ملف “حقوق الإنسان في اليمن” ملف حساس وشائك، ترفض المملكة العربية السعودية فتحه أو الاقتراب منه، بحجة أن الوقت غير مناسب تارة، أو أن الظروف غير مهيأة تارة أخرى.

وبحيلة ذكية، وربما تكون “خبيثة” تمكنت الدبلوماسية السعودية من سحب مشروع قرار أوروبي بالتحقيق في الحرب اليمينة، وفي المقابل دعمت تلك الدول مشروع قرار عربي داع إلى تشكيل لجنة وطنية يمنية للتحقيق في هذا الملف.

وبلجهة المنتصر، أعلن السفير السعودي لدى اليمن محمد بن سعيد آل جابر الجمعة الماضية، أن مجلس حقوق الإنسان قرر سحب القرار الهولندي القاضي بتشكيل لجنة تحقيق دولية في اليمن، مؤكداً  استمرار جهود المملكة في دعم ورعاية التوافق الدولي حول اليمن.

لكن فرحة السعودية لم تكتمل إذ وافقت الأمم المتحدة على إرسال محققين متخصصين في جرائم الحرب إلى اليمن للتحقيق في جميع الانتهاكات المزعومة التي ارتكبها جميع الأطراف خلال الحرب في اليمن.

فلماذا إذا ارتدعت فرائض المسؤلين السعوديين عند طرح مشروع أممي يطالب بفتح التحقيقات في ملف حقوق الإنسان باليمن؟ ولماذا بذلت السعودية جهدا كبيرا لسحب هذا المشروع؟ وما الذي تفعله السعودية باليمن حتى تخاف منه إلى هذا الحد؟ وهل كل مايقال عن الانتهاكات الكبيرة التي ترتكبها قوات التحالف العربي بقيادة السعودية صحيح؟ وإلى أين وصلت الأوضاع في اليمن بعد عامين من حرب سعودية ضروس على قوات الحوثي الشيعية المتهمة هي الأخرى بارتكاب انتهاكات حقوقية واسعة؟

أرقام مفزعة

ولمعرفة إجابات مباشرة وواضحة للأسئلة السابقة، ليس علينا إلا الذهاب لمحرك البحث الشهير جوجل، للاطلاع على تفاصيل الأوضاع الإنسانية الكارثية في اليمن، ومدى التدهور الكبير الذي شهده كل القطاعات فيها، بفضل الحرب السعودية التي بدأها الملك سلمان بن عبد العزيز في مارس 2015، بقياده نجله الأمير الساعي للملك “محمد بن سلمان”.

فعلى سبيل المثال أعلنت منظمة الصحة العالمية، أنها “سجلت 767 ألفا و524 حالة يشتبه في إصابتها بوباء الكوليرا، مع رصد 2127 حالة وفاة، في 22 محافظة يمنية من أصل 23، منذ بدء الحرب الدائرة في اليمن قبل ثلاث سنوات.

أيضا تفشت الكوليرا في اليمن ووصلت أعداد الماصبين بها لنحو المليون مصاب، وكان السبب الرئيسي تدمير المنشآت الصحية هناك جراء القصف السعودي الحوثي وما تبعه من نقص الأدوية، وقلة الأطباء، وانتشار النفايات وأكوام القمامة في الشوارع بسبب الحرب وتدهور المستوى المعيشي للمواطنين كل ذلك ساعد على انتشار الكوليرا وأصبحت وباءا يطارد اليمنين.

كذلك فإن مقتل أكثر من 5 الآف مدني على الأقل منذ اندلاع الحرب في اليمن، وفقا لما أعلنه المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة زيد بن رعد، أمر يثير قلق السعوديين، حيث إن قتل كل هؤلا المدنين الذين لاذنب لهم في تلك الحرب، يتحمله التحالف العربي الذي تقوده السعودية بحسب المفوض السامي لحقوق الإنسان باليمن.

الفقر في اليمن ارتفع أيضا لأقصى معدل له بسبب الحرب، حيث كشف مؤشرات الاقتصاد اليمني الصادر عن مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي إن نسبة الفقر في اليمن ارتفعت إلى 85% من إجمالي عدد السكان البالغ 27 مليون نسمة.

كذلك فإن أكثر من مليوني طفل يمني باتوا يعانون من سوء التغذية الحادة، ويفتقر نحو 16 مليون نسمة إلى المياه الصالحة للشرب ومرافق الصرف الصحي، وكل ذلك بسبب الحرب.

ارتكاب جرائم حرب

ليست الإحصاءات المرضية، ولا تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية في اليمن، هو مايقلق السعوديين فحسب، لكن أمرا آخرا يشكل قلقا بالغا بالنسبة لهم ويدفعهم وبقوة لمنع أي محاولات لفتح تحقيقات أممية هناك، وهو إمكانية اتهام السعودية بارتكاب جرائم حرب هناك.

ففي شهر أغسطس الماضي، طالبت منظمة «هيومن رايتس ووتش» و56 منظمة حقوقية يمنية ودولية أخرى، مجلس حقوق الإنسان التابع لـ«الأمم المتحدة» بفتح تحقيق دولي مستقل في الانتهاكات التي ترتكبها أطراف النزاع اليمني.

وأكدت «رايتس ووتش» أن التحالف العسكري بقيادة السعودية والحوثيين المتحالفين مع قوات الرئيس السابق «علي عبد الله صالح» يرتكبون «جرائم حرب» في اليمن، مع استمرار الضربات الجوية وأعمال القصف العشوائي التي تحصد أرواح مدنيين.

وبالإضافة لذلك فقد اتهمت منظمة العفو الدولية تحالف السعودية بارتكب انتهاكات جسيمة للقانون الدولي في اليمن، بينها جرائم حرب، مؤكدة أن قنبلة أمريكية “ذكية”دمرت مبنى سكنيا في صنعاء الشهر الماضي.

وأضافت المنظمة الدولية أن القنبلة أدت إلى مقتل 16 مدنيا وإصابة آخرين بينهم الطفلة بثينة التي انتشرت صورتها على نطاق واسع، مشيرة الى أن أحد خبراء الأسلحة لدى منظمة العفو الدولية قام بتحليل بقايا القنبلة، وتوصل إلى أنها تحمل علامات واضحة تماثل مكونات أمريكية الصنع عادةً ما تُستخدم في القنابل الموجَّهة بأشعة الليزر التي تُلقى من الجو.

وفي مطلع الشهر الجاري، نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية تقريرا يؤكد أن السعودية ترتكب جرائم حرب في اليمن.

التحالف العربي بقيادة السعودية متهم كذلك بتدمير المنشآت الاقتصادية والخدماتية حيث قصف المطارات المدنية في صنعاء والحديدة وعدن وتعز وصعدة، والموانئ في المخاء وعدن وميدي، إضافة الى قصفه محطة كهرباء ومحطة غاز في صعدة وجمرك حرض، ومستشفى 48، فضلا عن منعه المتعمد آلاف الأطنان من المساعدات لليمنين.

3 مخاوف سعودية

ووفقا لمراقبين فإن كل الجرائم السابقة التي ارتكبتها السعودية بحق اليمنيين بحجة الحرب على الحوثيين الشيعية، وحليفهم الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، جعلت النظام السعودي يتخوف من فتح ملف التحقيقات بشكل جاد وحقيقي وفعال، لأنه من الممكن أن يترتب عليه عدة مخاوف بالنسبة للنظام السعودي:

أولا: وقف تصدير السلاح إلى السعودية:

وهو الأمر الذي سيضعف موقفها أمام عدوتها إيران، وكانت منظمات وجهات وتيارات سياسية عربية وأوربية تطالب به مؤخرا، قد دعت بالفعل كلا من الولايات المتحدة وبريطانيا بوقف بيع السلاح للسعودية، وتحميلهم مسؤلية جرائم الحرب التي ترتكبها السعودية في اليمن، لأن الهجمات على اليمن تتم بدعم مباشر منهما سواء دعم سياسي أو عسكري.

ثانيا: الطرد من مجلس حقوق الإنسان وتعليق عضويتها:

وهو أمر تخشاه السعودية بالفعل، خاصة في ظل مساعي “بن سلمان” لتسلم الحكم من أبيه، فهو يخشى تشويه صورته بهذا الإجراء إن تم اتخاذه بالفعل، حيث تتزايد الدعوات المطالبة بطردها من المجلس، بعدما راكمت سجلا مروعا لانتهاكات حقوق الإنسان في اليمن خلال فترة عضويتها بمجلس حقوق الإنسان.

ثالثا: تفكك التحالف العربي:

تخشى السعودية أيضا إن تم فتح ملف التحقيات في انتهاكاتها باليمن، أن يتفكك التحالف العربي، ضد الحوثيين هناك، وهو التحالف الذي يضم عدة دول أبرزها مصر والبحرين والإمارات، ومن ثم فإن تفكك هذا التحالف فستضعف الجبهة السعودية في حرب الحوثيين، وهو ماسيشكل قلقا كبيرا للسعوديين، خصوصا في المناطق الحدودية الملتحمة باليمن، والتي لم تهدأ فيها وتيرة الحرب.

لكل تلك الأسباب وكل تلك المخاوف، تحارب السعودية بكل ما أوتيت من قوة لإغلاق ملف الانتهاكات باليمن، وعدم فتح تحقيقات أممية حول الانتهاكات الحقوقية فيها.