إبراهيم سمعان
أُثيرت نظرية المؤامرة الإسرائيلية في كثير من الأحيان من جانب مؤيدي بشار الأسد والمعارضين للنظام السوري، في محاولة لتبرير الفوضى الحالية التي تشهدها البلاد.
ووفقا لمجلة “لوبوان” الفرنسية، من وجهة نظر النظام، إسرائيل تدعم سرا معارضين للرئيس السوري من أجل سقوطه وزعزعة استقرار “محور المقاومة” الإيراني السوري في وجه تل أبيب وواشنطن.
في المقابل يرى معارضو الرئيس السوري، أن تل أبيب تفعل كل شيء لبقاء سيد دمشق في السلطة، الذي يعتبر “أفضل الأعداء” فهي تعلم جيدا أنه لن يقلق أبدا إسرائيل.
على الصعيد الرسمي، الموقف الإسرائيلي كان دائما تجنب التدخل في الشؤون السورية، وعلى الرغم من رفض إسرائيل استقبال أي لاجئين، منذ بداية النزاع ، كانت البلاد تقدم “مساعدات إنسانية” للمدنيين السوريين من خلال تزويدهم “بالمنتجات الحيوية”، وفي بعض الأحيان معالجة مئات الجرحى في المستشفيات الميدانية.
هذه المبادرة، التي أطلق عليها اسم عملية ” الجار الحسن”، تم من خلالها إرسال 2637 عبوة من الإمدادات الطبية إلى سوريا عام 2017، و 694 طنا من الطعام ، وعلاج “أكثر من 685 طفلاً” ، بحسب موقع الجيش الإسرائيلي على موقعه الإلكتروني.
” المساعدات الطبية لم تتعلق بالمدنيين فقط، ولكن أيضا المقاتلين الجرحى” كما تقول إيلي كارمون، الباحثة في القضايا الاستراتيجية ومكافحة الإرهاب في مركز متعدد التخصصات هرتسليا (إسرائيل)، مضيفة “كان هذا عملاً إنسانياً، تريد إسرائيل الحفاظ على علاقات جيدة مع السكان المحليين في جنوب سوريا ، وبالتالي ضمان استقرار المنطقة”.
اثنا عشر جماعة معارضة
لكن مجلة ” Foreign Policy” سلطت الضوء على دور إسرائيل في الصراع السوري، فبعد دراسة استقصائية واسعة نُشرت على الموقع الإلكتروني للمجلة، قالت الصحفية إليزابيث تسوركوف، وهي أيضاً باحثة في مركز بحثي لدعم اتخاذ القرار “إن إسرائيل قامت بتسليح وتمويل ما لا يقل عن 12 جماعة متمردة في جنوب سوريا، من عام 2013 إلى يوليو 2018.
وبالفعل، في مارس 2015، كشف تقرير لمراقبي الأمم المتحدة بالجولان، موجه إلى مجلس الأمن، وجود “تواصل ” بين إسرائيل ومعارضين سوري في نوفمبر 2014 ومارس 2015.
ووفقاً للوثيقة ، فإن “الأفراد المسلحين” عبروا خط وقف إطلاق النار عدة مرات، و “اقتربوا من الحاجز الإسرائيلي، وفي بعض الأحيان كانت هناك مقايضات مع جيش الإسرائيلي.
كما أنه في مواجهة هذا العدد الهائل من الجماعات المناوئة لبشار الأسد، التي تغيرت تحالفاتها خلال الصراع، لم تبق إسرائيل متوقفة، إذ يشير تقرير صادر عن مجموعة الأزمات الدولية، إن تل أبيب “قدمت أيضًا الدعم للفصائل المسلحة الجنوبية من 2013 أو 2014، على ما يبدو لمحاولة بناء شراكات محلية وتأمين منطقة عازلة عند حدودها”.
وبناءً على عشرين شهادة تم جمعها من قادة ومقاتلي هذه الفصائل، فإن السياسة الخارجية تذهب إلى أبعد من ذلك وتدعي أن المساعدات الإسرائيلية كانت موجهة لجماعات تعمل في مدن القنيطرة ودرعا والمناطق جنوب دمشق.
وتقول “Foreign Policy ” إن المساعدات كانت تتكون من إمدادات بنادق هجومية أميركية من طراز M16 وبنادق آلية ومدافع هاون وسيارات نقل.
وباستخدام نفس القنوات المخصصة للمساعدات الإنسانية، تم إرسال الأسلحة إلى سوريا عبر ثلاث نقاط عبور تقع في مرتفعات الجولان (تحتلها إسرائيل منذ عام 1967). بالإضافة إلى الأسلحة ، حصل بعض المقاتلين أيضاً على راتب قدره 75 دولاراً في الشهر ، ومالاً لشراء أسلحة من السوق السوداء السورية.
وتوضح الباحثة إيلي كارمون “كان هدف اسرائيل تقليل الحوادث على حدودها الشمالية” استراتيجية تستخدمها على مدى أربع سنوات، لم تطلق سوى قذائف تحذيرية باتجاه السياج الأمني الإسرائيلي.
كذلك حرصت إسرائيل على مقاومة وجود داعش على حدودها، خلال الغارات الجوية على العديد من القادة المعارضين، وقدمت الدعم الجوي للفصائل المعارضة خلال مواجهتهم هذا التنظيم الإرهابي، مع الحرص على عدم التدخل في شؤونهم خلال مواجهة قوات بشار الأسد.
لكن الوضع تغير شيئا فشيئا في جنوب سوريا، فبعد الاستيلاء على مدينة حلب (في ديسمبر 2014) والغوطة الشرقية (في أبريل 2018)، شرع الجيش السوري في إعادة فتح الجزء الجنوبي من البلاد، حيث اندلعت شرارة الثورة في عام 2011، وإلى جانبه، استغلت إيران وميليشياتها الشيعية الفرصة للاستقرار في المنطقة والتقرب من الحدود الإسرائيلية.
وتشير كارمون “لقد أثر هذا الواقع الجديد بشكل كبير على الاعتبارات الاستراتيجية الاسرائيلية، لم يعد الأمر يتعلق بقذائف أطلقت عن طريق الخطأ، ولكن من إيران وحزب الله (أعداء إسرائيل) التي كان لا بد من تحييدهما”.
وعلى مدى الأشهر الثمانية عشر الأخيرة، نفذ الجيش الإسرائيلي 200 ضربة ضد إيران وحلفائها حسبما صرح مسؤول إسرائيلي لوكالة فرانس برس، حيث تم استهداف عشرات من قوافل الأسلحة المتطورة التي كانت متجهة لحزب الله.
بالإضافة إلى هذه الحملة الجوية، زادت إسرائيل بشكل كبير من مساعداتها للجماعات السورية في الجنوب ضد تقدم المليشيات الشيعية، وبعد محادثات كثيرة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يقال إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حصل من روسيا ، الأب الروحي لدمشق، على أن الجيش السوري – وليس الميليشيات الشيعية – هو الذي يستعيد السيطرة على المناطق الواقعة إلى الغرب من درعا ومدينة القنيطرة، وهما منطقتان متاخمتان للجولان المحتل.
ووفقا للاتفاق، يقال إن قوات طهران محتجزة على مسافة لا تقل عن 80 كيلومترا من الحدود الإسرائيلية، وتؤكد إيلي كارمون: “لقد أدركت الحكومة الإسرائيلية أنه دون تدخل عسكري أمريكي، فإن الروس سيتحكمون في قواعد اللعبة بسوريا”.
وبحسب الصحفية إليزابيث تسوركوف، انتهت المساعدات الإسرائيلية في يوليو عندما شن الجيش السوري معركة الجنوب، ولوحدهم وبلا حيلة، في مواجهة القوات الموالية لبشار الأسد على الأرض وسلاح الجو الروسي، لم يكن أمام المعارضين السوريين سوى التوقيع على استسلامهم والتخلي عن أسلحتهم.
وبعد شهر، اعترف وزير الدفاع الإسرائيلي للمرة الأولى بأن الأسد استرد السيطرة على أغلب الأراضي السورية، وقال افيغدور ليبرمان ” من وجهة نظرنا الوضع في سوريا اصبح هو نفسه كما كان قبل الحرب الأهلية، أي أنه من الواضح أن هناك من يتحدث معه ، وشخص مسؤول، وهناك قوة مركزية”.
اضف تعليقا