العدسة – منصور عطية

على الرغم من حالة التعتيم الإعلامي التي يفرضها الجيش المصري على عمليته العسكرية الشاملة سيناء 2018، إلا أن المواد المصورة والبيانات الرسمية التي ينشرها المتحدث العسكري، تكشف ما أسفرت وسوف تسفر عنه هذه العملية من انتهاكات مع إتمام أسبوعها الأول.

اتهامات حقوقية باستخدام الجيش للقنابل العنقودية المحرمة دوليا في الغارات التي يشنها بسيناء، تنضم إلى سجل أسود من الانتهاكات التي ارتكبتها قوات الجيش في أرض الفيروز، منذ الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي، في يوليو 2013.

قنابل عنقودية ليست الأولى

منظمة العفو الدولية “أمنستي” قالت في بيان لها، الأربعاء، إن مقطع فيديو نشره الجيش المصري يظهر استخدام القوات المسلحة للقنابل العنقودية المحرمة دوليا، في عملياتها العسكرية في شبه جزيرة سيناء.

وأكدت المنظمة أن خبراء أسلحة استشارتهم، حللوا مقطع فيديو نشره المتحدث العسكري للقوات المسلحة، العقيد تامر الرفاعي، عبر حسابه على تويتر في 9 فبراير الجاري، وتوصلوا إلى أن القنابل التي يقوم أفراد من القوات الجوية المصرية بتحميلها في طائرات حربية هي قنابل عنقودية.

وأوضحت “العفو الدولية” أن الخبراء قالوا إن القنابل العنقودية التي تظهر في الفيديو (في الدقيقة 01:33) هي قنابل مصنوعة في الولايات المتحدة، وهي من نوع “سي بي يو-87″، وتحتوي كل منها على 202 قنبلة أصغر من نوع “بي إل يو-97/بي”.

وقالت المنظمة إن هذا الكشف “يتسق مع فيديوهات سابقة تم تحليلها في 2017، وتظهر استخدام الجيش المصري لطائرات إف16 الأمريكية في إسقاط قنابل عنقودية من نوع “إم كيه-20 روكي” في شمال سيناء، فيما ظهر من الشكل والرقم التسلسلي الذي يتسق مع هذا الطراز (من القنابل)”.

وأوضحت “ناجية بونعيم”، نائبة مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية: “القنابل العنقودية أسلحة عشوائية بطبيعتها، وتتسبب في معاناة لا يمكن تخيلها طوال سنوات بعد استخدامها، وهي محظورة دوليا لهذا السبب”.

وقالت “بونعيم” إن عرض القنابل العنقودية في فيديو المتحدث العسكري، يشير إلى أن “القوات الجوية المصرية إما استخدمتها أو تنوي استخدامها، ما يبرهن على تجاهل صارخ للحياة البشرية”، وأضافت المنظمة أن القوات الجوية المصرية “لديها تاريخ من تنفيذ الهجمات غير المشروعة، حتى عندما تستخدم أسلحة أكثر دقة”.

وأشارت في بيانها إلى أن طائرات حربية مصرية من طراز إف16 نفذت عام 2015، غارات جوية على مناطق سكنية كثيفة السكان في سيناء، ما أسفر عن مقتل وإصابة العشرات، ومن بينهم أطفال في هذه الهجمات، كما نفذت طائرات حربية مصرية غارات جوية في ليبيا عام 2015، استهدفت منازل وقتلت مدنيين، من بينهم أطفال، بحسب العفو الدولية.

وأضافت “بونعيم” أن “حجاب الرقابة والسرية في سيناء أعطى عناصر القوات المسلحة شعورًا بأنه يمكنهم ارتكاب مخالفات إنسانية خطيرة، متمتعين بحصانة كاملة، وقد عزز من هذا الحملةُ القمعية التي تمارسها الحكومة بحق الصحفيين الذين يجرؤون على انتقاد العمليات العسكرية”.

سجل الانتهاكات حافل

الحديث عن انتهاكات مرتقبة تكشفها العملية سيناء 2018، يعيد إلى الأذهان سجلا حافلا من الانتهاكات التي ارتكبتها قوات الجيش في سيناء، ووثقتها منظمات حقوقية محلية ودولية، على مدار السنوات الماضية.

المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا، وثّقت مقتل 522 مدنيًّا واعتقال 755 خلال عام 2017، كآثار مباشرة لعمليات الجيش في سيناء، فضلا عن حرق 416 دراجة بخارية و299 عربة و239 عشة، و32 منزلا للأهالي، وتجريف 12 مزرعة.

وفي أبريل من العام نفسه، هزت البلاد فضيحة مقطع الفيديو المسرب الذي يصور جنودا في الجيش يقومون بعمليات إعدام ميدانية بحق مدنيين معصوبي الأعين، سبق وأن نشر المتحدث العسكري صورًا لبعضهم بصفتهم تكفيريين قتلوا في مواجهات مسلحة مع قوات الجيش، وقد أكدت منظمتا “هيومن رايتس ووتش” و”العفو الدولية” الحقوقيتان صحة التسريب.

وفي 2016، تحدث تقرير المنظمة عن مقتل 1103 مدنيًّا، منهم 1005 شخصًا قتلوا نتيجة مواجهات أمنية، والبقية قتلوا بصورة عشوائية، بالإضافة إلى اعتقال 1616 شخصًا، منهم 298 أعلن المتحدث الرسمي للقوات المسلحة أنهم مطلوبون أمنيًّا، بينما اعتقل 1318 شخصًا بدعوى الاشتباه.

وفي يونيو 2015، وثّقت “وحدة رصد انتهاكات حقوق الإنسان في سيناء” التابعة للمرصد المصري للحقوق والحريات، ما قالت إنها “جرائم حرب” ارتكبتها قوات الجيش ضد المدنيين في سيناء، خلال العامين السابقين على صدرو التقرير.

ورصد التقرير، قيام قوات الجيش والشرطة بقتل 1347 حالة خارج إطار القانون، بالإضافة إلى 11906 حالات اعتقال تعسفي، وحرق 1853 عشة مملوكة لبدو سيناء، وحرق وتدمير 1967 مركبة، إضافة لهدم 2577 منزلًا، وتهجير 3856 أسرة.

لماذا تستمر الانتهاكات؟

لكن مع استمرار انتهاكات الجيش في سيناء بوتيرة متسارعة، وتجاهل السلطات المصرية لكافة النداءات الحقوقية محليًّا وعالميًّا، يبقى التساؤل الأبرز: لماذا تستمر الانتهاكات؟ وكيف تتمكن السلطة من ضرب عرض الحائط بكل الأعراف والقوانين؟.

محاولة الإجابة على هذا التساؤل تصطدم مبدئيًّا بحالة من التعتيم الإعلامي غير المسبوقة التي تفرضها السلطات على حقيقة ما يحدث في سيناء، عبر 3 توجهات رئيسية:

أولها، تصدير المتحدث العسكري للقوات المسلحة كمصدر رسمي وحيد للمعلومات، عبر بياناته التي تنشرها صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي.

التوجه الثاني، يأتي عبر السيطرة على وسائل الإعلام التي يدور جميعها في فلك السلطة، والتحكم ليس في الأخبار فقط، بل في التحليلات السياسية والعسكرية للوضع في سيناء، والهيمنة حتى على ضيوف برامج التوك شو المتحدثين في هذا السياق.

أما التوجه الثالث، فيأتي بمنع أية وسيلة إعلامية من الاقتراب من الأحداث، ولهذا نرى أن غالبية ما يتم تسريبه من معلومات وصور ومقاطع لجرائم الجيش في سيناء، مصدره نشطاء سيناويون، سواء كانوا في قلب الأحداث، أو على تواصل مع أقاربهم ومعارفهم المقيمين هناك، وشهود العيان.

اتصالا بالإعلام، فإن السلطة ربما تستمر في انتهاكاتها بسيناء، عبر توجيه الرأي العام وحشده نحو مسألة الحرب على الإرهاب، والترويج لها باعتبارها معركة تخوضها مصر كلها، وبالتالي، يكون التغاضي عن بعض الممارسات أو التجاوزات منطقيًّا، مع اشتعال حرب كهذه.

ولعل الشاهد الأبرز على عملية الحشد تلك، ما يصاحب بيانات المتحدث العسكري بشأن سيناء 2018، من أغانٍ وطنية تلهب حماسة المواطنين، على غرار تلك المتزامنة مع حرب أكتوبر 1973، أو ما سبقها من أحداث خلال عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.

وتظل ظاهرة الإفلات من العقاب، هي المشجع الرئيسي لضباط وجنود الجيش على ارتكاب مزيد من الانتهاكات، لأنهم يعلمون جيدا أن لا محاسبة على ما يقترفونه، الأمر الذي يعيد إلى الأذهان التسريب الشهير للرئيس عبدالفتاح السيسي، وقت أن كان وزيرًا للدفاع، عندما تحدث بصراحة عن عدم محاسبة أحد عناصر الجيش إذا أطلق النار على المدنيين.

ويبقى الدعم الأمريكي اللامحدود هو المشجع الأكبر للسيسي ونظامه على الاستمرار في ارتكاب الانتهاكات بسيناء، فعلى الرغم من إمكانية أن تقود مثل هذه التقارير إلى امتناع الولايات المتحدة عن توريد تلك النوعيات من السلاح إلى مصر، إلا أن العلاقات المنسجمة بشكل غير مسبوق بين البلدين في عهدي السيسي ونظيره دونالد ترامب، تجعل الأول مطمئنًا إلى أبعد الحدود، بشأن دعم الثاني له مهما تصاعدت الأمور.