كتب- باسم الشجاعي:

خطوات تطبيعية مع الكيان الصهيوني ليست بجديدة في البحرين، لكنها تختلف في وتيرتها التي تسارعت خطوتها في الآونة الأخيرة؛ حيث أكدت إذاعة الاحتلال الإسرائيلي، ما أعلنته المنامة، حول مشاركة وفد دبلوماسي إسرائيلي الأسبوع المقبل، في مؤتمر لمنظمة “يونيسكو” في دولة البحرين.

وقال ممثل “إسرائيل” في “يونيسكو”، “كرميل شاما هكوهين”، للإذاعة الإسرائيلية: إن “الخارجية الإسرائيلية أقرّت مشاركة ثلاثة دبلوماسيين إسرائيليين في المؤتمر، لم يسمّهم. وأنه شخصيًا سيراقب نشاطهم في المؤتمر دون أن يشارك فيه لأسباب أمنية، حسبما قال.

وتنطلق هذه الاجتماعات برعاية الملك “حمد بن عيسى”، في 24 يونيو الحالي، وتنتهي في 4 يوليو المقبل.

وتعد هذه هي المرة الأولى التي تعلن فيها المنامة بشكل علني عن استضافة وفد من “إسرائيل” التي لا تربطها معها علاقات دبلوماسية، لكن الفترة الأخيرة شهدت بعض التداخلات المثيرة للجدل.

الاعتراف بـ”إسرائيل” على هذه الصورة هو ظاهرة جديدة في هذه المنطقة التي عُرفت بعدائها للكيان الصهيوني الذي تأسس في قلب الشرق الأوسط منذ أربعينيات القرن الماضي.

وحتى إن لم يكن الأمر كذلك، فإنّ التصريح بالتعاون أو قبوله أو التطبيع مع هذه الدولة، طالما اعتبر أمرًا مشينًا أو معيبًا.

فهل تكون البحرين فاتحة التطبيع الكامل بين الدول العربية و”إسرائيل”؟، وما هي الأسباب التي دفعت البحرين للهرولة نحو الكيان الصهيوني في هذا الظرف الحساس الذي تمر به المنطقة، أم أن المنامة تريد سحب البساط من تحت أقدام السعودية والإمارات ومصر؟ وما هو موقف الشعب البحريني من تلك الخطوات؟ وهل تعود مكاتب التمثيل للظهور أو ربما سفارات وقنصليات؟

لا تعتبرها عدوًا

سجل التطبيع البحريني مع “إسرائيل” ليس وليد هذه الأيام، بل يبدأ من العام 1994 حين قام “يوسي ساريد” وزير البيئة الإسرائيلي بزيارة المنامة على رأس وفد كبير، تحت ذريعة المشاركة في مؤتمر يتناول قضايا البيئة.

وفي مطلع العام 2000 عقد في دافوس لقاء بين ولي عهد البحرين “سلمان بن حمد آل خليفة” والرئيس الإسرائيلي السابق “شمعون بيريس”، أثمر فيما بعد عن قرار المنامة إغلاق مكتب مقاطعة إسرائيل في البحرين.

وفي سنة 2008 التقى الملك شخصيًا مع “بيريز” و”تسيبي ليفني”، التي كانت وزيرة الخارجية –آنذاك-، على هامش مؤتمر “الحوار بين الأديان” في نيويورك.

وفي 27 ديسمبر 2016، صدمت قنوات ومواقع إخبارية إسرائيلية العرب والمسلمين؛ عندما بثّت مقطعًا مصوّرًا يَظهر فيه بحرينيون وهم يرقصون إلى جانب حاخامات صهاينة من حركة “أغاد” على إيقاع أغنية تمسّ عروبة القدس.

وفي فبراير 2018، قال وزير الاتصالات في حكومة الاحتلال الإسرائيلي، “أيوب قرا”، إنه التقى أميرًا بحرينيًا يُدعى “مبارك آل خليفة”، في “تل أبيب”، وذلك للمرة الأولى وبشكل علني.

وفي هذا السياق، أكد مسؤول بحريني أن بلاده لا تعتبر كيان الاحتلال الإسرائيلي “عدوًا”، وأنه سيكون أول أنظمة الخليج التي ستعلن عن علاقات دبلوماسية مع هذا الكيان.

وقال المسؤول- الذي طلب عدم الكشف عن اسمه- لموقع “أي 24 نيوز” الإسرائيلي: إن “التقارب بيننا لن يتعارض مع المبادئ الأساسية لدولة البحرين”، وذلك دون تحديد ماهية هذه المبادئ في ظل انسياق أنظمة الخليج وراء نظام “آل سعود”.

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” قد تعمد الإفصاح عن حقيقة أن “العلاقة مع الدول العربية أفضل من أي وقت مضى في تاريخ إسرائيل”، والاستدلال البسيط يقود إلى أن ما تقوم به البحرين من تطبيع قد يكون بالون اختبار بالنيابة عن الأخت الكبرى السعودية.

فالمسألة لا تتعلق بالبحرين وحسب، فالمنامة تعد الحديقة الخلفية للسعودية، فإذا كانت البحرين تذهب بالفعل للتطبيع بشكل علني فإنّ السلطات السعودية لا تمانع بذلك، وأبدت موافقتها ودعمها بكل تأكيد، وذلك وفق ما أكد مراقبون.

“صفقة القرن” البداية

أيضًا لا يمكن إهمال هذا السجل المتنامي بين المنامة وتل أبيب دون الربط بما تشهده القضية الفلسطينية من تطورات خطيرة على أكثر من صعيد، سواء في قرار الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” الاعتراف بمدينة القدس عاصمة لـ”إسرائيل” ونقل السفارة الأمريكية إليها، أو ما يطبخ على نار هادئة بما بات يسمَّى إعلاميًا بـ”صفقة القرن”.

وقد اتخذت إدارة “ترمب” خطوات فسرت على أنها بداية تطبيق عملي لـ”صفقة القرن”، بالتنكر لقضايا الحل النهائي التي تشمل القدس واللاجئين، كقرار ترمب اعتبار القدس عاصمة أبدية وموحدة لـ”إسرائيل”.

تلاه حجب واشنطن دعمها عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”.

وتعتبر تسوية القضية الفلسطينية وسيلة كي توصل إدارة “ترمب” لغاية جوهرية لديها وهي بناء تحالف “أمريكي إسرائيلي عربي” لمواجهة الخطر الإيراني والإرهاب، وذلك بحسب ما أكد المبعوث الأمريكي لعملية السلام في الشرق الأوسط “جايسون غرينبلات”.

وتدرك إدارة ترامب أن تل أبيب وواشنطن لن تجدا وقتًا أفضل من الوقت الحالي لنسج تحالف في المنطقة.

ففي طريق تسويقهم لصفقة القرن دفع مندوبو ترامب باتجاه تطبيع العلاقات بين دول خليجية كالسعودية والإمارات والبحرين مع إسرائيل.

وقد أكدت تل أبيب أنها تتشارك وهذه الدول ضرورة توجيه عمل عسكري يكبح النفوذ الإيراني ويقضي على طموحات طهران للتسلح النووي.

المارد الإيراني

فالبحرين التي تشهد من حين لآخر اضطرابات متقطعة تقودها الأغلبية الشيعية -يشكلون حوالي 70 % من السكان-  منذ قمع تظاهرات كبيرة عام 2011، وهو ما يثر تخوفها؛ حيث يطالب الشيعة بإقامة ملكية دستورية في البلاد التي تحكمها سلالة سنية.

وقد استفادت العائلة الحاكمة في البحرين عبر الاتصالات السرية والعلنية مع الكيان الإسرائيلي من خبرات هذا الكيان في القمع وتغيير الحقائق، وذكرت صحيفة “معاريف” (العبرية) أن الاستخبارات البحرينية استعانت بالموساد لقمع الانتفاضة الشعبية في البحرين، نظرًا لتجربته في التصدي للانتفاضة الفلسطينية .

وعلى مدار السنوات السبعة الماضية، خرج البحرينيون في 48029 تظاهرة، وذلك بحسب ما رصدته جمعية الوفاق الوطني.

ومنذ ذلك الوقت، تنظم تظاهرات من حين إلى آخر، يرافقها أعمال عنف ضد قوات الأمن، ما يؤدي أحيانًا لسقوط قتلى.

ويبدو أن الأمر أكثر تعقيدًا من ذلك؛ حيث يرى خبراء أن الجار الإيراني يقف حائلا، بسبب بسط نفوذه في منطقة الخليج العربي.

كما تتداخل مصالح الولايات المتحدة الأمريكية، التي يقف أسطولها الخامس أمام السواحل البحرينية، مع ارتباط المصالح السعودية الإسرائيلية بمدى نجاح الأسرة الحاكمة البحرينية في وأد الاحتجاجات ومواصلة تهميش الطائفة الشيعية.

كما أن الموقف الإيراني معروف برفضه المطلق للاعتراف بالكيان الاسرائيلي، فضلًا عن التفكير في التطبيع معه.