العدسة: محمد العربي

لم تكن مشاهد الفرق الرياضية الإسرائيلية التي غزت الملاعب العربية، والخليجية منها على وجه التحديد، أمور تأتي في نطاق الصدفة، أو لكونها التزامات متعلقة بالمنافسات الدولية، فالاحتفال المبالغ فيه للفرق الإسرائيلية في الإمارات على وجه التحديد، خرج عن كونه إجبارا على الالتزامات الدولية، إلى كونه مخططا الهدف منه تذويب الصراع العربي الصهيوني على البساط الأخضر وبين حلبات المنافسة الرياضية.

وتشير الإحصائيات الرياضية في الفترة من 2016 وحتي 2018 إلى أن الفرق الرياضية الإسرائيلية المختلفة تسربت لملاعب المغرب والبحرين وقطر والإمارات، وبدأت تستعد لتحط رحالها في أرض الحجاز بعد رفع الكثير من العوائق التي كانت تحول دون تحقيق ذلك.

لماذا الرياضة

ويشير العديد من الباحثين والمراقبين الذين رصدوا ظاهرة توغل الفرق الإسرائيلية في الملاعب العربية، أن اختيار مجال الرياضة لم يكن من فراغ، حيث تعتمد الدول التي فتحت أحضانها للتطبيع على أن اللوائح الدولية تلزم الدول المضيفة للمنافسات، بعدم إدخال الخلافات والصراعات السياسية في الشئون الرياضية، وبالتالي تعتبر هذه الضوابط مدخلا ملائما لترويج قبول الوجود الإسرائيلي في الساحات العربية.

وطبقا لنفس الرأي فإن الاهتمام بأن يكون التطبيع من باب الرياضة، يمثل مخططا مدروسا لتذويب الصراع العربي الإسرائيلي، خاصة بين أجيال من الشباب لم تعش طبيعة هذا الصراع ولا تطوره ولا خطورته، وبالتالي فإن مخطط قبول إسرائيل بين هذه الأجيال سيكون أسهل كثيرا من الأجيال التي كانت تعتبر مجرد وجود منافس إسرائيلي خيانة لله والوطن ولفلسطين.

وطبقا للرصد نفسه فإن التطبيع الرياضي الخليجي الإسرائيلي بدأ في ساحات غير عربية، وفي مناسبات بعيدة عن المنافسات الرياضية، قبل أن تشهده الملاعب الخليجية بشكل صريح، وطبقا لما كشفه شمعون آران مراسل الإذاعة الإسرائيلية في أكثر من مناسبة، فإن لقاءات حميمة جمعت بين مسئولي الرياضة في إسرائيل والإمارات خلال مايو الماضي، على هامش مشاركة الجانبين في مؤتمر رياضي ببوتسوانا، حيث شارك الطرفان في المؤتمر الذي استضافته بوتسوانا للنهوض بالمرأة واندماجها في الرياضة، ومثل إسرائيل “عوفرا أبراموفيتش” ممثلة رابطة دوري كرة الشبكة للأمهات الإسرائيلية “مامانيت”، بينما مثلت الإمارات “ميثاء العرفي” المسئولة البارزة بأكاديمية الشيخة فاطمة بنت مبارك للرياضة النسائية، والتي سبق وأن رأست لجنة العلاقات العامة في اللجنة العليا المنظمة لبطولة غرب آسيا لكرة القدم للفتيات تحت 15 عاماً، التي أقيمت بالإمارات أبريل الماضي.

وللفن نصيب

وطبقا للمتابعين لقطار التطبيع الخليجي الإسرائيلي،ـ فإن هذا القطار قد انطلق بسرعة مع محاربة ربيع الثورات العربية، ومحاولة القضاء عليه، وأن القطار لم يقف عند محطة الرياضة، وإنما امتد لمحطات الفن والثقافة والسينما، باعتبارهم أدوات التأثير والتغيير الناعمة أو ما يمكن أن يُطلق عليه “التطبيع الناعم”.

وما يدعم الخطوات التي جرت لتنفيذ هذا “التطبيع الناعم” تصريحات المخرجة السعودية هيفاء منصور التي أعلنت عدم ممانعتها لإنتاج أفلام مشتركة مع الجانب الإسرائيلي، في حال سماح النظام السعودي بذلك عبر قنوات رسمية، أي بعد إتمام التطبيع السعودي الإسرائيلي، على حد وصفها.

وإن كانت المخرجة السعودية قد اشترطت وجود تطبيع رسمي، إلا أنها استبقت هذه الخطوة بالفعل، عندما أجرت المقابلة مع صحيفة “يديعوت أحرنوت” العبرية، والتي أكدت فيها أنها لا تستبعد التعاون مع زملائها “الإسرائيليين”، وقالت: “سأعمل فقط عبر القنوات الرسمية التي ستسمح بإقامتها السعودية، لأنني لا أمانع ذلك”.

واعتبرت منصور أن “السعودية تتبع نهجاً أكثر ليبرالية مما سيجعل الدول الإسلامية الأخرى تنفتح أمام هذا المسار مما يعني تقليل مستوى الكراهية ودرجة انتشار الأفكار المتطرفة في المجتمع”.

وجاءت المقابلة الصحفية بعد احتفاء إسرائيلي بالمخرجة السعودية التي عرضت لها دور السينما فيلما سينمائيا كخطوة تمهيدية نحو إتمام التطبيع الشامل بين السعودية وإسرائيل.

لا نريد التطبيع

على الجانب الآخر وأمام هذا “السيلان” التطبيعي حذرت أصوات خليجية عاقلة من خطورة هذا الاندفاع نحو تل أبيب، خاصة وأنه اندفاع مجاني ودون أي مقابل للقضية الفلسطينية، وحسبما كتبته الكاتبة البحرينية فوزية رشيد، فإن الشعوب العربية ترفض التطبيع رغم كل هذه الصور التي يتم تصديرها للمشاهد العربي بأن زمن الصراع العربي الإسرائيلي قد انتهى.

وتشير الكاتبة البحرينية إلى أن ما يروجه بعض قادة العرب من أن السلام في المنطقة لابد أن يمر عبر التطبيع المسبق مع إسرائيل، ما هو إلا خداع وتخدير وتضليل للوعي العربي، لأن التطبيع المسبق وقبل حل القضية الفلسطينية بشكل عادل سيكون الجسر للقضاء على القضية الفلسطينية! ومن بعدها العمل على تحقيق السيادة على العرب جميعا وكما هو معلن! فمشروع الشرق الأوسط الجديد لم ينته، بل سيأخذ مسارا آخر أكثر خبثا إن تحقق التطبيع المسبق! باعتبار أن مشروع «إسرائيل الكبرى» هو الهدف الحقيقي وراء كل أحداث المنطقة في العقود والسنوات الأخيرة.

وتؤكد فوزية رشيد أن شعوب الخليج والدول العربية الأخرى ترفض التطبيع مع هذا العدو الغاصب، الذي يراه بعض الرسميين العرب صديقا وسيعتبروه غدا حليفا.

أحذروا المنزلقات الرسمية

وقد أطلق العديد من الباحثين والراصدين لتطورات ملف التطبيع مع إسرائيل الذي أخذ أشكالا متصاعدة خلال الأسابيع الماضية، صرخات تحذير متعددة، سواء من التطبيع الذي يدخل الآن من الأبواب الرسمية، أو هذا التطبيع الناعم الذي يتخذ من شاشات السينما وملاعب الرياضة مدخلا شعبيا للتطبيع.

وهو ما أشار إليه الكاتب المصري عبد الله السناوي والذي أكد أن أخطر ما في الزيارات الإسرائيلية المتزامنة لثلاث دول فى الخليج وتداعياتها قد تضع المنطقة على مسار مأساوي جديد، مشيرا إلى أن الزيارات في حد ذاتها ليست مفاجئة، فقد أشارت تسريبات إسرائيلية متواترة منذ فترة طويلة نسبيا إلى قرب نقل ما هو جار من اتصالات في الكواليس مع عدد من الدول العربية إلى العلن الدبلوماسي، موضحا أن ما يستلفت الانتباه في تزامن الزيارات الإسرائيلية إلى عُمان والإمارات وقطر أن الدول الثلاث تتبنى كل منها موقعا يختلف عن الآخرتين من الأزمة الخليجية، كما لو أن التطبيع يوحدها.

وطبقا لوصف السناوي المعروف بميوله الناصرية، فإن هناك عدة منزلقات في هذا التطبيع الرسمي أخطرها هو ترسيخ فكرة استبدال العدو من إسرائيل إلى إيران، حسبما كشف نتنياهو، نفسه بأن السبب الرئيسي للتقارب الخليجي مع إسرائيل هو «العدو الإيراني» المشترك، مشيرا إلى أن إيران ليست عدوا، رغم أية خلافات وأزمات يمكن حلحلتها بالوسائل السياسية، كما أن إسرائيل ليست صديقة رغم محاولات القفز عليها.

أصوات رافضة

ويرى المتابعون أنه رغم حالة التهديد العلنية التي تمارسها الأنظمة العربية وخاصة الخليجية ضد معارضي خطواتها نحو التطبيع، إلا أنه ما تزال هناك أصوات تعلو وتحذر من قطار التطبيع السريع وخاصة في مجالات “التطبيع الناعم”، وهو ما حذر منه الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، والذي جدد رفضه لكافة أشكال التطبيع الثقافي مع إسرائيل، مطالبا بدعم أفكار التغيير بالوطن العربي، ومساندة المبدعين الشباب.

ويشير المتابعون أن اتحاد الكتاب العرب قد فجر في بيانه الرافض للتطبيع نقطة هامة، في أساليب التطبيع الناعم تقوم بها إسرائيل ولم تلق ردا رادعا من الأنظمة والمؤسسات الرسمية العربية، وكأن هذا الصمت يمثل موافقة ضمنية على الخطوات الإسرائيلية.

وقد قصد المتابعون بذلك، ما قامت به إسرائيل من سطو وقرصنة على إبداعات 45 كاتبة عربية، تم ترجمت أعمالهن من العربية للعبرية دون موافقة على ذلك منهن، وهو ما اعتبره البيان يمثل سياسة جديدة من التطبيع القسري وفرض الأمر الواقع.