في خطوة مفاجئة، كشفت صحيفة نيويورك تايمز عن توقعات مستشاري الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب باختفاء فكرة فرض ملكية على قطاع غزة، بعد أن أدركت الإدارة الأميركية أنها غير قابلة للتطبيق على أرض الواقع. 

هذا التراجع يكشف مجددًا عن مدى تخبط إدارة ترامب في التعامل مع الملف الفلسطيني، حيث يتم طرح حلول غير مدروسة سرعان ما يتم التراجع عنها، في ظل غياب أي رؤية استراتيجية واضحة.

ووفقًا لمصادر مطلعة، فإن اقتراح ترامب بشأن غزة أثار صدمة حتى داخل أروقة الإدارة الأميركية، حيث لم يتم إجراء أي تخطيط حقيقي لدراسة جدوى هذا المخطط، مما يدل على أنه جاء في سياق استعراض سياسي أكثر منه خطة حقيقية قابلة للتنفيذ. السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل، دان شابيرو، أكد أن هذا المقترح ليس جادًا، وأن مجرد طرحه قد يؤدي إلى المزيد من التطرف بدلاً من تهدئة الأوضاع.

يأتي هذا بينما أعلن ترامب، خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن، أن الولايات المتحدة تخطط للسيطرة على غزة وإعادة توطين الفلسطينيين في أماكن أخرى، وهو تصريح يعكس استمرار النهج الأميركي في تبني سياسات تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، بدلًا من البحث عن حلول عادلة ومستدامة.

مخطط التهجير.. تكرار لفشل مشاريع التصفية السابقة

الحديث عن تهجير الفلسطينيين من غزة ليس جديدًا، بل يأتي ضمن سلسلة من المخططات الصهيونية التي تهدف إلى تفريغ الأرض الفلسطينية من سكانها، سواء من خلال الحصار والتجويع أو عبر الاقتراحات السياسية التي تهدف إلى إعادة توطين الفلسطينيين في مناطق أخرى. ورغم أن ترامب قدّم هذا المخطط كفكرة “خارج الصندوق”، فإن الواقع يشير إلى أن كل المحاولات السابقة لتهجير الفلسطينيين قوبلت برفض واسع، سواء على المستوى الشعبي أو الإقليمي والدولي.

الموقف الدولي من مقترح ترامب جاء حاسمًا، إذ أعربت الأمم المتحدة، وجامعة الدول العربية، وعدد من الدول، بما في ذلك مصر والأردن والسعودية وتركيا والصين وفرنسا وبريطانيا وروسيا، عن رفضها القاطع لهذه الخطة. ويرى مراقبون أن هذا المقترح يعيد إلى الأذهان مشاريع التوطين الفاشلة التي طُرحت سابقًا، مثل توطين الفلسطينيين في سيناء أو الأردن أو حتى مناطق في الخليج، وهي أفكار لطالما كانت مصيرها الفشل أمام صمود الفلسطينيين وتمسكهم بأرضهم.

ما وراء الطرح الأميركي

تصريحات نتنياهو الأخيرة حول إمكانية إقامة دولة فلسطينية في السعودية تأتي في نفس الإطار الذي يحاول ترامب الترويج له، وهو دفع الفلسطينيين خارج أراضيهم التاريخية، سواء عبر التهجير القسري أو عبر التطبيع الذي يتجاهل حقوقهم. ويبدو أن الإدارة الأميركية تراهن على استخدام السعودية كشريك في هذا المخطط، خاصة في ظل الضغوط التي تمارسها واشنطن على الرياض للانخراط في صفقة تطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.

لكن في المقابل، فإن الموقف السعودي الرسمي لا يزال يعلن تمسكه بإقامة دولة فلسطينية كشرط للتطبيع، وإن كان هناك مخاوف من أن يكون هذا مجرد موقف استهلاكي للاستهلاك الإعلامي، بينما يجري العمل خلف الكواليس لترتيب صفقة كبرى بين السعودية وإسرائيل برعاية أميركية. تصريحات نتنياهو بأن “السعوديين لديهم ما يكفي من الأراضي لإقامة دولة فلسطينية” تكشف عن النوايا الحقيقية وراء مخطط التهجير، حيث لا ترى إسرائيل في الفلسطينيين سوى عبئًا يجب التخلص منه بأي وسيلة.

فشل محتوم لمخططات التصفية

كل المؤشرات تؤكد أن المخطط الأميركي الأخير لن يكون مصيره مختلفًا عن المحاولات السابقة، حيث أن الشعب الفلسطيني أثبت عبر العقود الماضية أنه لن يفرّط بأرضه تحت أي ظرف. 

ورغم الضغوط الاقتصادية والعسكرية والسياسية، لا تزال المقاومة الفلسطينية حجر العثرة الأكبر أمام هذه المشاريع التصفوية، سواء في غزة أو الضفة الغربية.

كما أن التحولات السياسية العالمية، بما في ذلك تصاعد التأييد للقضية الفلسطينية في العديد من الدول الغربية، وتزايد الانتقادات الدولية للسياسات الإسرائيلية، قد تجعل من الصعب تمرير مثل هذه المخططات.

ومع استمرار الاحتلال في عدوانه على غزة، فإن أي محاولة لفرض حلول غير عادلة ستقود فقط إلى مزيد من التصعيد، وليس إلى إنهاء الصراع كما يتوهم ترامب ونتنياهو.

بالمحصلة، مخطط السيطرة على غزة وإعادة توطين الفلسطينيين ليس سوى نسخة جديدة من مشاريع تصفية القضية الفلسطينية التي فشلت سابقًا، ومن الواضح أنها ستفشل مجددًا. فالشعب الفلسطيني لم يتخلَّ عن أرضه رغم النكبات والمجازر، ولن يكون تهديد ترامب ونتنياهو كافيًا لإجباره على مغادرة وطنه.