العدسة – باسم الشجاعي
“النظام القائم في مصر يحتقر القانون والدستور ولا يعبأ بهما، وتتلبسه رغبة عارمة في تصفية خصومه”، بهذه الكلمات أصدر، المستشار “أحمد سليمان”- وزير العدل في عهد الرئيس الأسبق “محمد مرسي”- بيانا شديد اللهجة، هو “الأول من نوعه”، ضد الرئيس “عبد الفتاح السيسي”، والنظام القائم في البلاد.
“سليمان” أكد أن النظام الحالي في مصر لا يبالي بمصادرة حقوق الدفاع، ويقضي في العديد من الدعاوى على خصوم النظام بالسجن المؤبد والإعدام للمئات، دون دليل قانوني معتبر، واستنادا لمحاضر التحريات وحدها، مما أثر على ثقة الرأي العام في أحكام القضاء في الداخل والخارج.
الإعدام الدافع الرئيسي
السبب الرئيس حول إصدار وزير العدل الأسبق، بيانا صدر اليوم، “الاثنين” 1 يناير 2018، يتسند لوقائع تؤكد وجهة نظره، بحسب ما اطلع موقع “العدسة” عليه، يأتي بعد جملة أحكام الإعدامات التي نفذت وصدرت في نهاية العام الماضي “2017”، بحق مؤيدي الرئيس “محمد مرسي” وأبناء سيناء، والذي طالب في نهايته بضرورة إصدار قانون بوقف تطبيق عقوبة الإعدام مؤقتا؛ حفظا لدماء بريئة قد تزهق ظلما.
ففي 26 ديسمبر الماضي، نفذت السلطات المصرية حكم الإعدام في حق 15 شخصا، بموجب حكم نهائي بإدانتهم على خلفية اتهامهم بقتل ضباط وجنود القوات المسلحة في شمال سيناء، في القضية المعروفة إعلاميا بـ”خلية رصد الضباط”، والتي تحمل رقم 411 لسنة 2013 ج كلي عسكري الإسماعيلية.
وتعود أحداث القضية، إلى 5 أغسطس 2013، عندما ألقي القبض على 19 شخصا، ووجهت لهم النيابة اتهامات بقتل ملازم ورقيب و8 جنود، والشروع في قتل جندي، والاستيلاء على أسلحة تابعة للجيش منها رشاش متعدد.
الشهر الماضي، لم يشهد فقط تنفيذ رابع حكم إعدام في قضايا ذات طابع سياسي (الأول مجموعة عرب شركس، والثاني الخاص بــ”محمود رمضان”، والثالث بحق “عادل حبارة”)، في عهد الرئيس “عبد الفتاح السيسي”، فقد أمرت محكمة عسكرية، “الأحد” 31 ديسمبر الماضي، بإحالة أوراق 8 مدنيين إلى مفتي البلاد، لأخذ الرأي الشرعي في إعدامهم، بعد اتهامهم باغتيال عقيد شرطة في القضية المعروفة إعلاميا باسم اغتيال “وائل طاحون”، في أبريل 2015.
وحددت المحكمة ذاتها جلسة 17 يناير الجاري للنطق بالحكم على المتهمين في القضية، والبالغ عددهم 52 متهما، من بينهم 16 يحاكمون غيابيا.
وفي 4 يناير 2016، أحالت النيابة العامة 52 متهما إلى القضاء العسكري، ووجهت لهم تهما ينفونها بتأسيس تنظيم مسلح، وتنفيذ أعمال عدائية ضد القضاة وأفراد ومنشآت القوات المسلحة والشرطة والمنشآت العامة، واغتيال العقيد “وائل طاحون”.
وسبق حكمَ الإعدام في قضية اغتيال “وائل طاحون”، حكمٌ آخر صدر في 17 ديسمبر الماضي؛ حيث قضت المحكمة العسكرية بالإسكندرية (شمالي مصر)، بالإعدام شنقا على 14 متهما (10حضوريًّا و4 غيابيًّا)، في القضية 108 عسكرية، وذلك عقب ورود رأي مفتي الجمهورية بشأن إعدامهم.
ونسبت النيابة إلى المتهمين قيامهم، في 23 ديسمبر 2014، بإطلاق النار على العريف “ضيف إبراهيم يونس” (30 سنة)، من قوة قسم شرطة سيدى جابر بالمنتزه، وقتله.
ويبلغ عدد المحالين للمفتي في قضايا ذات طابع سياسي- منذ الإطاحة بالرئيس الأسبق “محمد مرسي” في الثالث من يوليو وحتى الآن- 1,487 شخصا، في 64 قضية، منهم 1,162 شخصا حكم عليهم حضوريا، وذلك وفق الائتلاف المصري لرفض الإعدام (يضم عددا من منظمات المجتمع المدني “غير الحكومية” في مصر).
لهذه الأسباب القضاء أداة انتقام
عدة أسباب دفعت المستشار “أحمد سليمان”، وزير العدل في عهد الرئيس الأسبق “محمد مرسي”، تأكيده أن القضاء أصبح أداة انتقام في يد السلطة القائمة في مصر، متمثلة في الرئيس الحالي “عبد الفتاح السيسي”، الذي قاد الانقلاب على “مرسي”، في الثالث من يوليو 2013.
السبب الأول:
أن السلطة القائمة منذ الإطاحة بالرئيس “مرسي”، أسندت للعديد من أبناء مصر أفعالا لايعاقب عليها القانون، ورغم ذلك تقرر النيابة العامة حبسهم، واستشهد وزير العدل الأسبق، في هذا الأمر، بما حدث مع الطفل الذى ضبطت لديه مسطرة تحمل شعار رابعة!، والآخر الذي ارتدى قميصا عليه عبارة “وطن بلا تعذيب”، والذي أمضى في السجن نحو عامين.
و”معتقل التيشرت”، هو “محمود محمد أحمد”، طالب بالصف الثاني الثانوي، ألقي القبض عليه في 25 يناير 2014، خلال أحداث الذكرى الثالثة للثورة، ومعه صديقه “إسلام طلعت عبد المقصود”، 21 سنة؛ بسبب “تيشرت” ارتداه الاثنان وكتب عليه جملة “وطن بلا تعذيب”!، وذلك أثناء عودتهما إلى منازلهما.
وتم عرض الاثنين على النيابة في اليوم التالي، لتوجه لهما اتهمات بـ”الانتماء إلى جماعة إرهابية، وحيازة مفرقعات و”مولتوف”، والتحريض على أعمال عنف”، وذلك وفقا لما نشرته مؤسسة حرية الفكر والتعبير.
القضية الثالثة التي اسشتهد بها “سليمان”، تقديم متهمين للمحاكمة في قضايا قام الدليل على عدم صحتها، مثل القضية المعروفة إعلاميًّا بـ”سد البلاعات في الإسكندرية”، التي تم تقديم المتهمين (عددهم 33 شخصا) فيها للمحاكمة العسكرية؛ حيث قضت بالسجن المؤبد لـ”12 متهما” ، و15 عاما لـ 21 آخرين.
وذلك رغم إفادة المحافظة أن هذه “البلاعات” سدت نتيجة إلقاء كتل أسمنتية فيها أثنا إنشاء عدد من الأندية على مقربة منها، وأن ذلك منذ نحو عشرين عاما!.
وترجع أحداث القضية إلى أيام ٦ و٩ و١٠ و ١٤ من شهر أكتوبر ٢٠١٥، والتي تزامنت مع غرق الإسكندرية بالكامل بمياه الأمطار، مما أودى بحياة ١٥ مواطنا من أبناء المحافظة.
السبب الثاني:
“التوسع في قرارات الحبس الاحتياطى”، كان هذا السبب الثاني الذي ساقه “سليمان” في بيانه؛ حيث ألمح إلى أن عدة تقارير حكومية (المجلس القومي لحقوق الإنسان)، ومجتمع مدني، رصدت توسع السلطات المصرية في قرارات الحبس الاحتياطي (والمدة القصوى للحبس الاحتياطي في مصر، بحسب المادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية، “سنتان”)، وأنه بات في حد ذاته يمثل عقوبة لا يمكن التعويض عنها.
ووفقًا للمادة 214 من الدستور، يُعتبر المجلس القومي لحقوق الإنسان هو الجهة الرسمية المختصة بمتابعة أوضاع حقوق الإنسان في مصر، وله سلطة إبلاغ السلطات العامة بأي انتهاك يقع ضمن نطاق اختصاصه، هذا ما أشار إليه “عبد الغفار شكر”، نائب رئيس المجلس، الذي أكد أن الحبس الاحتياطي في مصر تحول إلى وضع دائم ومستمر؛ حيث أصبح عقوبة بدلًا من أن يكون إجراءً احترازيًّا لمنع المتهم من الهرب، أو العبث بالأدلة، أو إشاعة الفوضى في المجتمع.
السبب الثالث:
ويستمر وزير العدل الأسبق في الكشف عن أسباب تبني موقف ضد “تسييس القضاء، ليؤكد في السبب الثالث الذي ذكره في البيان، أن السلطة القائمة تعتمد أسلوب تزوير التحريات كأداة للانتقام من كل من ترغب في الانتقام منه.
واستند “سليمان”، في تدعيمه موقفه، بالتسريب الذي أذاعته قناة “مكملين” الفضائية المصرية المعارضة، والتي حصلت عليه من داخل مقر جهاز الأمن الوطني، يكشف فبركة محضر قضية أحداث الاتحادية، لإدانة الرئيس المصري الأسبق “محمد مرسي”.
ووفقا للتسريب الصوتي المذاع، في 3 ديسمبر الماضي، فإن ضابط الأمن الوطني (جهاز أمن الدولة “سابقا”) “عمرو مصطفى”، يروي في مكالمة هاتفية أنه الشاهد الرئيسي في قضية أحداث الاتحادية، قائلا: “حينما حدثت الواقعة في شهر 12 عام 2012، طلب مني تحريات أيام “مرسي”، وعملت محضرين، أحدهما سرد للأحداث أيام “مرسي”، قمت بنقله من التليفزيون، سلمته في شهر 2 عام 2013 أيام حكم “مرسي”، وبعد حكم “مرسي” في شهر 7 طلع لي قرار من النيابة أقول ده كذا وكذا لأ، فعملته (أجريته) في شهر 7، وفي التقرير الجديد هيكون ردي (على التقرير القديم) إن المصادر ما كنتش (لم تكن) متعاونة أيام حكم الإخوان”.
وحول سرده للأحداث في محضر التحريات، أكد ضابط الأمن الوطني أنها من وحي خياله، قائلا: “حقيقي الأحداث كانت من دماغي، كل اللي أنا عمال أعمله هو السيناريو بتاع الفيلم ده، قلت للباشا بعد إذنك لما تيجي تعمل محضر إيه اللي بيحصل في موقف زي ده، مش هيحصل في اجتماع لقيادات مكتب الإرشاد؟، فقال لي: آه (نعم)، فقلت له: ما ده حصل، فقال لي: مفيش دليل، قلت له: الدليل إن ده حصل فده بقى واقع”.
السبب الرابع:
المشكلة الأكبر في الأمر ليس هو عدم تلفيق المحاضر، أو المكايدة السياسية للخصوم فحسب، ولكن أحد أبرز تلك المشاكل تأتي في تشكيل دوائر الإرهاب، التي تمت من قضاة معينين للفصل في قضايا بعينها، والكثير منهم تحوم حوله الشبهات، وكانت لبعضهم تحقيقات مفتوحة تم إغلاقها قبيل تشكيل هذه المحاكم، وذلك وفق بيان وزير العدل الأسبق.
ففي 26 ديسمبر 2013، قررت محكمة استئناف القاهرة، الخميس، تشكيل 6 دوائر من محاكم الجنايات بالقاهرة الكبرى، تختص بنظر القضايا المتعلقة بجرائم الإرهاب.
وتضمن القرار 4 دوائر من محاكم جنايات القاهرة، ودائرتين من محاكم جنايات الجيزة، وأن يكون دور الانعقاد لكل دائرة محكمة من الدوائر المحددة لمدة أسبوعين في الشهر الواحد، بدلا من أسبوع واحد، وذلك بعد استصدار موافقة وزير العدل.
وعن عمل تلك الدوائر، قال “سليمان”، إنها أهدرت الكثير منهم قواعد القانون وضمانات المحاكمات العادلة، كما فعلت دائرة “سعيد يوسف”، برفضها منح المتهين في قضيتي اقتحام مركزي العدوة ومطاي أجلا لرد المحكمة، وعدم سماعه لدفاع المتهمين، ونظر القضيتين اللتين زاد عدد المتهمين في كل منهما على 500 متهم، في سويعات قليلة في جلستين فقط، ثم أحال جميع المتهمين، على اختلاف مواقفهم، للمفتى لاستطلاع رأيه في إعدامهم.
الأمر لم يختلف برأي وزير العدل الأسبق، في القاضى “شيرين فهمى”، الذى قضى بمفرده دون عضوي الدائرة بإعدام المتهمين في قضية “عادل حبارة”؛ حيث أكد أنها مخالفة صارخة تدل على “مدى جبروت القاضي” (بحسب وصفه).
السبب الخامس:
بعيدا عن القضايا السياسية المتعلقة بأنصار الرئيس الأسبق “محمد مرسي”، كان السبب الخامس؛ حيث أشار “سليمان”، إلى
أن الكثير من القضاة بات أكبر همه هو إرضاء السلطة القائمة، سواء لنيل رضاها عنه، أو اتقاء شرها وانتقامها منه، وأصبحت أحكامهم ناطقة بخضوعهم للنظام السياسي.
وبحسب “سليمان”، فإن حكم محكمة الأمور المستعجلة باعتبار كتائب عز الدين القسام، الجناس العسكري لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، جماعة إرهابية، وعدم الفصل في دعوى اعتبار “إسرائيل”، دولة إرهابية، بزعم عدم اختصاصها بنظر الدعوى، واللذين خرجا من نفس المحكمة، يؤكد أنه يحقق أهداف النظام، دون نظر لحكم القانون.
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فقد ألمح “سلميان” في بيانه، إلى وقف تنفيذ حكم القضاء الإدارى ببطلان التوقيع على اتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية، التي تنازلت مصر بموجبها عن جزيرتي “تيران وصنافير” للرياض، رغم عدم اختصاصها بنظر الدعوى بنص القانون والدستور.
اضف تعليقا