العدسة – جلال إدريس

أين المعارضة الأردنية من حالة الغضب الشعبي الذي يشهده الشارع الأردني؟ لماذا غابت المعارضة عن الاحتجاجات التي ضربت مناطق متفرقة بالأردن بعد إقرار موجة الغلاء الأخيرة في البلاد؟ ولماذا فشلت المعارضة الأردنية في حجب الثقة عن الحكومة؟ وهل أدت كتلة الإصلاح المحسوبة على الإخوان المسلمين، دورها تجاه من انتخبوها؟

تساؤلات واسعة ومتعددة تطرح على الساحة السياسية الأردنية خلال هذه الأيام، خصوصا وأن الشارع الأردني كان قد انتفض في موجة غضب تجاه القرارات الاقتصادية الصعبة التي اتخذتها الحكومة في حين أنه لم يشهد أي تحرك منظمة للقوى السياسية الأردنية.

وكانت مظاهرات الغضب قد عمت الشارع الأردني مطلع  الشهر الجاري ضد قرارات الغلاء التي اتخذتها الحكومة حيث طالب المتظاهرون برحيل حكومة رئيس الوزراء الأردني هاني الملقي، وإسقاط مجلس النواب بوصفه “شريكا” في تمرير القرارات الاقتصادية.

المظاهرات جاءت بعد أن فرضت الحكومة الأردنية الضرائب والرسوم على قائمة طويلة من سلع وخدمات، شملت مواد غذائية أساسية؛ بغية توفير إيرادات لخزينة الدولة بما يقارب مليار دينار أردني، موزعة على 540 مليون دينار، من ضريبة مبيعات و376 مليون دينار، ضرائب ورسوم أخرى، إلى جانب رفع الدعم عن الخبز، البالغ 170 مليون دينار.

“العدسة” ومن خلال التقرير التالي تحاول إلقاء الضوء على واقع الأحزاب السياسية في الأردن، والخريطة السياسية لها، وأسباب غياب تلك الأحزاب عن حراك الشارع الأردني ضد “موجة الغلاء” الأخيرة.

احتجاجات الأردن بسبب الغلاء

احتجاجات الأردن بسبب الغلاء

 

خريطة الأحزاب والنواب

يتخطى عدد الأحزاب السياسية في الأردن الـ 40 حزبا، بعضها ممثل داخل البرلمان الأردني، وكثير منها غير ممثل، إلا أن أغلب الأحزاب السياسية المعارضة في الأردن تعاني من عزوف الشباب عن المشاركة فيها، والتفاعل معها بشكل كبير.

وتنقسم الأحزاب السياسية في الأردن إلى 5 أقسام هي:

أولا: أحزاب القومية وأبرزها ( حزب البعث العربي الاشتراكي الأردني، وحزب البعث العربي التقدمي، والعربي الديمقراطي الأردني، وجبهة العمل القومي).

ثانيا: أحزاب إسلامية وأبرزها ( حزب جبهة  العمل الإسلامي، حزب الوسط الإسلامي ، والحركة العربية الإسلامية (دعاء).

ثالثا: أحزاب يسارية وأبرزها (الحزب  الشيوعي الأردني، والديمقراطي الاشتراكي الأردني، والشعب الديمقراطي الأردني (حشد)، والوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني، وحزب الحرية).

رابعا: أحزاب ليبرالية، وأبرزها (العهد الأردني – التقدم والعدالة – التجمع الوطني الأردني – الوطن – اليقظة – الوحدوي العربي الديمقراطي (وعد) – المستقبل – الوحدة الشعبية (الوحدويون) – الجماهير العربية الأردني – الجبهة الأردنية العربية الدستورية).

ويتكون مجلس الأمة الأردنية من 130 عضوا منتخبا، و65 عضوا من مجلس الشيوخ يتم تعيينهم من قبل الملك، منهم تسعة مقاعد محفوظة للمسيحيين، وثلاثة للأقليات الشركسية والشيشانية، وخمسة عشر للنساء.

وتتمثل المعارضة في البرلمان الأردني كالآتي:  جبهة العمل الإسلامي (10)  زمزم (5) حزب الوسط الإسلامي الأردني (5)  التيار الوطني (4) حزب العدالة والإصلاح (2)  الحزب البعث العربي الاشتراكي (1)  الحزب الشيوعي (1) الاتحاد الوطني (1)  العون (1)  المستقلة (100)

البرلمان الأردني

البرلمان الأردني

 

الأحزاب المدنية ديكورية

يرى مراقبون أن أغلب الأحزاب السياسية غير “الإسلامية” في الأردن ليست سوى أحزاب ديكورية، لا تقدم ولا تؤخر، وهي الأحزاب التي تطلق على نفسها أحزبا مدنية.

وعلى الرغم من الفترة الزمنية الطويلة التي وجدت فيها الأحزاب السياسية في الأردن فإنه يمكن الاستنتاج أن تأثيرها في الحياة السياسية بقي محدودا، ويعتقد البعض أن تأثيرها حين كانت ممنوعة من العمل السياسي العلني كان أكثر من تأثيرها في ظل الانفراج الديمقراطي بعد عام 1989، وأن العمل العلني قد أدى إلى وضع الأحزاب في مواجهة السلطة والدولة والشعب في الوقت نفسه، وأن هذه المواجهة قد كشفت إلى حد بعيد عجز هذه الأحزاب عن تأدية الدور المطلوب والمتوقع منها، وبقيت في أغلب الأحيان حبيسة أفكارها ووسائلها وتوجهاتها التي حكمتها لفترة زمنية طويلة، وهو ما أسهم في استمرارية اختلال الميزان بين النظام السياسي والمعارضة.

ومنذ عام 1993 تحولت هذه الأحزاب لمجرد ديكور، ومجرد موجودات شكلية لاستكمال الصورة الخارجية للديمقراطية دون جوهرها، الأمر الذي كان لا بد أن يطبع بصماته على الحياة السياسية كلها. لا سيما بعد أن بدت الأحزاب بطيئة في قراءة التغيرات والتطورات التي اجتاحت المنطقة والعالم، وعاجزة عن التكيف أو التعاطي الناجع معها، بعد أن أخفقت في التحول من النطاق النخبوي إلى آخر جماهيري واسع، وهي حالة انسحبت على كل الأحزاب السياسية العربية.

وخلال الاحتجاجات الأخيرة التي شهدها الأردن، والتي دعت إلى تنظيمها وقادتها قوى شعبية غير منتمية لأي من الوسائط السياسية التقليدية، ارتضت القوى السياسية والأحزاب او منظمات المجتمع المدني لنفسها العزوف عن المشاركة فيها، واختارت الغياب عن المشهد لحين اتضاح الرؤية.

الأحزاب الإسلامية متخبطة

في المقابل فإن الأحزاب الإسلامية المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين والتيارات الإسلامية بالأردن، متخبطة ومنقسمة وتعاني هاجس الخوف من القمع، لذلك فهي تمارس دورها السياسي في الإطار المرسوم لها دون أن تلجأ للشارع خوفا من أن تنالها موجة قمع جديدة.

وكانت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن لقيت ضغوطاً قوية من النظام الأردني، خصوصا بعد موجة الانقلابات والثورات المضادة التي شهدتها بلدان الربيع العربي، حيث تعرضت جماعة الإخوان في الأردن لضغوط كادت أن تؤدي بها في نهاية المطاف إلى التصنيف كمنظمة إرهابية كما حدث في مصر.

ولأن جبهة العمل الإسلامي “الإخوان في الأردن” كانت لسنوات عدة في طليعة الحركات الإسلامية، من حيث المشاركة السياسية، فقد حاولت أن تنجو بنفهسا من مقصلة القمع، عن طريق التماهي مع المشهد السياسي في الأردن والاكتفاء بلعب دور المعارضة دون المنافسة على السلطة.

وكان إخوان الأردن قد انخرطوا في العديد من الانتخابات البرلمانية بعد العام 1989 حيث برزت  الجماعة بكونها الحزب المعارض الرئيس، لكنها قاطعت انتخابات أخرى بسبب شكاويها من تلاعب النظام بالقانون الانتخابي، بيد أن قرار مقاطعة الانتخابات العام 2013 قسم الحركة وسعى بعض قادتها إلى ممارسة دور أكثر مجابهة، في حين حث آخرون على الاصطفاف بشكل أوثق مع النظام.

وقد استغلت الحكومة الأردنية هذه الشروخ داخل جماعة الإخوان الراسخة لدعم تأسيس منظمة إخوان جديدة، فيما كانت تُصادر أصول المنظمة القديمة وتُلغي وضعيتها القانونية.

وفي يونيو 2016، أعلنت جبهة العمل الإسلامي، على رغم الضغوط، أنها ستشارك في الانتخابات المقررة في سبتمبر، مُنهية بذلك سنوات 7 من المقاطعة الانتخابية.

وأقدمت الجماعة على هذه الخطوة من خلال طرح مرشحين في قوائم انتخابية متعددة، وحجّمت رسالتها السياسية كي تُقلّص من الشعارات الإسلامية لصالح تحالفات أوسع، وعلى رغم أن الإقبال على أقلام الاقتراع كان ضئيلاً، إلا أن جماعة الإخوان حصدت 16 مقعداً من أصل 130 في البرلمان.

أين كتلة الإصلاح في البرلمان؟

مؤيدو “كتلة الإصلاح – إخوان الأردن” يرون أنها أدت دورها في الحراك الأخير لكن بشكل دستوري وقانوني داخل مجلس النواب الأردني.

ويقول مؤيدو “الإصلاح” إن “جماعة الإخوان” غابت عن الحراك الشعبي في الأردن، الرافض للقرارت الاقتصادية الحكومية الصعبة مؤخرا، لخوف الجماعة من أن يتم قمع على هذا الحراك من القمع، حيث ترى قيادات الأحزاب السياسية في الأردن  وخاصة الإسلامية أنه من السهل استهداف الحراك الشعبي إن شاركت القوى الإسلامية بشكل رسمي.

وفي هذا الإطار يرى المراقبون أن “كتلة الإصلاح” الممثلة لجماعة الإخوان في مجلس الأمة الأردني، قد قامت بدورها الدستوري تجاه تلك القرارات الصعبة، حيث ساندت الشعب الأردني، بتقديم استجواب لسحب الثقة من الحكومة الأردنية بالتعاون مع مجموعة من النواب المعارضين.

ويرى المراقبون أن هذا الدور عزز دور حركة الاحتجاج في الشارع، إلا أنه في نهاية الأمر بالفشل، حيث فشل مجلس النواب في سحب الثقة من الحكومة، إلا أنه إجراء أحرج الحكومة بشكل كبير وأفقدها رصيدها شعبيا ونيابيا.

وكان 23 نائبا تقدموا بمذكرة لطرح الثقة بحكومة الملقي، أكثر من نصفهم من كتلة الإصلاح المحسوبة على المعارضة وحزب جبهة العمل الإسلامي، لكن النتائج جاءت مخيبة للآمال بالنسبة إليهم فلقد منح الثقة للحكومة بـ67 نائبا وحجب الثقة عنها 49 نائبا فقط، مما يعني تجديد الثقة بالحكومة بعد اتخاذها قرارات مست جيوب المواطنين وتسببت بمزيد من الغلاء في البلاد.

تجديد الثقة بالحكومة لم يكن مفاجئا ولكنه جاء صادما لأغلبية الأردنيين، وسؤال المغردين والناشطين على صفحات التواصل كان: كيف تمنح الثقة لحكومة أقدمت على رفع أسعار أكثر من 167 سلعة وخدمة، وأفرزت واقعا اقتصاديا جديدا وضاعفت أسعار الخبز ورفعت الضرائب بنسب كبيرة؟.