إلى ما بعد عام 2019 – أو حتى تعليقه- فإن ذلك سيعدّ بمثابة انتكاسة لخطة “محمد بن سلمان” الاقتصادية، كما سيجعل البلاد عُرضة للإشارات إلى أنَّها ليست جادة حقًا بشأن إصلاح اقتصادها.

حالة التردد هذه تضاف إلى حالة القلق التي تنتاب كبار المستثمرين في السعودية، بسبب ملاحقات بعيدة عن سلطة القانون بغرض تحصيل مبالغ مالية كبيرة، ما يشكل تهديدًا للبيئة الاستثمارية في المملكة، ويضعف فرص إقامة إصلاحات اقتصادية حقيقية وليس مجرد شعارات لأغراض سياسية.

ورغم أنها أكثر شركة ربحية في العالم فإنَّ هناك ما يخيف المستثمرين منها؛ حيث أصبحت مشكلة التقييم أكثر وضوحًا بعدما كشفت وكالة “بلومبيرج” عن أول بيانات محاسبية لـ”أرامكو” منذ تأميمها قبل 40 عامًا.

وتضمنت الوثائق المسربة النظام الضريبي للشركة، الذي يُعَد سريًا حتى الآن.

وأظهرت هذه الحسابات كذلك أن أرامكو أكثر الشركات ربحية في العالم؛ إذ حقَّقت 33.8 مليار دولار دخلًا صافيًا في الشهور الستة الأولى من عام 2017، وذلك قبل احتساب الضرائب.

وتذهب معظم الأموال النقدية التي تولّدها هذه الشركة عالية الضرائب إلى الميزانية الحكومية على هيئة رسوم امتيازات.

فكيف يمكن للمستثمرين التأكد من أن الحكومة لن تزيد الضرائب على الشركة، كي تُموِّل المزيد من الإنفاق الاجتماعي أو العسكري، لاسيما أنّ الحكومة تحتاج بالفعل إلى سعر للبترول يناهز 80 دولارًا للبرميل، من أجل الوصول إلى نقطة التوازن، وفق ما أشارت “بلومبيرج”.

ويتجاوز لغز “أرامكو” موضوع التقييم؛ فقد يكونون مرعوبين أيضًا من الطريقة التي يتم بها تسعير النفط، فلطالما تمّ تحديد إنتاج الشركة من قبل الدولة، في حين يرى المستثمرون أنه يجب أن تتوافق الشركة مع ما تقرِّره “أوبك”؛ حيث تعدّ السعودية هي العضو القيادي، ويخلق هذا صراعات محتملة بين ما يصلح للحكومة في الرياض وما يزيد من عوائد المستثمرين إلى أقصى حد.

كما يشعر مديرو الصناديق بالقلق من أنَّ قيمة حقول النفط قد تتضاءل مع قيام الحكومات بتكثيف جهودها للحد من استهلاك الوقود الأحفوري لمكافحة تغير المناخ.

وسوف يقلّل انتشار السيارات الكهربائية، على سبيل المثال، من نمو الطلب على النفط على مدى العقدين المقبلين.

ولدى الحكومة السعودية خيارات في حال قررت القيام بالاكتتاب العام بسرعة، وقد تقرّر خفض معدلات الضرائب على الشركة لدعم تقييمها، والتطلع إلى استعادة الأموال في صورة أرباح.

ومن الممكن أيضًا توفير وضع خاص لحفظ ماء الوجه؛ حيث يتم بيع حصة في شركة “أرامكو” إلى شركة صينية دون الإفصاح عن مقدار الأموال التي تمّ جمعها فعليًا في المعاملة.

وقد ناقش المسؤولون علنًا عملية بيع أو توزيع عدد قليل من الأسهم للمواطنين السعوديين في سوق الأوراق المالية المحلية في البلاد.

ويقول “جون براون”، الذي كان يدير شركة النفط البريطانية العملاقة “بي.بي بي إل سي” لأكثر من عقد من الزمان: “أنا متأكد من أنه سيكون هناك شكل من أشكال بيع أرامكو السعودية في السوق، ولكن من غير الواضح أي سوق وكيف بالضبط، وأنا هنا متردّد في استخدام كلمة الاكتتاب العام”.