تصريحات بايدن..

 

انتهى العدوان الصهيوني على قطاع غزة بوقف تبادل إطلاق النار من الجانبين، الصهيوني والمقاومة الفلسطينية في غزة، فجر الجمعة الماضية، لكن جولة سياسية بدأت فوراً بين الولايات المتحدة والقيادة الفلسطينية، ممثلة في السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس.

وعزّزت تصريحات الرئيس الأميركي، جو بايدن، أهمية أمن الضفة الغربية المحتلة، وتأكيده على الرئيس محمود عباس رئيساً للسلطة الفلسطينية، ثبات المعادلة السياسية للسلطة، بشكل رآه كثيرون غير مبرر.

وبالرغم من الوحدة الفلسطينية على كامل التراب الفلسطيني في الأراضي المحتلة عام 1948 والضفة الغربية وقطاع غزة خلف قضية القدس المحتلة، إلا أن المعادلة السياسية للسلطة الفلسطينية لم تتغير، بل ظلت تراوح مكانها في الرهان على العملية السياسية، من دون أي استراتيجية وطنية لمواجهة الاحتلال وحماية القدس من الاعتداءات والتهويد. 

 

 

الخوف من اختلال الميزان السياسي..

 

ومع شعور القيادة الفلسطينية والرئيس عباس بالخطر على وجودها، والخصم من شرعيتهم لصالح شرعية حماس والمقاومة، أتى اعتراف بايدن بعباس ورهانه عليه دعماً لموقفه خلال الحرب على غزة، الذي كان من أسباب احتواء التصعيد في الضفة الغربية، في ظل المخاوف الأمريكية والإسرائيلية من اختلال الميزان السياسي لصالح كفة حركة “حماس” والمقاومة بشكل عام.

ومنذ بداية العدوان الصهيوني على غزة، حرصت إدارة بايدن على عدم التصعيد في الضفة الغربية ضد دولة الاحتلال، وكان هذا محور الحوار بين بايدن وعباس في 15 مايو/ آيار الجاري، وكان هذا أول تواصل بين بايدن وعباس منذ تولي الأول مهام منصبه في يناير/ كانون الأول 2021.

كذلك حدث اتصال بين عباس ووزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، في 13 مايو الحالي، والذي أكده عباس في لقائه مع هادي عمرو، نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون الفلسطينية والإسرائيلية، في 17 مايو.

 

 

حزمة تسهيلات أمنية واقتصادية..

 

ووصل عمرو إلى رام الله بعد تواجده في إسرائيل بثلاثة أيام. واجتمع أولًا مع وزير الشؤون المدنية، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، حسين الشيخ، وكذلك رئيس جهاز المخابرات، ماجد فرج. كما التقى عددًا من كبار رجال الأعمال الفلسطينيين.

وجاء المسؤول الأمريكي حاملًا حزمة تسهيلات أمنية واقتصادية للسلطة الفلسطينية، وعلى الصعيد الأمني، أكد على السلطة أهمية عدم دخول الضفة في مواجهات عسكرية موسعة مع الاحتلال قدر الإمكان، مشددًا على أهمية احتواء أي تصعيد، وحسب مصادر صحفية، فقد أكد عمرو أكد عمرو “أنه بعد وقف إطلاق النار بين قطاع غزة وإسرائيل، سيصار إلى البدء بعملية سياسية واجتماع للجنة الرباعية الدولية، وسيعود ملف حل الدولتين إلى الطاولة بعد غياب أربع سنوات”.

كما أكد “استمرار المساعدات المالية الأميركية للسلطة الفلسطينية بعد انقطاعها في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، إضافة لمساعدات أخرى لقطاع الأعمال والمؤسسات غير الحكومية، والأهم أن رزمة تسهيلات إسرائيلية من تصاريح وعدم هدم منشآت في الأراضي الفلسطينية المصنفة (ج) وغيرها ستكون جاهزة بعد وقف إطلاق النار”.

ومنذ اليوم الأول من التصعيد العسكري بين فصائل المقاومة والكيان الصهيوني، لم تبادر القيادة الفلسطينية لتوفير أي غطاء سياسي للفصائل المقاومة، بل إنه لم يتم حتى أي اتصال رسمي مع قيادات كتائب “عز الدين القسام” أو غيرها من الفصائل.

 

 

تعويض التآكل الشعبي..

 

وحسب محللين، فقد شعرت السلطةُ أن حماس بمواجهتها العسكرية مع الاحتلال تحت اسم “القدس”، تسعى لخطف التوازن السياسي لصالحها، وإعلان نفسها بديلًا سياسيًا لحركة فتح أمام الشعب الفلسطيني.

ويبدو أن تصريحات بايدن الداعمة والمعززة لشرعية عباس أتت لتغطي على التآكل الشعبي للسلطة الفلسطينية، ،لذا فإنه يحتاج إلى شرعية خارجية، لتخلق توازنًا في مشروعية وجودها. حيث إن “حماس” دخلت هذه الحرب من باب القدس والأقصى، ما جعلها تحتلّ مركزاً قيادياً في مواجهة القيادة الرسمية.

جدير بالذكر أن عباس كان قد وجّه خطاباً حاد اللهجة بعض الشيء للولايات المتحدة والاحتلال بعد يومين من بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة قائلاً: “حلوا عن صدورنا. طفح الكيل. ارحلوا عنا”. 

ولكن بعد اجتماع دام نحو 3 ساعات، خرجت السلطة ببيان ضعيف هزيل، قررت فيه “تشكيل لجنة لدراسة الخيارات الواجب اتخاذها”، ولم يتم تشكيلها حتى اللحظة.

 

 

لم تضغط سياسيًا..

 

كان بإمكان “دولة فلسطين” أن تتقدم بمسودة مشروع أمام مجلس الأمن منذ اليوم الأول لوقف العدوان الصهيوني على قطاع غزة، لكنها لم تفعل، وهو ما يعني -حسب مراقبين- أن القيادة الفلسطينية قررت عدم الضغط سياسياً على مجلس الأمن في ما يتعلق بالعدوان على قطاع غزة، بما ينسجم مع عدم توتير علاقتها بالإدارة الأميركية.

في الناحية الأخرى، لم تخف حركة حماس رغبتها في تصعيد الأحداث داخل الضفة الغربية، حتى لا يستفرد الاحتلال بغزة، وبرز ذلك في كلمة رئيس مكتب حركة حماس في الخارج، خالد مشعل، حين قال: “الانتفاضة في الضفة الغربية ممكنة وضرورية”.

وقبل كلمات مشعل، قصفت المقاومة أهدافًا في قلب دولة الاحتلال بصواريخ أطلقت عليها أسماء شهداء من الضفة الغربية، وذلك بعد خطابات المتحدث باسم المقاومة أبو عبيدة الذي دعا بشكل مباشر أن تشتبك الضفة الغربية مع الاحتلال.

وهو ما حدث بالفعل، حيث خرج أهالي الضفة الغربية في مسيرات واشتباكات غير منظمة في عشرات نقاط التماس مع الاحتلال منذ فجر 14 مايو، ما أدى لسقوط 29 شهيداً في الضفة الغربية والقدس، وإصابة أكثر من خمسة آلاف مواطن حتى لحظة إعلان التهدئة.

 

 

محاولة احتواء المشهد..

 

حركة “فتح” كانت ضمن الفصائل الفلسطينية التي دعت لأيام غضب، لكن أنصارها يعلمون أن الحركة لم تشارك بكامل ثقلها في المواجهات، على الرغم من مشاركة قياداتها من أعضاء في اللجنة المركزية والمجلس الثوري في مقدمة بعض المسيرات. لكن قرار مواجهة حقيقياً مع الاحتلال لم يتخذ من قبل قيادة “فتح”، أي قيادة السلطة، التي فضّلت المشاركة بالمسيرات الجماهيرية لا أن تمسك زمام المبادرة، كما فعلت “فتح” في الانتفاضة الثانية مثلاً (2000 ـ 2005) أو في الهبّات الشعبية العديدة، على الرغم من أن قاعدة “فتح” الشعبية كانت تهتف في الشوارع مؤيدة للمقاومة “يلي بتحكي انقسام فتح بتهتف للقسّام”.

وكان من الواضح أن القيادة الفلسطينية أرادت أن تدير أصعب أيام الحرب في غزة والتصعيد في الضفة الغربية بطريقة أمنية حذرة قدر الإمكان، تُبقي يد الأمن مسيطرة على كل تفاصيل الحياة، من دون احتكاك كبير قد يُثير غضب الشارع المستفز أصلاً من المجازر في قطاع غزة، والهدوء المطبق على مقاطعة رام الله، حيث مقر الرئاسة. بالتالي اجتمع عباس مع قيادات الأمن في 15 مايو، وتم إطلاعه على محاصرة الأحداث ضد الأمن، كما جرى في إحراق أهالي قرية عوريف قرب نابلس الغاضبين مقرّ الشرطة احتجاجاً على استشهاد أحد أبناء القرية في 14 مايو. ولاحقاً أُحرق مركز شرطة قرية بدو، شمالي غرب القدس. ووُجّهت أصابع الاتهام إلى “حماس”، فتواصل أحد أعضاء مركزية “فتح” مع عضو مكتب “حماس”، صالح العاروري، لتحذيره من “أن حماس تلعب بالنار في الضفة ويجب أن تتوقف”.

 

اقرأ أيضاً: