كما توقع المراقبون فشل رهان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في التوصل لاتفاق مع زعيم كوريا الشمالية خلال قمة هانوي في فيتنام، من أجل نزع الأسلحة النووية مقابل رفع العقوبات الكاملة عن كوريا الشمالية.
ورغم الإحباط الذي بدا علي ترامب خلال المؤتمر الصحفي الذي عقد صباح اليوم الخميس، بعد تقليص جدول أعمال القمة، إلا أنه أكد أن العلاقات بين البلدين لا تزال قوية وأن المفاوضات ستستمر، موضحا أن الزعيم “كيم” كان مستعدا لنزع الأسلحة النووية مقابل رفع العقوبات بالكامل ولكنه غير مناسب الآن.
وحسب تصريحات ترامب بالمؤتمر الصحفي في ختام القمة التي استمرت يومين، فإنه سيتم التوصل إلى اتفاق مناسب عندما تتوفر الشروط المناسبة وعندها ستقوم واشنطن برفع العقوبات عن بيونغ يانغ.
ولفت الرئيس الأمريكي إلى أن زعيم كوريا الشمالية يريد أن ينزع الأسلحة النووية من منطقتين لا أكثر وهذا غير مقبول بالنسبة للجانب الأمريكي، منوها بأن واشنطن لديها برنامج خاص بشأن تفتيش بعض المواقع في كوريا الشمالية، مشيدا في الوقت ذاته بدور روسيا والصين في المفاوضات مع كوريا الشمالية.
وأكد ترامب على أن العلاقة مع الزعيم كيم جونغ أون لا تزال قوية ويريد الحفاظ عليها، وحسب تعبيره: “أريد تعميق العلاقات والحفاظ عليها … أريد الإبقاء على العلاقة مع كيم مفتوحة وهو وعدني أنه لن يقوم بأي تجارب صاروخية أو نووية جديدة”.
ولفت ترامب إلى أن الاجتماع مع الجانب الكوري الشمالي كان بناءا، “بالنسبة لكوريا الشمالية، افترقنا للتو .. أعتقد أن ذلك مثمرا للغاية … الأجواء كانت ودية للغاية …وأنا على آمل أن يستمر ذلك”.
بومبيو يتهرب
ويري الخبراء أن تصريحات مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكي الذي أدار هذه المفاوضات، كانت أشبه بالتنصل من مسؤولية بلاده في إفشال قمة هانوي، حيث أكد في المؤتمر الصحفي الى أن الزعيم الكوري الشمالي لم يكن مستعدا “للقيام بالأكثر”. وقال بومبيو عقب القمة، “لقد قمنا بخطوة كبيرة نحو ما اتفق عليه الزعيمين في سنغافورة، وحققنا تقدماً حقيقياً، إلا أننا مع الأسف لم نتوصل لشيء يمكن أن يكون ذات معنى للولايات المتحدة، أعتقد بأن الزعيم كيم كان ينتظر منا القيام بذلك، ونحن طلبنا منه القيام بأكثر، لكنه غير مستعد لذلك”.
ماذا قال كيم
وحسب المحللين فإن ردود زعيم كويا الشمالية كيم جون أون، على تساؤلات الصحفيين بعد انتهاء القمة قبل موعدها المحدد، تؤكد أنه رمي الكرة الفشل في الملف الأمريكي، بعد تأكيده بأنه لو لم يكن مستعدا لنزع الأسلحة النووية لما جاء إلى قمة هانوي، وتأكيده علي أنه سوف يبذل “قصارى جهده” من أجل التوصل إلى اتفاق بشأن نزع السلاح النووي لبلاده، وهو ما أشار إليه بقوله: “لقد سرنا جنبا إلى جنب في هانوي.. ونواصل حوارنا الجيد، سأبذل قصارى جهدي اليوم للتوصل إلى نتائج جيدة تكون في نهاية المطاف إيجابية”.
وحسب المتابعين فإن كيم أبدي ترحيبه بقيام الخارجية الأمريكية فتح مكتبا لها في كوريا الشمالية، ووفقا لتعبيره: “أعتقد أنه أمر يستحق الترحيب”.
وهذا الشكل من التمثيل ليس بمستوى سفارة لكنه مرحلة أولى في تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين اللذين كانا في معسكرين متحاربين خلال الحرب الكورية (1950-1953). وقال ترامب من جهته إنها “فكرة جيدة”.
نجاح أم فشل
ووفقا لتحليلات المتابعين فإن الآراء انقسمت حول مدى نجاح أو فشل القمة، حيث يعتبرها البعض حققت نجاحا بعد إبداء الزعيم الكوري الشمالي استعداده لنزع السلاح النووي، وتأكيد ترامب في المقابل أن المباحثات كانت جيدة، ويمكن البناء عليها، وعلي حد تعبيره، فإنه لا داعي للاستعجال في شيء.
وحسب نفس الرأي فإن اجتماع ترامب وكيم لمرتين خلال عدة أشهر، بعد حالة العداء القديمة بين بيونج يانج وواشنطن، تعد إنجازا في حد ذاتها
لماذا الفشل
إلا أنه علي الجانب الآخر فإن البعض يري أن القمة خرجت بلا شيء، وأن كلمات الترحيب الأمريكية ليست كافية، لأن الزعيم الكوري الشمالي، في النهاية لم ينصاع لضغوط الرئيس الأمريكي، الذي كان يعول كثيرا في الخروج بنتائج ملموسة تخفف عنه الضغط الداخلي في عدد من الملفات الهامة، والتي يأتي بمقدمتها التلاعب في نتائج الانتخابات الأمريكية، وأزمة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وفشله في إنهاء التوتر في أزمة بلاده مع المشكلة المكسيكية.
ويري المتابعون أن غياب الثقة في الولايات المتحدة يعد عائقا كبيرا أمام أي تقدم في المفاوضات مع كوريا الشمالية، خاصة وأن قمة سنغافورة في الصيف الماضي حققت نجاحا ظاهريا، عندما اكتفت بوضع إطار عام يتضمن إعلان مبادئ بشأن قضايا السلام والتعاون ونزع السلاح النووي ورفع العقوبات وتطبيع العلاقات، إلا أنها لم تتخذ أي خطوات فعلية لتحقيق هذه المبادئ، وخاصة فيما يتعلق بتعريف معنى “إقامة السلام” أو “التخلص من السلاح النووي”، أنه بالرغم من أن كوريا الشمالية أوقفت تجاربها النووية والصاروخية، إلا أنها تستطيع العودة في أي وقت لهما عند الضرورة.
وحسب خبراء متخصصون في الشأن الكوري الشمالي فإن بيونغ يانغ لن تتخلص من أسلحتها النووية، باعتباره سلاح رادع لا بديل له أمام أي محاولات لتغيير النظام أو لشن حرب على بيونغ يانغ، وأن هدف الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، من مباحثاته مع الإدارة الأمريكية، إنما من أجل منح بلاده اعترافا وقبولا دوليا بأنها قوة نووية مثلما حدث مع دول أخرى كباكستان والهند على سبيل المثال.
دروس للعرب
ويري محللون أن ما جري في هانوي له جوانب أخري بعيدة عن الخلاف الأمريكي الكوري الشمالي، حيث استطاع الطرفان أولا الجلوس علي مائدة واحدة بعد تصعيد استمر لسنوات، كما استطاع الزعيم الكوري أن يفرض علي الرئيس الأمريكي احترامه وتقديره وطلب وده، على عكس تعامله مع حكام الخليج.
ويرى أصحاب هذا الرأي أن جدية النظام الكوري وسعيه لامتلاك أدوات الردع، فرضت على الرئيس الأمريكي احترامهم، خاصة وأن أدب ولياقة “ترامب” في تعامله مع كوريا الشمالية أو الصين وباقي البلدان الآسيوية، ليست نتاج لاحترامه وتبجيله لثقافة هؤلاء الزعماء، في ظل أن الزعماء والقادة العرب تمتلك شعوبهم نفس القيم والأعراف، غير أن المقارنة بينهم و بين زعماء آسيا غير جائزة، فالزعماء العرب باعوا أوطانهم وخانوا دينهم، وتنازلوا على عرضهم، بخلاف الزعيم الكوري الذي سعى منذ وصوله للسلطة على تسريع وثيرة التجارب العسكرية، ونجح في وقت قياسي في تحقيق الحماية لشعبه، ودخل في المفاوضات من موقع قوة، فالزعيم الكوري الشمالي يملك من مقومات القوة الصلبة ما يجعله يجبر الولايات المتحدة على دفع ضريبة الدم في عقر دارها، ولذلك، تم التعامل معه بأدب ودبلوماسية.
اضف تعليقا