العدسة: محمد العربي

تفاءل المصريون كثيرا بإعلان إثيوبيا عدم انتهاء أعمال سد النهضة قبل أربع سنوات، ما يعني ترحيل أزمة مياه النيل المتعلقة بالملو والتخزين لأربعة أعوام أخرى، واعتبر المتابعون أن الخبر الذي أعلنه كفلي هورو مدير مشروع سد النهضة، كان بمثابة طوق النجاة لنظام السيسي الذي فشل في كل محاولات تعديل الاتفاقات الخاصة بالسد.

إلا أنه على الجانب الآخر، فإن وزارة الري والموارد المائية المصرية، أعاد الصدمة للمصريين مرة أخري باعلانها ان مصر وصلت لمرحلة متأخرة جدا فيما يتعلق بالشح والفقر المائي، ووصلت نسبة الإجهاد المائي لمصر طبقا للتصنفيات الدولية 140%، وهو ما جعل العديد من التساؤلات تقفز لسطح الأحداث حول مشكلة المياه في مصر، وهل هي متعلقة بسد النهضة أم أن الأمور تجاوزت إثيوبيا لمحطات أخرى.

البداية تفاؤل:

وقد رصد المتابعون حدوث حالة من التفاؤل بين المسئولين المصريين بعد تصريحات كفلي هورو مدير مشروع سد النهضة والتي أكد فيها أن المشروع سيحتاج إلى 4 سنوات أخرى لإكمال البناء، مرجعا هذا التأخير بسبب التغيير في التصميم، ما أدى لزيادة سعة توليده وتأخير الأعمال الكهروميكانيكية.

ويشير المتابعون ان تصريحات مدير مشروع السد، لم تمنع تأكيدات المسئولين الإثيوبيين بأن أعمال البناء جارية ولن تتوقف، حتي لو استمرت لعدة سنوات، كما أكد رئيس الوزراء آبي أحمد في أكثر من مناسبة والتي كان آخرها أثناء لقاءه برئيس الوزراء المصري خلال اجتماعات اللجنة المشتركة بين البلدين التي عقدت مؤخرا في أديس أبابا.

صدمة رسمية:

ويرى المراقبون أن فرحة المصريين لم تستمر كثيرا بعد إعلان وزارة الري المصرية أمس الثلاثاء، أن مصر وصلت إلى 140 % على مؤشر الإجهاد المائى، وحسب تصريحات صحفية للدكتورة إيمان سيد أحمد رئيس قطاع التخطيط بالوزارة الموارد المائية والرى، فإن تقييم المؤشر المائى بـ 100 فيما فوق توضح أن الدولة تعانى من الإجهاد المائى ولديها شح مائى، وتبذل قصارى جهدها فى توفير احتياجاتها المائية، وأن هناك 40% زائدة لمصر على هذا المؤشر.

ويرى المختصون أن الإجهاد المائى يعد مؤشرا من مؤشرات متابعة التنمية المستدامة، وهو خاص بتحديد كيفية ادارة كل دولة لمواردها ليس فقط معرفة كمية المياه لكن كيفية ادارتها، ففى حالة اعادة استخدام المياه يزيد الإجهاد نتيجة أن كمية المياه المحدودة ويتم تدويرها أكثر من مرة.

وحسب المتابعون فإن تصريحات المسئولة المصرية لم تكن جديدة، حيث سبق لوزير الري المصري محمد عبد العاطي التأكيد أكثر من مرة أن مصر تقع حاليا فى نطاق حالة الندرة المائية طبقا لمؤشر الندرة والذى يتم حسابه من خلال قسمة إجمالى الموارد المائية المتجددة على إجمالى عدد السكان، حيث يبلغ نصيب الفرد من الموارد المائية المتجددة حوالى 600 متر مكعب.

ووفقا للوزير المصري فإن التقييم يتم من خلال مؤشرات يتم قياسها أو حسابها لتعكس مدى تأثيرات هذه التغيرات على الوضع الأصلى، وكذلك مقارنتها بالمستهدفات التى نتطلع إليها ومن خلال تجميع المعلومات والبيانات تتراكم الخبرة ويتم تعديل السياسات والإجراءات لتحسين الخطط المستقبلية، ولكى تكون المؤشرات معبرة ويمكن الاعتماد عليها فإنه يتم حسابها بدقة من خلال اتباع اُسلوب متعارف عليه أو من خلال معايير موضوعية واضحة وبيانات موثوق بها لتعطى دلالات معينة لمتخذى القرار والفنيين للتأكد من تحقيق الأهداف المرجوة وتقييم السياسات والإجراءات المتبعة، كما تساعد المؤشرات فى الإنذار والتحذير من بعض المخاطر مستقبلا ودائما ما يتم حساب المؤشرات دوريا وتحديثها باستمرار.

كما أشار الوزير في مناسبات أخرى أن التنبؤات السكانية لعام 2025 يتضح معها أن نصيب الفرد من المياه قد ينخفض ​​إلى أقل من 500 متر مكعب سنويا مع مؤشرات التدهور السريع في جودة المياه السطحية والجوفية، بالإضافة إلى كونها دولة المصب في حوض النيل، إذ تعتمد اعتمادًا كليا تقريبا على نهر النيل النابع خارج حدودها، فهي الدولة الأكثر جفافا في العالم وتبلغ نسبة الاعتماد على الموارد المائية المتجددة 97% وفقا لمنظمة الأغذية والزراعة.

ووفقا للوزير فإن الفجوة بين الاحتياجات والمياه المتوافرة تبلغ نحو 21 مليار متر مكعب سنويا يتم التغلب عليها عن طريق إعادة استخدام مياه الصرف والاعتماد على المياه الجوفية السطحية في الوادي والدلتا، الذي يدل على أن نظام إدارة مياه النيل في مصر يصل إلى كفاءة عامة تتجاوز 80%.

المصريون السبب!

وتشير تقديرات بعض المختصين بأن أزمة المياه في مصر غير مرتبطة بسد النهضة باعتبار أن مصر أحد بلاد الفقر المائي، وأن أزمة المياه ظهرت قبل التفكير في مشروع سد النهضة، وفقا لتصريحات سابقة لوزير الري الأسبق محمد نصر الدين علام، والتي أكد فيها أن مصر تعانى من أزمة مياه وأن نصيب الفرد من المياه فى مصر أقل من نصيب الفرد فى الأردن وإسرائيل.

ووفقا لعلام فإن قرار الحكومة بمنع زراعة الأرز، لن يحل المشكلة، مطالبا بضرورة إعادة النظر بالنسبة  للمدن الجديدة التي أصبحت جميعها حمامات سباحة.

بينما أرجع آخرون أن السبب في أزمة المياه نتيجة الزيادة السكانية التي ترتفع بمعدلات سريعة، وتلتهم بذلك كافة أشكال التنمية، وهو الرأي الذي يروج له عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية الدكتور محمود السعيد والذي أكد في مؤتمر نظمته الكلية منذ أيام حول “الأبعاد الثقافية والاقتصادية والاستراتيجية ومقترحات التعامل”، أن مصر دخلت مرحلة الفقر المائى وتقترب من الشح المائى.

روشتة علاج

وتشير العديد من الدراسات والتحليلات المتعلقة بأزمة المياه في مصر، أن نظام السيسي يتعامل مع موضوع المياه بنظرة تشاؤمية، في محاولة لتهيئة الرأي العام لفشله في علاج هذه الأزمة، التي لم تظهر على سطح الأحداث بهذا الشكل إلا في السنوات الأخيرة.

وحسب العديد من المختصين فإن حصة المياه للفرد وفقًا للمتوسطات العالمية تقدر بألف متر مكعب سنويًّا ومع ذلك فإن هناك العديد من الدول التي لديها فقر في نسبة المياه كدول الخليج لكن مستوى حياة الفرد جيد لأنها استطاعت أن تُعوض النقص بتحلية المياه، على عكس الدول التي لديها فائض هائل في المياه كالكونغو التي يحظى بها الفرد على 16 ألف متر مكعب سنويًّا ومع ذلك فهي من أفقر 10 دول في العالم.

وتشمل الحلول التي قدمها الخبراء العديد من المقترحات التي ترتبط بأداء الحكومة قبل غيرها، مثل التوسع في الزراعات غير المستهلكة للمياه مثل العنب، وكذلك وقف الاستخدام السيء للمياه في البرك الصناعية وملاعب الجولف التي أصبحت أحد علامات المدن الجديدة التي تقوم الدولة بإنشاءها وترويجها، والتي تمثل تحديدا خطورة أكثر بكثير من زراعة الأرز، ويضاف لذلك أن تتحرك الدولة بشكل جاد ومبتكر لتوقيع اتفاقات سياسية جديدة مع دول حوض النيل للبدء في مشروعات لتزويد إيرادات المياه، والاتجاه نحو التحلية.