العدسة: محمد العربي

لم يجد المتابعون لإعلان وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو عن تنظيم مؤتمر دولي حول إيران بالعاصمة البولندية وارسو خلال شهر فبراير المقبل ، أي عناء في إطلاق اسم “حلف وارسو الجديد” على الدعوة الأمريكية، التي شهدت العديد من الاعتراضات والتحفظات الإيرانية والروسية.

المسئولون البولنديون من جانبهم أعلنوا لنظرائهم الإيرانيين أن استضافتهم للقمة المقبلة تأتي باعتبار أن بولندا دولة محايدة، ولم يكن لها موقف داعم لطرف من أطراف النزاع في الشرق الأوسط، ووفقا لكريستوف شرسكي الناطق باسم الرئيس البولندي فإن: “هذا مؤتمر هدفه إيجاد طرق للسلام، وبولندا أصبحت مكانا مناسبا لتنظيمه على وجه التحديد لأنها بلد محايد، إذ أنها لا تشارك في أي نزاع من النزاعات التي تشمل دولا في الشرق الأوسط، وأن مؤتمر وارسو الذي سيشارك فيه وزراء خارجية عدة دول شرق أوسطية في فبراير القادم ليس موجها ضد أي شخص أو دولة.

وحسب تعبير المسئول البولندي فإن بلاده تشارك في تنظيم هذا المؤتمر باعتبارها ” سفير للسلام والتعاون والبحث الإبداعي عن طرق لحل الصراعات المتعددة التي تواجه الآن الشرق الأوسط”.

ويأتي التوضيح البولندي بعد احتجاج شديد اللهجة للخارجية الإيرانية، أكدت فيه أن المؤتمر يعد حركة معادية من قبل الولايات المتحدة ضد جمهورية إيران الإسلامية، ونتوقع أن تمتنع بولندا عن عقد مثل هذا المؤتمر مع أمريكا.

لماذا إيران ولماذا الآن:

ووفقا للمتابعين فإن تصريحات المسئول البولندي لم يقنع أحد بأن المؤتمر موجه ضد إيران كما تشير تصريحات المسئولين الأمريكان، وهو ما يطرح تساؤلات لدي الباحثين عن اختيار إيران في هذا التوقيت لتكون بوابة التطبيع العربي الإسرائيلي.

وحسب المعلومات الرائجة عن التجهيز للمؤتمر فإن إسرائيل سوف تكون حاضرة بقوة، ليس لكونها طرفا معاديا في قضايا الشرق الأوسط، وإنما بصفتها شريكا في حل أزمات المنطقة بالتعاون مع الدول العربية تجاه عدو واحد وهو إيران.

وتشير تحليلات عديدة أن المؤتمر يمثل إحدى الإجراءات الأمريكية لمحو سياسة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، والتي كان من أهم نتائجها الاتفاق النووي مع إيران بعد مفاوضات شاقة استضافتها سلطنة عمان، وانتهت باتفاق (6 + 2)، كما أنه يعد تطورا طبيعيا للمقترح الأمريكي الذي لم يلق قبولا حتى الآن بإنشاء ناتو عربي إسرائيلي، لمواجهة إيران بعد الانسحاب الأمريكي من سوريا.

وانطلاقا من ذلك فإن مؤتمر وارسو، سيكون أكثر عمومية من مقترح الناتو العربي، من خلال تدشين جبهة عالمية ضد إيران، وهي الجبهة التي تساعد الولايات المتحدة في إدارة الملف الإيراني، ومحاولة إدخالها في بيت الطاعة الأمريكي، دون اللجوء لمواجهة عسكرية مباشرة مع طهران.

ويشير البعض أن الهدف الأمريكي في الأساس هو إرغام إيران على الاستجابة للنداءات الأمريكية المتكررة لعودتها مرة أخرى لمائدة المفاوضات، من أجل التوصل لاتفاق جديد حول برنامجها النووي والصاروخي، وربما دورها الإقليمي، حتى يصبح بإمكان ترامب البرهنة على أنه جاء بأفضل مما جاء به سلفه باراك أوباما وإدارته الديمقراطية.

ووفقا لهذا الرأي فإن أمريكا لديها العديد من الأهداف الطموحة لتركيع إيران، قبل نهاية الفترة الرئاسية الحالية لترامب، والذي يريد تنفيذ مخططه الذي يرمي لمصلحة إسرائيل، قبل أن تتطور أزمته الداخلية بما يمكن أن تصل لخروجه من البيت الأبيض، وهو ما يبرر التهديدات الساخنة التي وجهها المسئولين الأمريكيين البارزين الذي زاروا المنطقة مؤخرا، تجاه إيران.

التطبيع الشامل

ويرى المتابعون أن المؤتمر المقترح يتخذ من إيران فزاعة، لتوحيد الصف العربي والخليجي في خانة إسرائيل، ما يشير إلى أن الهدف الأساسي من المؤتمر هو تدشين العلاقات العلنية الكاملة بين إسرائيل ودول عربية بارزة مثل السعودية، التي قفزت خطوات كبيرة في اتجاه تل أبيب على يد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

حسب هذه الأراء فإنه ليس مستبعداً أن تكون فكرة “حلف وارسو الجديد”، “قنبلة دخانية” هدفها التغطية على “التسلل” الإسرائيلي إلى الصفوف العربية، فإذا كان من المتعذر دعوة إسرائيل لعضوية نادي الـ”6 +2″، فإن كثيرين سيقبلون دعوتها لمؤتمر دولي موسع في وارسو، وقد تصبح العاصمة البولندية، مدخلاً لـ “تطبيع” وجود إسرائيل في غرف عمليات “الناتو العربي” تحت “فزاعة” التهديد الإيراني.

أين إيران

ويبدو السؤال الأكثر تداولا بين المتابعين متعلقا بالموقف الإيراني نفسه، والتي أصبحت تواجه هذه المرة رياحا عاتية، توجهها واشنطن وتل أبيب بشكل سريع تجاه طهران، وهل لدى الإيرانيين أوراقا تمكنهم في التصدي لهذه الرياح، أم أنها سوف ترضخ في النهاية لتجاوز الأزمة، كما فعلت من قبل.

وحسب الرد الرسمي الإيراني فإن المؤتمر سوف ينتهي بالفشل حسبما صرح على شمخاني أمين مجلس الأمن القومي الإيراني، معتبرا أن رعاية واشنطن لمؤتمر ضد إيران تعني فشل سياسة العقوبات الأقسى في التاريخ، وتدل على العجز واليأس اللذان يلازمان الإدارة الأمريكية، وهو نفس ما أكده وزير الخارجية الإيراني عبر حسابه بتويتر.

إلا أن المحللين يرون أن فشل المؤتمر مرتبط بأمرين أساسيين، وهما الدول المشاركة فيه، من حيث النوعية ومن حيث العدد، وثانيا هو نتائج المؤتمر أو بالأحرى طلباته من الدول المشاركة فيه، ومدى استطاعتهم في تحقيق هذه الطلبات.

وبالعودة للنقطة الأولى المتعلقة بالدول المشاركة في المؤتمر، فإن غياب الجانب الأوروبي عنه يبشر بفشله، إلا أن الرهان على هذا الغياب أو عدم الفاعلية مازال محل شك، حيث يشير البعض أن تزامن التصعيد الأوروبي والأمريكي ضد إيران، يرمي لوجود هدف مشترك بينهما وهو إرغام إيران على التخلي عن سياساتها الإقليمية حتى لو كانت الدوافع والأسباب مختلفة.

ووفقا لهذا الرأي فإن قرار الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات ضد طهران، تزامن مع جولة وزير الخارجية الأمريكي للمنطقة، التي هاجم فيها إيران، وحتى بالرغم من استمرار الدول الأوروبية بدعوة طهران لتغيير سياستها في المنطقة والتوقف عن تجاربها الصاروخية إلا أنه لا توجد مؤشرات على أن مآخذ أوروبا ضد إيران هي بالذات وراء التصعيد الأوروبي الأخير، وإنما التصعيد وراءه غايات أخرى، في مقدمتها منع إيران من الانسحاب من الاتفاق النووي، وهو ما يعني أن العقوبات الأوروبية تترجم سياسة الهروب للأمام، فبدلا من أن يقدم الأوروبيون تشجيعا لطهران من أجل الاستمرار في الاتفاق، لجأوا إلى التهديد والضغط، وهي نفسها السياسة الأمريكية الحالية ضد إيران.

على الجانب الآخر فإن هناك أصوات ترى أن النفوذ الأمريكي على أوروبا، لم يعد بنفس الشكل الذي كان عليه في السابق، وبالتالي فإن عدم تجاوب الدول الأوروبية الهامة مع دعوة وزير الخارجية الأمريكي حتى الآن يشير إلى أن الجميع يبحث عن مصالحه، وليس شرطا أن يكون ذلك من خلال التقاطر مع مصالح الآخرين.

ويشير أصحاب هذا الرأي أنه بالنظر للدعوات التي وجهت والتي ستوجه، والتي طالت مصر والسعودية والبحرين والإمارات والمغرب، وما قد يعقبها من دعوات لبعض دول أميركا اللاتينية، ومقارنتها مع مؤتمر أصدقاء سورية الذي رعته واشنطن عام 2012، والذي ضم كل الدول الأوروبية وأغلب الدول العربية، وغابت عنه إسرائيل لضمان نجاحه، فإن هذا يؤكد أن مؤتمر وارسو سيكون هزيلاً، بل ويعبر عن حجم التراجع في النفوذ الأمريكي ليس في المنطقة فقط، بل وفي العالم، حيث سيكون كافياً غياب حلفاء أمريكا الأوروبيين، وشركائها الكبار في حلف الأطلسي بالإضافة لتركيا، بينما الحضور سيكون قاصرا على دول هامشية ليس لديها القدرة على خوض المواجهات المؤثرة ضد إيران.