أحمد حسين
بقدر ما شكلت دعوة عبدالفتاح السيسي اليهود للعودة إلى مصر من مغازلة غير مسبوقة، بقدر ما جاءت انعكاسا لجذور راسخة في عقيدة الرجل حتى من قبل أن يطيح بالرئيس المنتخب محمد مرسي.
ولا يمكن الفصل، كما يردد البعض، بين اليهود في دعوة السيسي من جانب، وتملقه للاحتلال الإسرائيلي ورغبته في نيل رضا أمريكا والغرب عموما من جهة أخرى.
ربما لا يقتصر الأمر على علاقات وثيقة تزداد متانة يوما تلو الآخر، بل يسبقه إلى حوادث أخرى، فلماذا لا تعد تلك الدعوة مستغربة رغم فجاجتها؟.
أهلا باليهود!
صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية كشفت أن السيسي أبلغ وفدا أمريكيا، أن اليهود إن كانوا يرغبون بتأسيس طائفة في مصر فإن الحكومة ستبني لهم معابد ومؤسسات مجتمعية.
وبحسب الصحيفة فإن اللقاء الذي استمر ساعتين الأسبوع الماضي في القاهرة جمع بين السيسي ووفد من أعضاء اللجنة الأمريكية التي دعمت منح الرئيس المصري الراحل أنور السادات ميدالية الكونجرس الذهبية.
وترأس المجموعة، مؤسس اللجنة عزرا فريدلاندر، وهو مستشار أرثوذكسي متشدد من نيويورك قاد جهودا لإعطاء الجائزة للسادات.
وقال فريدلاند: “تحدث الرئيس السيسي باعتزاز ليس فقط عن الطائفة اليهودية النابضة بالحياة التي كانت موجودة بمصر سابقا، بل قال أيضا إنه في حال عودة الطائفة اليهودية إلى مصر، ستقدم الحكومة كل الضرورات الدينية المطلوبة، كان هذا قبولا حارا للغاية”.
(السيسي خلال لقائه باللجنة الأمريكية ويظهر مصافحا فريدلاندر)
وأضاف: “السيسي قال بشكل أساسي إنه في حالة عودة المجتمع اليهودي من جديد، ستقوم الحكومة ببناء المعابد وغيرها من الخدمات ذات الصلة”.
إلى ذلك، أفاد مؤسس اللجنة بأن السيسي وعد كذلك بإجراء عملية تنظيف وتنظيم لمقابر البساتين القديمة في القاهرة، وهي مقبرة يعود تاريخها إلى القرن التاسع ويُعتقد أنها ثاني أقدم مقبرة يهودية في العالم.
وقالت الصحيفة إن جذور الطائفة اليهودية في مصر تعود إلى العصور القديمة، وقبل عام 1948، مضيفة أن قرابة 75 ألف يهودي كانوا في البلاد، مشيرة إلى أن السيسي أعلن في ديسمبر الماضي، مشروعا بنحو 71 مليون دولار لترميم مواقع التراث اليهودي في البلاد.
للحكاية جذور
ولعل محاولة البحث عن تفسير منطقي لتلك العلاقة الوطيدة بين السيسي والاحتلال الإسرائيلي، تسبق كثيرا محطة اعتلائه عرش مصر رئيسا في 2014 أو حتى الإطاحة بمرسي قبلها بنحو عام، بل تعود حقيقة إلى قبل ذلك بكثير.
فمن واقع السيرة الذاتية للسيسي فهو من خريجي الكلية الحربية عام 1977، أي بعد 4 سنوات من حرب أكتوبر، وقبل عامين من توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل المعروفة باسم “كامب ديفيد”.
وعليه، فإن الرجل لم يحارب الاحتلال في أي مواجهة عسكرية قط، على عكس الرئيس الأسبق حسني مبارك خريج عام 1949 والمشارك في حروب 1956، و1967، وقاد سلاح الطيران في حرب أكتوبر 1973.
- (إسرائيل ليست العدو.. عقيدة تربى عليها السيسي)
فبينما شكل تاريخ مبارك العسكري حائط صد قوي أمام أي “تطبيع علني” أو لقاء مباشر له أو لأحد مسؤولي نظامه مع قادة الاحتلال، خلا تاريخ السيسي العسكري من أي موانع تحول دون هذه العلاقة المعلنة التي لا يستحي منها كما كان مبارك.
“جيل كامب ديفيد”.. هكذا يطلق على القادة العسكريين الذين لم يعاصروا فترة الحروب مع إسرائيل، وتحديدا الذين ظهروا على الساحة بعد توقيع معاهدة السلام، ولعل السبب يرجع إلى العقيدة العسكرية التي سرت في الجيش المصري منذ هذا التاريخ.
فبعد أن كان الاحتلال عدوا أصبح دولة معترف بها وتقيم معها مصر علاقات دبوماسية وتجمعهما معاهدة سلام، وتحول العداء شيئا فشيئا إلى جماعات الإسلام السياسي والتنظيمات المسلحة.
على هذه العقيدة نشأ السيسي وارتقى في رتبه العسكرية حتى وصل إلى منصب وزير الدفاع في 2012 ورتبة المشير في 2014، ولهذا لم يكن لديه منذ بداياته أية أزمة في التواصل والتنسيق مع الاحتلال وقادته ومع اليهود بشكل عام.
رضا الغرب
بالعودة إلى تصريحات رئيس اللجنة الأمريكية سالفة الذكر، فقد نقل عن السيسي قوله إنه إذا لم يحصل على دعم أمريكي، فإن جماعة “الإخوان المسلمين” يمكن أن تستعيد السلطة في البلاد، حيث استطرد فريدلاندر قائلا: “من الواضح أنه يبحث عن الدعم في الولايات المتحدة، وأعتقد أنه من واجبنا الأخلاقي دعمه إلى أقصى حد ممكن”.
هذه النقطة تحديدا، وجهت الأنظار إلى ما يبدو أنه أصبح نهجا للسيسي لنيل رضا ودعم أمريكا والغرب عبر “الجار” الإسرائيلي، الذي يسيطر فعليا على حكومات غربية قوية.
حديثه هذا سبقه مطالبات عديدة خلال الأعوام الماضية من الإسرائيليين ورجال الأعمال اليهود في أمريكا على وجه الخصوص، بضرورة الضغط على الإدارة الأمريكية لمواصلة دعمه، تحت فزاعة عودة الإسلاميين للحكم.
فريدلاندر دعا أيضا في تصريحاته إلى “احتضان السيسي في الغرب” خاصة من قبل الإدارة الأمريكية وكل أعضاء الكونغرس باعتباره حليفا إستراتيجيا مضيفا “أعتقد أن دور اليهود الأمريكيين هو التحالف علانية مع السيسي”.
وفي تصريحات لقناة مكان الإسرائيلية، قال رئيس الوفد الأمريكي اليهودي إن الوفد وعد بجمع الأموال اللازمة لترميم المقابر اليهودية في مصر، لكن السيسي رفض قائلا إن الحكومة المصرية هي التي ستتحمل التكلفة لأنها من مسؤوليتها.
تودد السيسي للوفد الأمريكي اليهودي يأتي استمرارا لتصريحاته الداعمة لإسرائيل، والتي كان أشهرها حديثه عن ضرورة إرساء ما وصفه بالسلام الدافئ مع إسرائيل، وتأكيده المتكرر على منع الهجمات المسلحة ضد إسرائيل انطلاقا من سيناء، ودعمه لما يعرف إعلاميا بصفقة القرن.
ولعل سياسة السيسي في استغلال إسرائيل للحصول على الدعم الغربي خاصة الأمريكي ظهرت منذ اليوم الأول لتوليه الرئاسة عام 2014، وهو ما كشفه الإعلامي المقرب من الأجهزة الأمنية توفيق عكاشة.
وقال عكاشة -في تصريحات تلفزيونية لم يتم نفيها رسميا حتى الآن- إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بطلب من السيسي، هو الذي ضغط على واشنطن للاعتراف بشرعية السيسي، وإن ما حدث في مصر ليس انقلابا، كما أنه رتب اللقاء الأول للسيسي مع الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما على هامش اجتماعات الأمم المتحدة عام 2014.
الدعوة إلى صمت الغرب عن انتهاكات حقوق الإنسان في مصر كانت حاضرة بقوة، حيث أكد فريدلاندر أن الوفد لم يثر مخاوف بشأن الانتهاكات، مبررا ذلك بقوله “لا أحد سيقنعني بأن أولئك الذين ينادون بحقوق الإنسان في مصر يقدمون للعالم خدمة”.
اضف تعليقا