العدسة_ بسام الظاهر
لا يزال الغموض حول اشتباكات الواحات التي سقط فيها عدد كبير من رجال الشرطة الجمعة الماضية قائمًا، خاصة مع عدم كشف تفاصيل الواقعة من قبل وزارة الداخلية.
وبحسب بيان وزارة الداخلية سقط 16 قتيلًا من قوات الشرطة في مأمورية الواحات، بيد أنّ الأعداد الحقيقية تتجاوز هذا الرقم بكثير وفي أغلب التقدير تجاوز عدد القتلى 50 شرطيًا بين ضباط وجنود.
تفاصيل الواقعة تؤكد عدم مشاركة قوات الجيش المصري في هذه الاشتباكات من بدايتها، ولكنها تدخلت بعد كارثة نصب كمين لقوات الأمن داخل عمق الصحراء بعدة كيلومترات من خلال الدعم الجوي.
التساؤلات لم تتوقف لماذا هذا الدعم الجوي لم يكن مرافقًا لقوات الشرطة منذ بداية الهجوم على تجمعات العناصر المسلحة في الواحات؟.
غياب الجيش
الغريب في اشتباكات الواحات أنها لم تكن بالتنسيق بين قوات الشرطة والجيش، خاصة وأن الهجوم كان على “معسكر” للمسلحين في منطقة صحراوية وعرة.
مشاركة طيران الجيش في معركة الواحات لم يكن متأخرًا وحسب، ولكنه كشف عن غياب التنسيق تمامًا بين الطرفين خلافًا للمتوقع وتحديدًا في عملية الإسناد الجوي للقوات على الأرض.
ويبدو أنّ الجيش لم يكن على علم من الأساس بهذه العملية تمامًا، وهو محور انتقادات شديدة لمراقبين ورواد مواقع التواصل الاجتماعي.
محمود حجازي
رئيس أركان الجيش المصري
على الأقل كان لا بدّ من وجود دعم من قوات الجيش في منطقة قريبة من منطقة الاشتباكات للتدخل إذا تطورت الأمر كما حدث بالفعل، ولكن هذا الدعم لم يكن متواجدًا، ولم يتحرك الجيش بعد انتهاء الاشتباكات لملاحقة المسلحين الفارين إلا من خلال تقديم دعم جوي فقط.
هذا الأمر يوضح أن ثمة أزمة لدى الجيش المصري في تعامل الداخلية بهذه الصورة وغياب التنسيق التام حول هذه العملية، خاصة وأنه المسؤول بطبيعة الحال عن أي عمليات في الصحراء لأنه يمتلك الأسلحة الثقيلة التي تمكنه من مواجهة المسلحين.
والفاعل الرئيسي في مواجهات سيناء مع تنظيم “ولاية سيناء” هو الجيش وليس الشرطة، والأخيرة تقوم فقط بعمليات إسناد أو تحركات وسط المدنيين وليس مطاردة مسلحين أو تنفيذ حملات أمنية على مراكز ثقلهم في الشيخ زويد ورفح ووسط سيناء.
الغريب أيضًا أن الجيش هو الذي يقوم بعمليات ضد المسلحين في المنطقة الغربية وضبط الحدود وملاحقة العناصر في مناطق صحراوية.
إذ لماذا لم تبلغ الشرطة قوات الجيش بهذا المعسكر على طريق الواحات بما أسفر عن هذه الكارثة؟
روايات متضاربة
على الأقل كان على وزارة الداخلية طلب دعم الجيش في عملية إسناد جوي، ولكن هذا لم يحدث منذ البداية.
وبدا أن هناك تعمدًا لإبعاد الجيش عن هذه العملية، وهو أمر أثار العديد من التساؤلات حول سر غياب التنسيق في معركة يفترض أن يشارك فيها الجميع.
وظهرت عدة روايات لمسألة عدم طلب دعم الجيش في الاشتباكات منذ البداية.
وقال اللواء محمد عبدالله الشهاوي، مستشار كلية القادة والأركان، إن عدم استعانة مأمورية الواحات بطائرات الاستطلاع أو الدعم الجوي خلال العملية، جاء لتحقيق عنصر المفاجأة الكاملة والسرية لتحقيق أقصى درجات النجاح في العملية.
وأضاف الشهاوي أن العناصر نفسها والمعدات والسيارات التي تنقلهم يتم إخفاؤها بالتمويه المناسب للمنطقة التي يتم تنفيذ العملية بها، حرصًا على سلامة العناصر وتحقيق عنصر المفاجأة أيضًا.
ولكن هذه الرواية لا تتسق مع طبيعة العمليات المماثلة في محافظة شمال سيناء، إذ تخرج الحملات الأمنية سواء للجيش والشرطة مدعومة بالطائرات مع التأكيد على دخول المعركة في توقيت متزامن، أو تقوم الطائرات بقصف أهداف للمسلحين حتى تسهّل من عمل القوات على الأرض.
رواية ثانية تطرق إليها العميد السابق خالد عكاشة، الذي تحدث عن أن سبب عدم وجود دعم جوي لقوات الشرطة، هو رغبة وزارة الداخلية في سرعة مداهمة معسكر الإرهابيين على طريق الواحات.
عكاشة يتعلل بـ “السرعة” لغياب هذا التنسيق، ولكن السؤال هنا هل عملية التنسيق مع الجيش في حدثٍ كبير مثل هذا ومداهمة معسكر لقوات لإرهابيين يحتاج وقت طويل؟
هذا التضارب في الروايات والتفسيرات يقود إلى وجود أزمة حقيقية بين الجيش والشرطة خلال الفترة الحالية، وربما يمتد لفترات أطول.
أزمة كبيرة
بدا الارتباك واضحًا على كل أجهزة الدولة في التعامل مع حادث الواحات، بما يشير إلى وجود أزمة حقيقية في تفاصيل هذه العملية بالكلية.
يسري البدري، وهو رئيس قسم الحوادث في صحيفة “المصري اليوم”، كشف في لقاء تلفزيوني، مساء السبت، عن وجود تقرير تعده كافة قطاعات الوزارة لعرضه على وزير الداخلية اللواء مجدي عبد الغفار، ومن ثم رفعه إلى رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي.
السيسي الذي بدا أنه يمارس عمله بشكل طبيعي لإرسال رسالة أن “الصدمة” لم تكن كبيرة، لذا استمر في برنامج يومه كما هو مخطط بحضور بإحياء ذكرى معركة العلمين.
ولكن بدأت الأصوات تعلو في وسائل الإعلام بضرورة وجود تنسيق كامل بين جهاز الشرطة والجيش المصري في العمليات الكبيرة، خاصة وأن المسلحين يمتلكون أسلحة ثقيلة تفوق الشرطة.
الباحث في الحركات الإسلامية أحمد بان، قال إنه لمواجهة هذا الخطر يجب الاعتماد على تنسيق كامل بين قوات الجيش والشرطة في شكل قوات غير تقليدية لمكافحة الإرهاب.
ولكن بدا أن هناك أزمة حقيقية بين الجيش والشرطة في التعامل مع هذا الملف خارج النطاق السكاني، فمسؤولية ملاحقة العناصر المختبئة هي مسؤولية وزارة الداخلية ولكن الملاحقات في الصحراء تكون الأفضلية فيها لقوات الجيش.
وبحسب بعض المقربين من النظام الحالي، فإن هناك حالة غضب لدى رئاسة الجمهورية ومسؤولي الجهات السيادية من تصرف وزارة الداخلية بشكل منفرد في اشتباكات الواحات دون التنسيق مع كل أجهزة الدولة المعنية لضمان تحقيق الهدف المنشود والقضاء على المسلحين.
السيسي ومجدي عبدالغفار وزير الداخلية
خلافات في ملف الإرهاب
الخلافات بين الجيش والشرطة حول اختصاصات كل طرف في مواجهة الإرهاب، والتعامل مع هذا الملف كانت واضحة تمامًا في واقعتين؛ الأولى في مدينة العريش، والثانية في محافظة الإسماعيلية.
في شهر يناير الماضي، أعلنت وزارة الداخلية تصفية 10 شباب في مدينة العريش بدعوى أنهم “إرهابيين”، وهو ما أثار عائلات العريش والتهديد بعصيان مدني حال عدم التحقيق في الواقعة وإقالة الوزير.
هذه الواقعة أثارت أزمة كبيرة بين الجيش والشرطة في التعامل مع هذا الملف، خاصةً وأنّه تمّت التصفية داخل أحد المساكن بما أثار المدينة كلها على القوات المشاركة في مكافحة الإرهاب.
أما الواقعة الثانية التي كانت بمثابة محور خلاف كبير بين الطرفين في هذا الملف، هي إعلان وزارة الداخلية مداهمة معسكر لمسلحين فارين من سيناء بمحافظة الإسماعيلية في يوليو الماضي.
وتشير بعض التقارير الإخبارية، إلى وجود حالة غضب داخل المؤسسة العسكرية، لأن الجميع فوجئ بإعلان وزارة الداخلية بوجود معسكر تدريبي في الإسماعيلية، خصوصًا أن المحافظة تخضع لسيطرة وتأمين قوات الجيش.
وبدا أن الإعلان بمثابة توجيه أصابع الاتهام للمؤسسة العسكرية بالتقصير الكبير في تأمين منطقة القناة، تحديدًا وأن طلعات الاستطلاع لا تتوقف عن رصْد كل المناطق التي يحتمل أن تكون بؤراً إرهابية.
اضف تعليقا