العدسة – منذر العلي

ربما لم يكن الحديث عن مواجهة عسكرية مباشرة محتملة بين السعودية وإيران على أشده، مثلما هو الوضع حاليًا، على خلفية التهديدات المتبادلة والمشتعلة بسبب متغيرين في خضم الأحداث.

المتغير الأول شكله الصاروخ الباليستي الذي أطلقه الحوثيون في اليمن على مطار الملك خالد وسط العاصمة السعودية الرياض، التي أكدت وقوف إيران وراء إطلاق الصاروخ.

التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن قال إن “ضلوع طهران بتزويد الحوثيين بالصواريخ الباليستية التي استهدفت الرياض عدوان عسكري سافر ومباشر من قبل النظام الإيراني، قد يرقى لاعتباره عملًا من أعمال الحرب ضد المملكة”.

الصاروخ المتفجر “بالرياض”

التهديد كان أكثر صراحة في بيان لقيادة قوات التحالف، قال إن السعودية “تحتفظ بحقها في الرد على إيران في الوقت والشكل المناسبين الذي يكفله القانون الدولي ويتماشى معه، واستنادًا إلى حقها الأصيل في الدفاع عن أراضيها وشعبها ومصالحها”.

أما المتغير الثاني كان في الاستقالة التي أعلنها رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، وتراجع عنها لاحقًا، واتهمت على إثرها السعودية حزب الله بخطف لبنان، وأكدت ضرورة نزع سلاح الحزب.

في المقابل كان التحدي الإيراني حاضرًا بقوة، ولعل أحدث تجلياته ما ورد على لسان القائد العام للحرس الثوري الإيراني اللواء “محمد علي جعفري” بقوله: إن الدعم الإيراني للحوثيين في اليمن “استشاري ومعنوي”، وأن “نزع سلاح جماعة حزب الله اللبنانية غير قابل للتفاوض”.

قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء “محمد علي جعفري”

تاريخيًّا وواقعيًّا، فإن المواجهة السياسية بل والعسكرية غير المباشرة بين إيران والسعودية تجري في المنطقة منذ عدة عقود، لكن الأحداث اشتعلت والتهديدات زادت حدتها منذ إعدام السلطات السعودية في يناير 2016، رجل الدين الشيعي “نمر باقر النمر” ثم اقتحام السفارة السعودية بطهران في اليوم التالي والذي تبعه قطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية بين الطرفين.

وعلى الرغم من ارتفاع نغمة التهديد المتبادل، إلا أن البلدين يبديان حرصًا على أن تكون المواجهات العسكرية بينهما عبر وسيط أو بالوكالة وليست على أراضي كل منهما.

وليس أدل على ذلك من الحرب الدائرة في اليمن، وكذلك الوضع في سوريا قبل عدة أشهر، ومؤخرًا الحديث عن لبنان كساحة خلفية أخرى لهذا الصراع المحتدم بين القوتين الكبيرتين في الشرق الأوسط.

ويبقى التساؤل: لماذا لم يتحول الصراع إلى مواجهة عسكرية مباشرة بين البلدين؟

حرب استنزاف فقط

على الرغم من رائحة الحرب التي تفوح من التهديدات المتبادلة، فإن كلا من السعودية وإيران تدركان جيدًا أن اندلاع حرب شاملة بينهما سيؤدي إلى مواجهة عسكرية طويلة الأمد ستقضي على الاستقرار الداخلي النسبي، الذي تتمتع به الدولتان، وستسفر في نهاية المطاف عن تداعيات كارثية لكلا الطرفين بل وللمنطقة برمتها.

هذا الإدراك عبرت عنه تصريحات متبادلة أيضًا في أعقاب قطع العلاقات الدبلوماسية يناير 2016، على النقيض تمامًا من التصريحات الأخيرة.

ففي 7 يناير 2016، أكد  ولي العهد السعودي حينها محمد بن سلمان أن بلاده لن تسمح باندلاع حرب بينها وبين إيران، وقال: “هذا أمر لا نتوقعه على الإطلاق، وكل من يدفع باتجاه هذا هو شخص ليس في كامل قواه العقلية، لأن الحرب بين المملكة العربية السعودية وإيران هي بداية لكارثة كبرى في المنطقة، وهو ما سينعكس بقوة على بقية العالم.. بالتأكيد لن نسمح بأي شيء من هذا القبيل”.

Image result for ‫محمد بن سلمان‬‎

” محمد بن سلمان “

بعدها بيومين أعربت طهران عن موقفها إزاء هذه القضية على لسان وزير خارجيتها، الذي أعلن أن بلاده “لا تريد تأجيج التوترات مع السعودية وسائر جيرانها الخليجيين”.

ولعل هذا الموقف الثنائي الذي تزامن مع أسوأ فترات العلاقات بين البلدين، يعزز من احتمالية أن تكون التهديدات المتبادلة الأخيرة، مجرد جزء من الحرب الكلامية فقط.

الحروب المندلعة بالوكالة بين البلدين في دول أخرى بالمنطقة، كما أسلفنا، هي وسيلة كلا البلدين لكي تستنزف كل منهما الأخرى دون اللجوء لضربات داخل أراضيهما.

ميزان القوة العسكرية

ورغم أن ميزان القوة العسكرية بين البلدين متعادل إلى حد كبير، ويضمن أن تنأى كل بلد عن مهاجمة الأخرى، إلا أن ثمة بعدًا يصب في صالح السعودية، ويتمثل في القواعد العسكرية الأمريكية بالخليج.

وإذا استثنينا قطر بسبب الأزمة الخليجية، والكويت لوساطتها، وسلطن عمان التي تربطها علاقات قوية بإيران، تبقى القواعد المتواجدة على أراضي السعودية والإمارات والبحرين، شبحًا تخشى إيران مواجهته، خاصة أنها تعاني من توتر شديد في العلاقات مع أمريكا بسبب أزمة الاتفاق النووي.

ولا يمكن بأي حال من الأحوال الحديث عن مواجهات مسلحة مرتقبة في الخليج، أيًّا كانت أطرافها، دون الأخذ في الاعتبار القواعد العسكرية الأمريكية المتواجدة في دول الخليج.

السعودية

كان يوجد على أرض المملكة السعودية أحد مراكز قيادة القوات الجوية الأمريكية الإقليمية المهمة، داخل قاعدة الأمير سلطان الجوية بالرياض، وبواقع 5 آلاف جندي تابعين للجيش وسلاح الجو الأمريكي، وأكثر من 80 مقاتلة أمريكية.

وقد استخدمت هذه القاعدة في إدارة الطلعات الجوية لمراقبة حظر الطيران الذي كان مفروضًا على شمال العراق وجنوبه أثناء فترة العقوبات الدولية، كما كانت تعمل مركزا للتنسيق بين عمليات جمع المعلومات والاستطلاع والاستخبارات الأمريكية في المنطقة.

لكن ومنذ أواسط عام 2003 تقريبا، انتقل حوالي 4500 جندي أمريكي إلى دولة قطر المجاورة، وبقي بالسعودية حوالي 500 جندي أمريكي فقط ظلوا متمركزين فيما يعرف بـ”قرية الإسكان”، وأنهت أمريكا وجودها العسكري في قاعدة الأمير سلطان الجوية بالرياض.

البحرين

يوجد في المنامة قاعدة أمريكية بحرية وهي موطن للقيادة المركزية للقوات البحرية والأسطول الخامس الأمريكي، الذي يخدم فيه 4200 جندي أمريكي، ويضم حاملة طائرات أمريكية وعددا من الغواصات الهجومية والمدمرات البحرية وأكثر من 70 مقاتلة، إضافة لقاذفات القنابل والمقاتلات التكتيكية وطائرات التزود بالوقود المتمركزة بقاعدة الشيخ عيسى الجوية.

Image result for ‫قاعدة الشيخ عيسي‬‎

” قاعدة الشيخ عيسى “

الإمارات

ﻗﺎﻋدة اﻟظﻔرة اﻟﺠوﻴﺔ: ﺘﻀم اﻟﻔرﻗﺔ اﻟﺠوﻴﺔ اﻷﻤرﻴﻛﻴﺔ رﻗم 380، ويوﺠد ﻋﻠﻰ أراﻀﻴﻬﺎ ﻤﻨﺼﺎت إﻨطﻼق طﺎﺌرات اﺴﺘطﻼع ﻴو-22، وطﺎﺌرات إﻋﺎدة اﻟﺘزود ﺒﺎﻟوﻗود، وحسب بعض التقديرات تصل القوات الأمريكية في قاعدة الظفرة الجوية إلى 5000 فرد من القوات الأمريكية، كما يوجد في ميناء “جبل علي” سفينة حربية كبيرة، وتنتشر في قاعدة الظفرة طائرات أمريكية من نوع جلوبال هوك وطائرات الأواكس.

بالإضافة إلى أن مينائي زايد و رشيد مستعدان لاﺴﺘﻘﺒﺎﻝ اﻟﺴﻔن اﻷمريكية على أرصفتهما، وتكتسب قاعدة الظفرة الجوية أهميتها من كونها مواجهة لإيران.