اجتمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، السبت، مع وزيري الدفاع والداخلية ورئيس جهاز المخابرات العامة، لمتابعة الحالة الأمنية وتلقي تقارير حول حادث الواحات الأخير الذي راح ضحيته 16 شرطيا بحسب بيان رسمي، ولكن تذهب التقديرات إلى أن الضحايا تجاوزوا الـ 50 فردا.

هذا الاجتماع يعد الثاني من نوعه عقب الحادث، والأول كان في اليوم التالي للواقعة، ولكن دون أن يخرج عنه أي قرارات كرد فعل على الخلل والتقصير الفادح في التعامل مع المسلحين على طريق الواحات.

ولكن جاء اجتماع السيسي مع المسؤولين الثلاثة عاصفا، هكذا بدا من خلال القرارات التي اتخذت في أعقابه والتي تتعلق بتغيير بعض قيادات وزارة الداخلية، ولكن الأغرب أن تشمل القرارات الفريق محمود حجازي رئيس أركان الجيش المصري.

الإطاحة بحجازي من منصب رئيس الأركان خطوة غير مفهومة تماما، وفقا لسؤال أساسي هنا هو: لماذا يتم إقالة قيادة عسكرية والخسائر من وزارة الداخلية؟!.

إقالات مفاجئة

لم يتخيل كثيرون إقدام السيسي على التضحية بحجازي وعدد من قيادات وزارة الداخلية، خاصة وأن الواقعة مر عليها أكثر من أسبوع، وبالتالي فإن الرئيس الحالي لو أراد اتخاذ إجراءات من شأنها معاقبة المسؤولين كانت ستكون بعد الحادث مباشرة.

وبخلاف انشغال السيسي في يوم الواقعة بحضور ذكرى معركة العلمين، وزيارته إلى فرنسا التي انتهت الخميس الماضي، إلا أن الاجتماع الأول كان يوم الأحد الأسبوع الماضي أي بعد اشتباكات الواحات بيومين.

ولم يصدر السيسي مثل هذه القرارات، مم يدل على وجود متغيرات حدثت دفعت النظام الحالي إلى هذه الإجراءات، وإلا لكان اتخذها الأسبوع الماضي.

ويبدو أن هناك احتمالات لهذه الخطوة، أولا: أن وزارة الداخلية ومن بعدها الدفاع والمخابرات العامة لم يقدموا تقارير مفصلة حول الحادث، ومن المتسبب فيه بشكل دقيق، ثانيا: أن السيسي لم يكن يرغب في اتخاذ قرار انفعالي في هذا التوقيت؛ لعدم إثارة وزارة الداخلية ضده، باعتبار أنه لا يحسُن اتخاذ هذا القرار في ظل الانشغال بانتشال جثث القتلى وملاحقة هذه العناصر المسلحة.

وفور انتهاء وزير الداخلية من الاجتماع مع السيسي، اتخذ قرارا بحركة تغييرات في قيادات الوزارة، شملت بالأساس مدير أمن الجيزة، ورئيس جهاز الأمن الوطني، ومدير العمليات الخاصة بقطاع الأمن المركزي.

كما أن القرار شمل تغييرًا محدودًا في بعض مساعديه ومديري الإدارات المختلفة.

الغريب أن وزير الداخلية مجدي عبد الغفار ـ ورغم أن التغييرات مرتبطة بالأساس بحادث الواحات والتقصير الذي حدث فيه من قبل الأجهزة المختلفة ـ إلا أنه وسع نطاق التغييرات في الوزارة لعدم إحراج القيادات المقالة.

وهذه الخطوة تدعم فكرة أن قرار الإطاحة بتلك القيادات لم يكن بناء على رغبة من عبد الغفار، وإنما بموجب تعليمات من السيسي خلال الاجتماع، وإلا لماذا اتخذ وزير الداخلية هذه القرارات في أعقاب الحادث مباشرة.

الأكيد أن هذه القرارات تعبير حقيقي عن وجود خلل فادح في تحركات وزارة الداخلية، وهو الأمر الذي صاحب كل وقائع الهجوم على كمائن ومؤسسات شرطية على مدار السنوات القليلة الماضية، ولكن دون اعتراف بذلك.

إجتماع “السيسي” مع وزيري الدفاع والداخلية ورئيس المخابرات العامة

استمرار عبد الغفار

الغريب في سياق رد فعل السيسي على حادث الواحات هو الإيعاز لوزير الداخلية بتغيير القيادات السالف الإشارة إليها، إلا أن الرئيس المصري لم يفكر في تغيير وزير الداخلية اللواء مجدي عبد الغفار.

عبد الغفار ربما لا يتحمل مسؤولية مباشرة عن التقصير الأمني في اشتباكات الواحات، ولكنه يتحمل مسؤولية سياسية باعتباره الوزير (منصب سياسي)، خاصة وأنه المسؤول الأول عن اختيار مساعديه وقيادات الوزارة ومديري الإدارات المختلفة.

وعلى الرغم من تكرار أزمات وكوارث عبد الغفار  وعلى رأسها مواجهة الإرهاب، بالإضافة إلى سياساته في ملاحقة وقمع المعارضة، والتعذيب في السجون وأماكن الاحتجاز، إلا أن السيسي لم يقترب منه حتى الآن.

حتى إن رواد مواقع التواصل الاجتماعي بدأوا يتساءلون “منتظرين إيه يحصل تاني علشان يرحل وزير الداخلية”.

ومع كل هجوم إرهابي وأزمة تفتعلها وزارة الداخلية يتردد الحديث لبضع أيام عن التفكير في الإطاحة بعبد الغفار، ويتبين بعدها أنها كانت مجرد إما شائعات، أو أن السيسي تراجع عن هذا القرار بناء على رأي أحد داعمي وزير الداخلية الحالية.

ويدعم عبد الغفار مستشار السيسي أحمد جمال الدين الذي كان وزيرا للداخلية في عهد الرئيس الأسبق محمد مرسي _ خاصة ووفقا لتقارير إخبارية_ أنه هو من اختاره لهذا المنصب بناء على تقرير للرئيس الحالي.

التقصير الأمني يتحمله سياسيا وزير الداخلية، خاصة مع عدم التوصل للجناة في حوادث كبرى شهدتها مصر، بما يمثل تحديات أمنية كبيرة وهناك حاجة إلى تغيير الفكر الذي تسير وفقا له الوزارة.

ويرى مراقبون أن استمرار عبد الغفار يرتبط بعدم رغبة السيسي في الإيحاء بأنه تأثر بالعمليات الإرهابية، فضلا عن عدم إعطاء فرصة للضغط عليه من قبل نقابات وأحزاب حيال جرائم الوزير الحالي.

وأخيرا فإن وزير الداخلية الحالي يركز في عمله على ملاحقة معارضي السيسي سواء من مؤيدي مرسي أو من المنشقين عن معسكر 30 يونيو.

ومع كل تعديل وزاري يترقب الجميع الإطاحة بعبد الغفار من الحكومة، إلا أن السيسي بدا وكأنه يكابر ويعاند الجميع.

” السيسي “

 

” مجدي عبد الغفار “

 

” أحمد جمال الدين “

لماذا حجازي؟

أزمة اشتباكات الواحات برمتها لدى وزارة الداخلية، هى المسؤولة عن مداهمة بؤرة المسلحين عند الكيلو 135، كما أنها لم تبلغ وزارة الدفاع والمخابرات العامة لتقديم الدعم اللازم، وتحديدا الجوي.

إذن كل التقصير وأزمة جمع المعلومات مرتبط بوزارة الداخلية، بما في ذلك الاختراق الأمني للمجموعات المسلحة للوزراء والحصول على معلومات حول أعداد وتسليح أفراد المأمورية الأمنية، ولكن الأدهى توقيت وصولها في هذه المنطقة لكي يتم الاستعداد لها بما خلف عددًا كبيرًا من القتلى يتجاوز العدد الرسمي المعلن.

السؤال الأبرز طالما أن الأزمة لدى وزارة الداخلية، فلماذا أقدم السيسي على الإطاحة بصهره محمود حجازي من رئاسة الأركان؟.

السيسي استبق إعلان وزير الداخلية قرار الإقامة والقيام بحركة تغييرات محدودة في الوزارة، بإصدار قرار تعيين محمد فريد حجازي رئيسا للأركان، وتعيين الفريق محمود حجازي مستشارًا له في إدارة الأزمات، وهذا يعني الإطاحة به من منصبه.

” محمود حجازي “

سياق الإعلان يقول أن ثمة علاقة واضحة بين إقالة حجازي وحادث الواحات، خاصة وأن القرار جاء بعد اجتماع السيسي مع وزيري الدفاع والداخلية ورئيس المخابرات، كما صدرت قرارات بالإقالة من عبد الغفار لعدد من قيادات وزارة الداخلية.

وإذا كنا نتحدث عن سياق اشتباكات الواحات، فما الذي قام به حجازي ليستحق “العقاب”؟، وهنا يبرز عدة احتمال، أولا: عدم تقديم الدعم اللازم لوزارة الداخلية في سبيل إنقاذ الضحايا من خلال تأخر الغطاء الجوي للاشتباكات، ثانيا: رفض المشاركة في عملية تمشيط محيط الاشتباكات على مدار عدة أيام، مما سمح للعناصر المسلحة بالفرار.

أما ثالثا: وهو أسوأ الاحتمالات يتعلق بأن حجازي رفض دعم الشرطة في عملياتها في طريق الواحات، وأن تكون الوزارة طلبت الدعم فعلا قبل التحرك.

رابعا: وجود أزمة بين حجازي ووزارة الداخلية ربما تمتد لفترة طويلة من الصراع على تصدر المشهد في مواجهة الإرهاب، واستئثار وزارة الدفاع بكل المكاسب، وإبراز أنها تقدم التضحيات في مقابل اهتمام أقل بضباط وأفراد الشرطة الذين يقتلون في عمليات مسلحة.

ولكن هذا لا يستبعد بالتأكيد الاحتمالات الأخرى، والتي تتعلق بوجود خلافات بين حجازي وصدقي صبحي على السيطرة والنفوذ داخل الجيش، أو تجهيزه لرئاسة الحكومة، أو بسبب عدم القدرة على إنهاء الأزمة الليبية حتى الآن، وربما استغل السيسي حادث الواحات للإطاحة بحجازي.