العدسة: محمد العربي
بالتزامن مع قرار الرئيس السوداني عمر حسن البشير بتشكيل لجنة تقصي حقائق حول الأحداث التي شهدتها المظاهرات الاحتجاجية بعموم السودان، دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس الحكومة السودانية بإجراء تحقيق شامل حول مقتل المتظاهرين في الاحتجاجات بسبب الأوضاع الاقتصادية، بعدما أقرت الحكومة بمقتل (19) شخصاً خلال المظاهرات بينهم شرطيان.
ووفقا لبيان رسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة، فإن غوتيريس ناشد جميع الأطراف في السودان التزام الهدوء وضبط النفس، مطالباً السلطات بإجراء تحقيق شامل في الوفيات والعنف.
كل على طريقته
ووفقا للمتابعين فإن الرئيس السوداني عمر البشير أصدر مساء الاثنين قرارا بتشكيل لجنة تقصي حقائق برئاسة وزير العدل في الحكومة السودانية محمد أحمد سالم للتحقيق في ملابسات ما جرى بأرجاء السودان، ولم تشر وكالة الأنباء الرسمية بالسودان التي نشرت الخبر لأية تفاصيل أخرى متعلقة بالقرار الجمهوري، الذي صدر بعد اعتراف الحكومة السودانية الخميس الماضي، بأن الاشتباكات التي شهدتها الاحتجاجات شهدت مقتل 19 سودانيا من بينهم شرطيين، بالإضافة إلى إصابة 219 مدنيًا و187 من القوات النظامية.
من جانبها أعلنت النيابة العامة بالسودان أنها دونت رسمياً نحو «358» بلاغاً إثر المظاهرات التي اندلعت في عدد من المدن الأسبوع الماضي، وشملت البلاغات دعاوى جنائية تتعلق بخسائر في الأرواح والسرقة والنهب والتلف.
ويرى المراقبون أن الحكومة والأحزاب المعارضة تعاملت مع خطوة البشير بتشكيل لجنة تقصي حقائق، كل بطريقته، ففي الوقت الذي اعتبرتها المعارضة مراوغة من المشير العجوز، فإن الحكومة تعاملت معها من حيث الشكل وليس المضمون، أو بالأحرى لم تتعامل مع سبب المرض وإنما تعاملت مع العرض فقط.
ووفق المتابعون فإن الحكومة السودانية ترجمت القرار الجمهوري على طريقتها، حيث انتهت السلطات الأمنية الرسمية من عرائض الاتهام المتعلقة بالمحتجين الذين تم القبض عليهم خلال المظاهرات، ووفقا لما نشرته جريدة الشروق السودانية المقربة من الحكومة فإن السلطات الأمنية قامت برصد دقيق لعدد من الناشطين بوسائط التواصل الاجتماعي، قاموا ببث شائعات حاولوا من خلالها تأليب الرأي العام الداخلي والخارجي على الأوضاع في البلاد، كما أعلنت حكومة ولاية نهر النيل توقيف أكثر من 200 مواطنا، متهمين بعمليات الحرق والنهب والتخريب التي شهدتها الولاية عقب الاحتجاجات الأخيرة.
ويدعم أصحاب هذا الرأي موقفهم بقيام الأجهزة الأمنية السودانية بإلقاء الغاز المسيل للدموع على تجمعات للمواطنين كانت تنوي تنظيم موكب ينطلق من أحد ميادين العاصمة، الخرطوم، إلى القصر الرئاسي لتسليم مذكرة تطالب بتنحي الرئيس البشير وحكومته. وجاء تفريق تجمعات أمس فيما أعلن جهاز الأمن والمخابرات إطلاق سراح معظم معتقلي الاحتجاجات السابقة.
ووفقا لشهود العيان فإن قوات الأمن نشرت في الخرطوم مدرعات خفيفة وعربات «لاند كروز» تحمل مدافع مضادة للطيران ورشاشات ثقيلة من طراز «دوشكا» عند منعطفات الطرق الأساسية وحول الجسور وأمام الأماكن الاستراتيجية. وسدت هذه القوات شوارع السيد عبد الرحمن، والقصر، والحرية، والبلدية أمام حركة السير، فرضت قوات الأمن حراسات مشددة على منطقة سوق الذهب وحول مسجد الخرطوم العتيق، وأجبرت حافلات النقل العام على تفريغ المسافرين إلى وسط المدينة، ثم أمرت أصحاب المحلات التجارية في مناطق السوق العربي والأفرنجي بإقفال متاجرهم والمغادرة.
رد فعل مضاد
وعلى صعيد الأحزاب والقوى السياسية، يرى المراقبون، أن قرار البشير بتشكيل لجنة تقصي حقائق لم يعنيهم كثيرا، وكان تعاملهم على النقيض من تعامل الحكومة، ونظروا للأحداث من حيث علاج سبب المرض وليس العرض فقط وهو المظاهرات، حيث قرر حزب الإصلاح الذي يتزعمه غازي صلاح الدين مساعد البشير السابق انسحابه من الحكومة السودانية، مطالبا القوات المسلحة السودانية بالإنحياز للشعب من أجل حقن الدماء.
كما دعا 22 حزبا سياسيا يشكلون الجبهة الوطنية للتغيير بالسودان، بالإضافة لحزب الأمة المعارض وحزب الإصلاح الذي يتزعمه غازي صلاح الدين، بحل الحكومة والبرلمان بشكل عاجل، وتشكيل مجلس سيادة وحكومة انتقالية تجمع الكفاءات، بالإضافة لحل المجلس الوطني، وتشكيل آخر مكون من 100 عضو.
ووفقا لما أكدته الأحزاب المعارضة التي نظمت مؤتمرا صحفيا الثلاثاء، فإنها سوف تتقدم بمذكرة للرئيس البشير، تطالبه فيها بتشكيل “مجلس سيادة انتقالي”، يتولى تسيير شؤون البلاد”، دون تحديد زمن.
وتنص المذكرة التي يتبناها حزب الأمة، بقيادة مبارك الفاضل، نائب رئيس الوزراء السابق، وحركة الإصلاح الآن برئاسة غازي صلاح الدين، وجماعة الإخوان المسلمين على تشكيل مجلس سيادة انتقالي لتسيير شؤون البلاد، وتشكيل حكومة قومية، تضم كفاءات وممثلي أحزاب، وحل البرلمان (بغرفتيه الأولى والثانية)، وتعيين مجلس وطني، يتكون من 100 عضو” دون تفصيل، إضافة لحل حكومات ولايات البلاد الـ18 ببرلماناتها.
تحايل ومراوغة
ووفقا للعديد من التحليلات فإن لجوء البشير لتشكيل لجنة لتقصي الحقائق لا يشير في الغالب إلى عزمه لاتخاذ إجراءات تتوافق مع رغبات المحتجين، بدليل استمرار التعامل الأمني مع الاحتجاجات، وبدليل ما جرى في مصر بعد ثورة 25 يناير، حيث حاول المجلس العسكري تهدئة المتظاهرين والثوار بتشكيل لجنة تقصي حقائق وأوكل مهمتها للمجلس القومي لحقوق الانسان، الذي عينه نظام مبارك، وهو نفس المجلس الذي أعاده رئيس الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي وأوكل إليه مهمة تقصي الحقائق حول تداعيات عزل الرئيس محمد مرسي وفض اعتصامي رابعة العدوية وميدان النهضة.
ولفت المتابعون إلى أن التقرير الأول حمل إدانة واضحة لنظام مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي ورئيس المخابرات العامة عمر سيلمان، إلا أنه بعد رحيل الثورة والإخوان، جاء التقرير الثاني مناقضا للأول وحمل الإخوان الثوار مسئولية قتل المتظاهرين في 25 يناير وكل ما تبعها بما فيها رابعة العدوية.
واستدل أصحاب هذا الرأي بحرص حزب المؤتمر الوطني الحاكم على تبرئة نفسه من قتل المحتجين الذين قتلوا في الاحتجاجات الأخيرة سواء بالولايات أو العاصمة الخرطوم، واتهامه لمن سماهم بالمندسّين بالتورط في قتل المتظاهرين، نافياً وجود قناصة حكوميين متورطين في القتل، مؤكداً عدم تسامح الأجهزة الأمنية مع من سماهم المخربين والمندسين، وهو نفس أكدتها الشرطة السودانية، والتي أكد مديرها العام الفريق أول الطيب بابكر بأن الشعب لن يرى منهم إلا خيراً، وأن الشرطة ليست أداة قمع وإنما تعمل من أجل المواطن والذود عنه.
وحسب المحلل السياسي السوداني عبد الله آدم خاطر بأنه ليس المهم من أطلق الرصاص ولكن المهم هل هناك مواطنون سودانيون خرجوا في مظاهرة سلمية وتم إطلاق النار عليهم فقتلوا وجرحوا فإذا كانت الإجابة نعم فمن واجب الأجهزة العدلية بالدولة أن تكون لجان تحقيق حتى لا تفقد الحكومة ثقة مواطنيها أو ثقة المجتمع الدولي، مؤكداً على ضرورة تكوين لجان تحقيق حول ما حدث وحول الأذى الذي لحق المواطنين، وأن يتم الإعلان عن أسماء الذين قتلوا.
اضف تعليقا