قامت وزيرة الخارجية السودانية، مريم الصادق المهدي، بزيارة إلى العاصمة الروسية موسكو، في 11 يوليو/تموز الجاري، ودامت ثلاثة أيام. وخلال الزيارة، أدلت المهدي بتصريحات كان من شأنها إعادة الجدل حول قضية القاعدة الروسية بالسودان. حيث صرحت الوزيرة أن بلادها تدرس اتفاقية إنشاء المركز اللوجيستي الروسي على ساحل البحر الأحمر، وقالت إن موضوع المركز “جزء من اتفاق وقعته الحكومة السابقة، ولكن لم تتم المصادقة عليه بعد من قبل المجلس التشريعي (البرلمان)”.

ومنذ فترة، صرح الفريق أول ركن، محمد عثمان الحسين، رئيس أركان الجيش السوداني، أن السودان بصدد مراجعة الاتفاقية العسكرية مع روسيا بما فيها القاعدة العسكرية على البحر الأحمر. وأضاف الحسين: “إن الجيش السوداني إبان العقوبات الأمريكية اتجه لروسيا وارتبطت مصالحه العسكرية بموسكو خلال الأعوام الماضية”، مضيفًا أن الجيش السوداني أجرى ويجري مباحثات بشأن الاتفاقية العسكرية.

وكشف رئيس أركان الجيش السوداني حينها أن آخر تلك المباحثات كانت في 20 مايو/أيار الماضي، مع نائب وزير الدفاع الروسي، ألكسندر فومين، خلال زيارته للخرطوم. وأكد المسؤول السوداني أن “الاتفاقية مع روسيا بها بعض البنود المضرة بالبلاد” وأنها “لم تعرض على المجلس التشريعي ولم تتم إجازتها”.

حجة سودانية للتملص من الاتفاق

ومسألة عرض الاتفاقية على المجلس التشريعي لتقريرها هي بمثابة حجة لجأت إليها الخرطوم للتملص من الضغوط الروسية بشأن البدء في تنفيذ الاتفاق. وفيما يبدو، فإن غضب دول أخرى على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية من إنشاء قاعدة روسية على البحر الأحمر هو سبب تراجع الحكومة السودانية عن مسألة السماح بإنشاء القاعدة. حيث من الواضح تحسن العلاقات بين السودان والولايات المتحدة بعد الإطاحة بالرئيس السابق، عمر البشير، في عام 2019.

فقد أعلنت الولايات المتحدة، في أواخر عام 2020، رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ما أنهى تصنيفًا استمر منذ 1993 وشكّل ضغطًا على الاقتصاد السوداني وأدى لكبح المساعدات المالي. وقال حينها وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، إن “هذا الإنجاز تحقق عبر جهود حكومة السودان الانتقالية التي يقودها مدنيون لرسم مسار جديد جريء بعيدًا عن إرث نظام البشير، وبالأخص، لتلبية المعايير القانونية والسياسية” لرفع اسم الخرطوم من القائمة.

وما يؤكد أن عرض الاتفاقية على المجلس التشريعي هي طريقة للتهرب من الالتزام بالاتفاقية هو أن تشكيل المجلس التشريعي السوداني لا زال في “رحم الغيب”، وتأخر تشكيله رغم مرور أشهر على توقيع وثيقة دستورية لحكم البلاد بين المجلس العسكري المنحل، وقوى إعلان الحرية والتغيير، في 17 أغسطس/آب 2019، عقب الإطاحة بالرئيس عمر البشير، في 11 أبريل/نيسان من نفس العام.

تعديل للاتفاقية وليس إلغاؤها 

لكن رغم هذا التأخر السوداني، فإن هناك عدة تصريحات لقادة سودانيين يؤكدون فيها على أن فكرة المشروع لم تلغ تمامًا. ففي 9 يونيو /حزيران الماضي، نفى رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، عبد الفتاح البرهان، إقدام الخرطوم على إلغاء فكرة إنشاء قاعدة بحرية روسية في البحر الأحمر. 

وقال البرهان، حينها، إنه يجري التفاهم على كيفية صياغة هذا الاتفاق (حول القاعدة الروسية)، في كيفية اعتماده بواسطة الجهات المسؤولة، كالمجلس التشريعي والسلطات الأخرى المشاركة في الفترة الانتقالية.

ووفق مراقبين، فإن حديث مريم الصادق المهدي حول أن بلادها تدرس اتفاقية إنشاء المركز اللوجيستي الروسي على ساحل البحر الأحمر، يعني أن السودان ترك الباب مواربًا مع روسيا بشأن القاعدة الروسية.

كلمة السر: سد النهضة

ويرى البعض أن هدف زيارة المهدي إلى روسيا واضح، وأنه يأتي ضمن التنسيق السوداني – المصري بشأن أزمة سد النهضة؛ بعد أظهرت روسيا، خلال كلمة مندوبها في مجلس الأمن، موقفًا غير مفهوم تجاه كل من السودان ومصر.

ففي كلمته، قال مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، في اجتماع لمجلس الأمن الدولي، إن بلاده تشعر بالقلق من تنامي الخطاب التهديدي في أزمة سد النهضة، وأضاف أن “روسيا تدرك أهمية سد النهضة بالنسبة لإثيوبيا ولكنها في نفس الوقت تتفهم موقف السودان ومصر من ملء وتشغيل السد”. 

وتابع قائلًا: “نأمل أن تتمكن مصر والسودان وإثيوبيا من حل الأزمة،  ونثمن دور الاتحاد الأفريقي للتوصل لحل بين الأطراف الثلاثة”. وكذلك، وقعت روسيا اتفاقًا للتعاون التقني العسكري مع إثيوبيا، بهدف تحديث قدرة الجيش بالمعرفة والمهارات والتكنولوجيا، حسب وسائل إعلام إثيوبية وروسية.

كما قالت وزيرة الدفاع الإثيوبية مارتا لويجي، إن موسكو تؤيد بلادها في ملفي الانتخابات والسد، وقدمت دعمًا لعمليات الجيش الإثيوبي في إقليم تيجراي، الذي يشهد صراعًا مسلحًا منذ أشهر، وسط انتقادات أممية وأمريكية لأديس أبابا. وكذلك، وصف نائب مدير التعاون العسكري الروسي، بونتشوك أناتولي، علاقات موسكو وأديس أبابا بأنها “طويلة الأمد”.

وفي ظل هذا الدعم الروسي لأثيوبيا، فمن الواضح أن القواعد الروسية في البحر الأحمر والبحر المتوسط لها علاقة بموقف روسيا في أزمة سد النهضة؛ خاصة أن السودان قد أعاد الروس، بعد أن منحهم في السابق الضوء الأخضر لإنشاء مركز عسكري لوجستي، وهو ما يرتبط مع القاعدة الروسية التي كانت موسكو تريدها في ليبيا. لكن رفض مصر لتلك الخطوة جعل روسيا تميل إلى إثيوبيا في سد النهضة.

وعلى هذا، ربما نشهد صفقة في هذا الاتجاه بين السودان ومصر وإثيوبيا، مقابل المركز العسكري اللوجستي الروسي في السودان على البحر الأحمر، والوجود العسكري الروسي في منطقة من أهم مناطق العالم. لكن الأمر ليس مؤكدًا بطبيعة الحال بسبب أن دوافع الحكومة الإثيوبية لإنشاء السد، ليست متعلقة بالدعم الروسي فقط. بل إن هناك عوامل متعددة داخلية وخارجية تدفع الحكومة الإثيوبية للتعنت في مسألة السد.