مثلت زيارة عباس كامل رئيس المخابرات المصرية، لدولة الإمارات والتقاؤه بمحمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي ووزير الدفاع الإماراتي، الكثير من علامات الاستفهام، حول توقيتها والسبب من ورائها، وكيفية الإعلان عنها.
وما دعم الاستفهامات السابقة أن الزيارة تأتي في وقت تشهد فيه العلاقات بين رئيس الانقلاب العسكري بمصر عبد الفتاح السيسي، وولي العهد الإماراتي توترا ملحوظا، كان من أبرز نتائجه غياب بن زايد عن القمة العربية الأوروبية التي شهدتها مدينة شرم الشيخ منذ أسابيع.
وما يساعد على أن الزيارة تحمل الكثير من الغموض، أن الإعلان عنها جاء من خلال الجانب الإماراتي، في ظل تعتيم مصري لم يكن معتادا في مثل هذه المناسبات.
لماذا غاب هؤلاء
وحسب المحللين فإن ولي العهد الإماراتي كان حريصا على أن تكون العبارات المستخدمة في الإعلان عن الزيارة روتينية، وهو ما لا يعكس الصور التي تم نشرها عن الزيارة من خلال حسابه على تويتر، والتي تشير إلى أن المطروح بين الجانبين كان أكثر بكثير من العبارات المعتادة التي لم تخرج عن أهمية العلاقات المصرية الإماراتية، والأخوة التي تجمع بين السيسي والشيخ خليفة وأخيه الشيخ محمد، وسبل تعزيز العلاقات المشتركة وتطويرها في مختلف المجالات.
ويرى بعض المحللين الذين قرأوا دلالات الصور المنشورة، أن الزيارة لم تكن لأهداف أمنية، وإنما كانت لهدف سياسي، وهو ما كان واضحا في نوعية المشاركين باللقاء من المسئولين الإماراتيين، حيث كان حاضرا الشيخ طحنون بن محمد آل نهيان ممثل الحاكم في منطقة العين، والشيخ نهيان بن زايد آل نهيان رئيس مجلس أمناء مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية، والشيخ خالد بن زايد آل نهيان رئيس مجلس إدارة مؤسسة زايد العليا للرعاية الإنسانية وذوي الاحتياجات الخاصة والشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التسامح.
وحسب الرأي السابق فإن مثل هذه اللقاءات من المفترض أن يشارك فيها، المسؤولين الأمنيين والعسكريين، نظرا لطبيعة وظيفة المسؤول المصري، ورئاسته للجهاز الأمني الأول بمصر، ما يعني أن هناك رغبة من الجانب الإماراتي بأن يتم تصدير المشهد المقصود الترويج له، بإظهار المسؤول المصري في صورة المتسول الذي يريد الحصول على مساعدة مالية من ولي العهد الإماراتي.
خلاف سابق
وقد دعم هذا الرأي ما سبق وأن نشرته “العدسة” عن تزايد الخلافات بين الجانبين المصري والإماراتي على خلفية انسحاب شركة إعمار الإمارات من مشروعات العاصمة الإدارية التي يعول عليها السيسي كثيرا في تقديم إنجاز يمكنه من تهدئة ثورة الغضب الشعبي.
وحسب التحليل السابق لـ “العدسة”، فإن الإمارات تعمدت إهانة السيسي في القمة العربية الأوروبية التي عقدت بمدينة شرم الشيخ، من خلال ضعف تمثيلها الدبلوماسي، حيث اكتفت الإمارات بأن يمثلها في القمة حاكم الفجيرة، وهو ما اعتبره الخبراء انعكاسا لخلاف قائم منذ فترة بين السيسي وصديقه الحميم بن زايد، وهو الخلاف الذي بدأ يأخذ أشكالا في الضرب تحت الحزام بين الطرفين الحليفين، نتيجة الأزمة بين شركة إعمار الإماراتية والمسئولين عن العاصمة الإدارية.
منقذ السيسي
ووفقا لقراءات أخرى تناولت الزيارة الغامضة، فإن مدير المخابرات المصري اعتاد خلال المرحلة السابقة أن يقوم بتطفئة الحرائق التي يشعلها السيسي مع دول الجوار، وهو ما قام مع حركة حماس، حيث استطاع بعد توليه رئاسة المخابرات، أن يعيد العلاقات بين الجانبين المصري والحمساوي، لسابق عهدها مع تحسينات كثيرة، لم تكن موجودة في عهد مبارك.
كما استطاع كامل أن ينهي الأزمة بين الجانبين المصري والسوداني، والتي كادت أن تصل للصدام العسكري بين الجانبين، كما لعب كامل دورا في ضبط العلاقات بين النظامين المصري والسوري، عندما استقبل في القاهرة للمرة الثانية، اللواء علي المملوك رئيس مكتب الأمن الوطني في النظام السوري.
وتشير التحليلات إلى أن كامل يمكن أن يقوم بنفس الدور مع ولي العهد الإماراتي، خاصة وأن متانة العلاقة بين الجانبين، لها سوابق تاريخية منذ أن عمل كامل مديرا لمكتب السيسي في وزارة الدفاع، ثم في رئاسة الجمهورية، وكان همزة الوصل بين السيسي وبن زايد في العمليات القذرة التي كانوا يقومون بها سواء في مصر ضد معارضي السيسي من جماعة الإخوان المسلمين، أو في دول الخليج المحيطة.
ويستند أصحاب هذا الرأي إلى ما كشفته عددا من وسائل الإعلام عام 2017، بأن الإمارات كانت تنسق مع مصر عن طريق عباس كامل في إطار الحملات الإعلامية الموجهة ضد ثورات الربيع العربي.
قراءات أخرى
توتر الأجواء بين السيسي وبن زايد، لم تمنع وجود أراء أخرى، قرأت الزيارة بشكل مختلف، وربطتها بأحداث مشتركة بين الجانبين، منها على سبيل المثال شبكة التجسس الإماراتية التي تم الكشف عنها مؤخرا بسلطنة عمان، ووضعت بن زايد في ورطة كبيرة.
وحسب الرأي السابق فإن ولي عهد أبو ظبي، ربما أراد أن يقوم عباس كامل بدور الوساطة لدى السلطان قابوس، من أجل إيجاد حل للإفراج عن الإماراتيين المقبوض عليهم في عمان بتهمة التجسس، نتيجة العلاقات الجيدة بين السيسي والسلطان قابوس.
مظاهرات الجزائر
وتأتي أزمة الجزائر ضمن السيناريوهات التي طرحها البعض، لكي تكون حاضرة على جدول أعمال الزيارة المريبة، خاصة وأن الموقف المصري والإماراتي متناغما بشكل كبير، لإفشال الثورة الجزائرية، حتى لا تقوم بتفجير الغضب الشعبي العربي مرة أخرى، كما حدث سابقا في ثورة الياسمين التي انطلقت من تونس نهاية 2010 ومطلع 2011، وامتدت لباقي الدول الأخرى.
ويشير البعض إلى أن ما كشفه حساب “بدون ظل” على موقع تويتر، عن قيام ولي عهد أبو ظبي بتقديم دعم لرئيس الأركان الجزائري أحمد قايد صالح، كان بهدف استخدامه كورقة رابحة لدعم خليفة حفتر في ليبيا الذي يدعمه بن زايد، وهو الدور الذي رفضه الشعب الجزائري، عندما رفعت الجماهير اللافتات المنددة بدولة الإمارات جنبا إلى جنب مع الصور واللافتات المنددة بترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة، وهي اللافتات التي كتبوا عليها “تسقط الإمارات”، في إشارة لرفض تدخل أبو ظبي أو أي دولة في شؤون بلادهم.
وتزامنت المظاهرات مع ما كشفه اللواء المتقاعد في الجيش الجزائري، حسين بن حديد، بأن قائد أركان الجيش، أحمد قايد صالح، يتلقى أوامر من الإمارات، ويعمل على تأزيم الأوضاع في الشارع من خلال إخافة المتظاهرين.
تسويات ليبيا
ويشير آخرون إلى أن الملف الليبي ربما يكون سببا في الزيارة المخابراتية المصرية، على خلفية الاجتماع الذي استضافه بن زايد قبل أيام، بين رجله القوي في ليبيا خليفة حفتر، ورئيس حكومة الوفاق فايز السراج، لإنهاء الأزمة الليبية المتداخلة، وهو ما يتطلب تواجد مصري إذا ما تم التوصل لاتفاق بين الجانبين يمكن أن يجد له مكانا على أرض الواقع.
اضف تعليقا