العدسة – منصور عطية

ربما كان رفض إثيوبيا للاقتراح المصري بإدخال البنك الدولي كوسيط في مفاوضات سد النهضة متوقعا، لكن ليس بهذه السرعة، ولا بالتزامن المريب مع زيارة رئيس وزرائها للقاهرة.

الاقتراح المصري بشأن مشاركة البنك الدولي كطرف “محايد” في اللجنة الفنية الثلاثية لتجاوز “الجمود” في سير المفاوضات، جاء خلال مباحثات أجراها وزير الخارجية سامح شكري، في أديس أبابا، مع نظيره الإثيوبي ورقينة جيبيو، في ديسمبر الماضي.

كما أعقب التصريح الإثيوبي برفض وساطة البنك الدولي، زيارة رئيس وزرائها “هايلي ماريام ديسالين” للقاهرة يومي الأربعاء والخميس الماضيين.

رسالة سلبية لمصر المسالمة!

وكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية نقلت عن “ديسالين”، السبت، قوله إن بلاده لا تقبل طلب مصر ضم البنك الدولي للتحكيم في مباحثات آثار سد النهضة الإثيوبي على جريان نهر النيل.

وتابع رئيس الوزراء الإثيوبي: “البحث عن الدعم المتخصص (للوقوف على آثار السد) شيء، ونقل اتخاذ القرار إلى جهة أخرى شيء آخر، وقلنا لهم إن هذا غير مقبول من جانبنا”.

وأشار إلى أن الجانبين “اتفقا على استكمال دراستين لتقييم آثار السد على دول مصب النهر، في غضون 10 أشهر”، دون أن يحدد موعدًا لعودة المفاوضات، التي أعلنت القاهرة تجميدها في نوفمبر الماضي، لرفضها تعديلات أديس أبابا والخرطوم على دراسات مكتب استشاري محايد، حول أعمال ملء السد وتشغيله.

اللافت، أن تلك الرسالة، التي تعد سلبية إلى حد كبير من قبل الجانب الإثيوبي، جاءت في أعقاب رسالة إيجابية وجهها الرئيس عبد الفتاح السيسي لأديس أبابا، قبل أيام فقط.

السيسي أكد في كلمته لدى افتتاحه عددًا من المشروعات التنموية بمدينة السادات في المنوفية، الاثنين الماضي، أن مصر “لن تحارب أشقاءها أبدًا”.

وأتبع تلك العبارة بقوله: “أقول للأشقاء في السودان وإثيوبيا، إن مصر لا تتآمر، ولا تتدخل في شؤون أحد، ونحن حريصون على علاقتنا الطيبة، ويكفي ما شهدته المنطقة خلال الأعوام الماضية”.

وربما تعكس تلك الرسائل المتبادلة ضعفا في الموقف المصري، إلى حد يدفع إثيوبيا لهذا الرد الجاف، الذي كان ينتظر أن يكون أكثر دبلوماسية، خاصة بعد تصريح السيسي وفي أعقاب اللقاء الذي جمعهما في القاهرة.

لكن يبقى التساؤل الأبرز: لماذا رفضت إثيوبيا تحكيم البنك الدولي وإدخاله كوسيط في مفاوضات سد النهضة؟.

علاقة مريبة

البداية للإجابة على هذا التساؤل تأتي من القاهرة صاحبة المقترح، حيث يجيب عليه تساؤل آخر بشأن دوافع مصر لتقديم هذا المقترح.

المعلن، وفق المقترح المصري، هو رغبة القاهرة في “مشاركة طرف ثالث له رأي محايد وفاصل، يشارك في أعمال اللجنة الفنية الثلاثية”، فضلًا عن “تمتع البنك بخبرات فنية واسعة، ورأي فني يمكن أن يكون ميسرًا للتوصل إلى اتفاق داخل أعمال اللجنة الثلاثية”.

الخارجية المصرية قالت إن مصر “تثق في حيادية البنك الدولي وقدرته على الاستعانة بخبراء فنيين على درجة عالية من الكفاءة”.

لكن من وراء هذه الأسباب المعلنة، تبدو عوامل أخرى ربما تكون هي ما دفعت مصر حقيقة إلى توسيط البنك الدولي في الأزمة، لعل أبرزها، هو تلك العلاقة الوثيقة والمتنامية بين الطرفين، خلال الفترة الماضية.

وهو ما أفصحت عنه سحر نصر، وزيرة الاستثمار والتعاون الدولي، ومحافظ مصر لدى البنك، في أكتوبر الماضي، بوصفها أن البنك يعتبر شراكته الإستراتيجية مع مصر “قصة نجاح”، ونموذجًا ينبغي تكراره مع الدول النامية الأخرى، مشيرة إلى أن مجموعة البنك الدولى ساهمت مؤخرًا بعدد كبير من الاستثمارات والتمويل التنموي في مجال الطاقة بمصر، بما يفوق 4 مليارات دولار.

وفي تصريحات صحفية، قالت الوزيرة: إن “المرحلة غير المسبوقة من التعاون بين مصر والبنك الدولي، تأتي تتويجًا لنتائج الاجتماعات الناجحة بين الرئيس عبد الفتاح السيسي، والدكتور چيم كيم رئيس البنك، حيث عقدا 4 اجتماعات بينهما فى أقل من 3 سنوات، وهو أمر غير مسبوق”.

أضف إلى ذلك، أن المصري “محمود محيي الدين”، وزير الاستثمار الأسبق، رشح لمنصب النائب الأول لرئيس البنك الدولي، منذ نوفمبر 2015، الأمر الذي يمكن أن ينعكس على قوة الموقف المصري أمام البنك، في حال قيامه بجهود الوساطة.

“محيي الدين” قال في تصريحات متلفزة مؤخرًا، إن هناك “اهتمامًا يُبشر بالخير في مصر بالصحة وتطوير منظومة التأمين، والإستراتيجية الجديدة للتعليم”، على حد وصفه.

كذلك، فإن البنك الدولي من أبرز الجهات الدولية المانحة للمشروعات التنموية بالدول الأعضاء، وتدخله يعني وضعه أمام إحدى مسؤولياته وآلياته المتبعة وفق القانون الدولي، فضلًا عن أن البنك هو أحد الشركاء الدوليين في إنشاء مبادرة حوض النيل، التي أطلقتها مصر عام 1999.

وسيط غير نزيه

في المقابل، واتساقًا مع الطرح السابق، فإن هناك مجموعة من العوامل ترجح رفض أديس أبابا للوساطة من أساسها، في مقدمتها، أنه في أبريل 2014، نقلت تقارير إعلامية عن مصادر مطلعة قولها، إن البنك الدولي رفض طلب إثيوبيا تمويل بناء السد بعد حملة دبلوماسية مصرية استهدفت تعطيل المشروع.

ووفق المصادر، فإن رفض التمويل الذي انسحب على دول أخرى مثل الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين، كان مرجعه ما بينته مصر من تأثيرات سلبية تطال حصتها من مياه النيل حال تشغيل السد.

وهو ما ذهب إليه الصحفي والمحلل السياسي الإثيوبي “أنور إبراهيم” في تصريحات إذاعية، حيث عبر عن عدم اعتقاده بأن توافق إثيوبيا على وجود البنك الدولي كوسيط، لأنه رفض سابقًا تمويل السد بضغط مصري.

المحصلة هنا، أن إثيوبيا لا ترى في البنك الدولي الوسيط النزيه، الذي يمكنه إدارة الأزمة والتدخل فيها بحيادية دون الانحياز لطرف دون الآخر.

كذلك تبدو أديس أبابا متخوفة من أن يشكل مجرد قبولها لوساطة البنك الدولي، مقدمة لمزيد من التدخلات لمؤسسات دولية تعطي الملف أبعادًا أكبر قد تصب في صالح الموقف المصري، فضلًا عن إمكانية تعطل عمليات بناء السد انتظارًا لزيارات مرتقبة من خبراء البنك.