شهدت العلاقات المصرية الإماراتية نقلة نوعية كبيرة بعد الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي من الحكم في 3 يوليو 2013.

وتلاقت كراهية الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي حينما كان وزيرا للدفاع وكراهية حكام الإمارات لتيار الإسلام السياسي، ليس في مصر وحدها ولكن في عدد من دول المنطقة.

وكرست الإمارات ملايين بل مليارات الدولارات لمحاربة التيار الإسلامي، من خلال تأسيس مراكز بحثية ودعم معارضي هذا التيار في البلدان المختلفة، وكان منها دعم واضح وصريح للحراك ضد مرسي في مصر.

وكان أحدث فصول الدعم المقدم لنظام السيسي ما تكشف من تسديد فاتورة تحسين صورة الرئيس السيسي في أمريكا.

وكذلك امتد دور الإمارات المشبوه في مصر إلى حد استيراد أجهزة تجسس ورقابة تسهل عملية التنصت لصالح السيسي من أجل مراقبة المواطنين والمعارضين.

سداد الفواتير

الدور الإماراتي في دعم النظام المصري الحالي ليس خافيا داخل مصر أو الإمارات أو حتى المراقبين لمجمل التفاعلات الإقليمية بمنطقة الشرق الأوسط.

وصعدت الإمارات باعتبارها لاعبا إقليميا لا يستهان به، إذ أمكنها تحريك الأموال لصالح أهداف خاصة وتوسيع نفوذها الاقتصادي بما يؤثر في التحكم ببعض البلدان.

وتكشف أخيرا فصل من فصول توظيف المال الإماراتي لصالح السيسي، إذ أظهرت تسريبات جديدة للبريد الإلكتروني لسفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة، سداد تكلفة حملة علاقات عامة لتجميل صورة الرئيس المصري.

موقع “ذي أنترسبت” الأمريكي نشر بعض الوثائق الخاصة بهذا الأمر، وتبين أن أبو ظبي سددت أكثر من 2.7 مليون دولار من أصل ثلاثة ملايين نيابة عن الحكومة المصرية لصالح شركة العلاقات العامة “جلوفر بارك جروب”.

الهدف الأساسي لهذه الحملة التي مولتها الإمارات، التأثير على الحكومة الأمريكية ومراكز الأبحاث ووسائل الإعلامبهدف توجيه السياسة الأمريكية لصالح النظام في مصر وتجميل صورة السيسي.

وبعيدا عن التقرير فإنه يعتقد أن هذه التكاليف كانت بين عامي 2013 و2014، وربما كانت محاولة للتمهيد لوصول السيسي للحكم خلال 2014.

وأعلنت الحكومة المصرية في أكتوبر 2013 التعاقد مع الشركة التي ورد ذكرها في تسريبات بريد السفير الإماراتي.

شركة جلوفر بارك جروب

الخارجية المصرية قالت في بيان إن “الحكومة المصرية قامت بالتعاقد مع شركة (جلوفر بارك جروب) التي تعد واحدة من الشركات الأمريكية المعروفة في مجال العلاقات العامة وتتمتع بسمعة ونفوذ كبيرين مع مراكز صنع القرار بالولايات المتحدة”.

وأقدمت الحكومة المصرية على هذه الخطوة، بعد انتقادات واسعة لعمليات القمع والقتل التي أعقبت الإطاحة بمرسي من الحكم.

وهنا يبرز أن تمويل الإمارات لحملة تجميل صورة السيسي ارتبط بفترة كانت تشهد تقلبات سياسية داخلية وردود فعل دولية غير مرحبة بتطورات الأوضاع في مصر، وربما كانت مسألة التعاقد اقتراحا من أبو ظبي نفسها وتحملت تكلفته.

رؤية خاصة

وارتبط دعم الإمارات للسيسي باعتباره ممثلا للمؤسسة العسكرية، إذ كان وزيرا للدفاع وتحرك لعزل مرسي، قبل تقديم استقالته والترشح للرئاسة.

وتبرز وجود رؤية خاصة للإمارات في دعم السيسي في عدة نقاط كالتالي:

أولا: وأد الربيع العربي

كان هناك توجه إقليمي للإمارات يرتبط بوأد ثورات الربيع العربي تماما سواء في مصر وتونس وليبيا وحتى سوريا.

وكانت الإمارات تتخوف مع دول الخليج من تمدد ثورات العربي العربي إلى المنطقة حتى تصل إليها في نهاية المطاف بما يهدد عرش حكامها، على النقيض من الموقف القطري تحديدا الذي كان مؤيدا لهذه الثورات.

ميدان التحرير

ويظهر تسجيل مسرب للواء عباس كامل مدير مكتب السيسي حاليا، خلال اتصاله بمسؤول إماراتي لسحب مبلغ مالي من حساب حركة “تمرد” التي تبين أنها صنيعة الجيش والمخابرات المصرية بدعم وتمويل إماراتي.

كما دعمت الإمارات عددا من رموز الأنظمة البائدة في ليبيا ولا تزال تقدم دعما لخليفة حفتر قائد القوات الموالية لمعسكر برلمان طبرق.

ثانيا: الإسلام السياسي

وتدير الإمارات حربا ضروسا ضد المنتمين لتيار الإسلام السياسي في البلدان المختلفة وتحديدا تلك التي شهدت ثورات الربيع العربي.

الكاتب مارك شير لوباران، قال إن الإمارات راهنت على التخلص من الإخوان المسلمين في الداخل، والتصدي لهم في الخارج، إذ تكمن غايتهم في إضعاف شبكات الإسلام السياسي، خشية عودته مرة أخرى إلى الحياة داخل البلاد، حيث لم يتم القضاء تماما على أنصاره.

وتمثلت قمة الرفض للتيار الإسلامي في القائمة التي أعلنتها الإمارات في 2014 وضمت إسلاميين، بما يعني أنها تستهدف “الإسلام الناشط سياسيا“، بحسب فريديريك فيري الخبير في الشؤون الخليجية في مؤسسة كارنيجي للسلام، الذي قال إن الإمارات تحاول أن تشمل مجموعات غير عنيفة مرتبطة بالإخوان المسلمين في إطار واحد مع المجموعات الإرهابية الحقيقية.

ثالثا: الجيش المصري

“مسافة السكة .. الخليج خط أحمر”، بهذه الكلمة دأب الرئيس المصري على تأكيد ارتباط الأمن القومي المصري بالخليجي، في مواجهة النفوذ والتطلعات الإيرانية في المنطقة.

ورغم أن الإمارات تعتبر رابع أكثر الدول إنفاقا على منظومة الدفاع لديها، فإنها لا تصنف في ترتيب أعلى من الجيش المصري، وبالتالي تتحرك للاحتماء في مصر كأداة ردع أمام أي أطماع إيرانية.

مصالح اقتصادية

ولا يمكن إنكار وجود أهداف ومصالح اقتصادية إماراتية لتقديم الدعم للسيسي سواء في تسديد فاتورة تجميل صورته بأمريكا أو المنح والقروض والودائع التي توضع في البنك المركزي، في مقابل الحصول على تسهيلات اقتصادية كبيرة واستغلال الأزمة الاقتصادية المصرية لتعظيم المكاسب.

وبحسب تقارير صحفية، فإن شركة أبراج كابيتال الاستثمارية الإماراتية اشترت مستشفى النيل بدراوي المطلة على نهر النيل مباشرة، كما اشترت دار الفؤاد ومجموعة مستشفيات كليوباترا ومستشفيات النخيل، ومعامل المختبر “مؤمنة كامل” وتتفاوض الآن لشراء مجموعة معامل البرج للتحاليل.

أبراج كابيتال

كما تسعى الإمارات للسيطرة على القطاع الطبي بشكل كامل في غضون 5 سنوات، خاصة أنها تعتزم شراء مستشفيات حكومية كبيرة كقصر العيني والفرنساوي وأبو الريش وأحمد ماهر والدمرداش.

كما تشير التقديرات إلى أن مكتب “آر إس بي” الهندسي يخطط لإقامة مشروع استثماري في جزيرة الوراق المصرية، وهو ما يفسر محاولات الحكومة المصرية إخلاء الجزيرة من السكان حتى يتم تسليمها للمستثمرين دون أي مشاكل.