جدل صاخب يسيطر على الساحة المصرية، بعد تحميل الرئيس الحالي “عبدالفتاح السيسي”، ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، المسؤولية عن أزمة بناء سد النهضة الإثيوبي.
وما بين اتهامات بمسؤولية الثورة عن ذلك، وأخرى تتهم الرئيس الراحل “محمد مرسي” بالتقاعس عن حماية حقوق مصر المائية، تبرز عدة حقائق، لا تعفي “السيسي” من المسؤولية، بل وربما يكون هو المسؤول الأول عن الأزمة.
وتبدأ مسؤولية “السيسي” من يناير/كانون الثاني عام 2010، حينما تولي منصب مدير المخابرات الحربية؛ ليصبح بموجب ذلك المنصب الجديد إحدى الجهات المعنية بملف سد النهضة ضمن وزارات الدفاع والري والخارجية إضافة إلى المخابرات العامة.
بعدما رحل الرئيس المخلوع “حسني مبارك” عن الحُكم في 11 فبراير/شباط 2011، تولى المجلس العسكري المسؤولية، لكنه تورط في ارتكاب مجازر ضد الثوار، وهو التوقيت المثالي الذي استغلته إثيوبيا للإعلان في 30 مارس/آذار من العام ذاته عن وضع حجر أساس بناء السد.
وفد شعبي
ولم يكن التعاطي المصري الرسمي متماشيا مع الحدث الإثيوبي، حيث اكتفى المجلس العسكري في مايو/آيار 2011، بإرسال وفد الدبلوماسية الشعبية لأديس أبابا، دون نتيجة، بحسب “ساسة بوست”.
واقتصر اللقاء الذي جمع المشير رئيس المجلس، المشير “محمد حسين طنطاوي”، برئيس الوزراء الإثيوبي في سبتمبر/أيلول 2011، على الاتفاق على تقديم حزمة من التسهيلات لزيادة الاستثمارات المصرية فى إثيوبيا البالغة ملياري دولار.
وفي عهد الرئيس الراحل “محمد مرسي” الذي لم يمكث في الحكم سوى عام واحد، تحركت مصر رسميًا لأول مرة لطلب عقد مفاوضات على مستوى الرؤساء ورؤساء الوزرات مع السودان وإثيوبيا لبحث أثر السد، تبع ذلك زيارة قام بها “مرسي” لأديس أبابا لمناقشة ملف المياه، وتشكلت على أثرها لجنة من 10 خبراء مصريين، وإثيوبيين، وسودانيين، و4 خبراء دوليين محايدين.
انقلاب عسكري
لكن المفاوضات توقفت بعد انقلاب الجيش لعزل “مرسي” في 3 يوليو/تموز عام 2013، لتعلن أديس أبابا بعدها بدء العمل رسميًا في بناء سد النهضة، وبدء تحويل مجرى النيل الأزرق.
وجراء الانقلاب العسكري، جرى تعليق عضوية مصر في الاتحاد الأفريقي، وهو ما مثّل وقتًا إضافيًا لإثيوبيا، إضافة إلى إعلان الرئيس المؤقت “عدلي منصور” أن السد قد يكون مصدر رخاء لإثيوبيا والدول المُحيطة به، ومنها مصر.
ومع وصول “السيسي” للحكم منتصف العام 2014، عهِد إلى وزير الخارجية “نبيل فهمي” مهمة إعادة مصر للاتحاد الأفريقي.
وفي محاولة لترسيخ شرعيته بعد الانقلاب، وقع “السيسي” في مارس/آذار 2015 على وثيقة “إعلان مبادئ سد النهضة”، مع نظيره السوداني المخلوع “عمر البشير” ورئيس الوزراء الإثيوبي السابق “هايلي ماريام ديسالين”، وتتلخص الاتفاقية بسماح الدول الثلاث ببناء السدود على نهر النيل لتوليد الكهرباء، وهو ما يعني اعترافًا مصريًا سودانيًا بشرعية بناء سد النهضة، وهو ما يحمل “السيسي” مسؤولية الأزمة.
قسم على الهواء
وفي وقت سابق، نقل موقع “مدى مصر” عن مصدر حكومي، أن العديد من الجهات الرسمية -مستشارة الرئيس لشؤون اﻷمن القومي، ومختصين سابقين في المخابرات وفي وزارات الخارجية والدفاع والري- رفعت تقارير لرئيس الجمهورية قبل توقيع الاتفاقية، مُفادها أن التوقيع عليها سيضعف موقف مصر.
لكن “السيسي” الذى التقى رئيس الوزراء الإثيوبي الجديد “آبي أحمد”، منتصف العام 2018، دعاه ليردد خلفه قسما على الهواء بأنه لن يضر مصر والمصريين، مطالبا المصريين بالاطمئنان.
وخلال المؤتمر أقسم “آبي أحمد”، أمام “السيسي”، قائلاً: “والله لن نقوم بأي ضرر بمياه مصر”، فيما رد الرئيس المصري: “والله والله لن نضر بكم أبدًا”.
وفي 2019، استيقظ المصريون على إعلان من أديس أبابا بانتهاء حوالي 70% من أعمال بناء السد، تزامنًا مع الاعترافات المصرية الرسمية بفشل المفاوضات بعد 8 سنوات، وطلب تدخل وسيط دولي، وهو ما رفضته إثيوبيا طبقًا لبنود اتفاقية “وثيقة السد” التي وقعها “السيسي”.
واعتمدت الاتفاقية بندا ينص على “الاستخدام المنصف والمناسب” للموارد المائية، مع مراعاة المعايير السكانية والاجتماعية والجغرافية للدول الثلاث.
ويتركز الخلاف المصري الإثيوبي حول مدة وسعة خزان السد، حيث تصر إثيوبيا على ارتفاع المنسوب إلى 74 مليار متر مكعب، وكذلك مدة التخزين، وهو الأمر الذي يضر بمصالح مصر وحصتها (55 مليار متر مكعب سنويا) في مياه النيل، وقد تواجه فقراً وشحاً في المياه غير مسبوق.
اضف تعليقا