أحمد عبدالعزيز
كشفت الأحداث التي شهدها ملعب مختار التتش في النادي الأهلي مؤخرا، تعطش جماهير القلعة الحمراء للعودة إلى المدرجات، في ظل استعداد فريقها لخوض مباراة العودة أمام الوداد المغربي في نهائي أبطال إفريقيا.
فبمجرد أن أعلنت إدارة النادي عن السماح للجماهير بحضور تدريبات الفريق قبل سفره إلى الرباط، حتى تدفق الآلاف من عشاق الأهلي إلى ملعب مختار التتش، الذي لم يستطع استيعاب هذا العدد الكبير من الجماهير، ما دفع بعضهم للنزول إلى أرض الملعب، وأمام هذا الزحام غير المتوقع، اضطر المدير الفني لـ”الشياطين الحمر” حسام البدري، إلى اتخاذ قرار بإلغاء المران، خشية أن يرتفع عدد الجماهير بشكل أكبر فيحدث ما لا يحمد عقباه، بعد الإعلان عن وقوع بعض الإصابات بين الجماهير نتيجة التدافع.
الواقعة برمتها، أظهرت حجم تعطش الجماهير المصرية للعودة إلى المدرجات، خاصة بعدما تمكن الفراعنة من الوصول إلى نهائيات كأس العالم في روسيا 2018، بعد غياب دام قرابة 27 عاما، حيث شهدت الحركة التشجيعية الرياضية انتكاسات عدة منذ اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011 وحتى الآن، كانت سببا في توقف النشاط الرياضي في بعض الأحيان، أو عودته مع منع الجماهير من الحضور.
مجزرة البداية
كانت البداية الحقيقية لأزمة الجماهير والملاعب في مصر، مع “مجزرة بورسعيد”، تلك الواقعة التي هزت الوسط الرياضي العالمي بأجمعه، بعدما راح ضحية لتلك الأحداث أكثر من 70 شابا من مشجعي النادي الأهلي، وبالرغم من عودة النشاط الرياضي والجماهير تباعا في أوقات لاحقة، إلا أن مشهد استاد بورسعيد، ظل ماثلا في الأذهان، كشبح مرعب يدفع مسؤولي الرياضة والجهات الأمنية إلى منع الجماهير من دخول المدرجات على أتفه الأسباب.
حتى جاءت أحداث مجزرة شبيهة، هي أحداث الدفاع الجوي في فبراير 2015، التي كانت هذه المرة من نصيب مشجعي نادي الزمالك، ومنذ ذلك التاريخ، لم تعد الجماهير المصرية إلى المدرجات، إلا في حالات استثنائية هي المباريات القارية أو مباريات المنتخب الوطني.
وبالرغم من تصريحات مسؤولي وزارة الشباب والرياضة واتحاد الكرة مؤخرا، حول اتخاذهم قرارا بعودة الجماهير إلى المدرجات خلال أيام، إلا أن ذلك يظل مجرد تصريحات، وحتى إن حدث، فستظل احتمالية منع الجماهير مجددا واردة وبشدة.
ولكن، هل حقا الخوف من إراقة الدماء وسقوط المزيد من الضحايا، هو السبب وراء منع الجماهير من العودة إلى الملاعب؟
الثأر من القاتل
والإجابة يمكن استجلاؤها عبر النظر إلى واقعتي بورسعيد والدفاع الجوي، فالبرغم من عدم توجيه أي اتهام رسمي إلى الجهات الأمنية، إلا أن أهالي الضحايا اعتبروها متهما رئيسيا في الواقعتين، الأولى بالتقصير والتواطؤ، والثانية بالعمدية.
أي أن الجهات الأمنية، صاحبة القرار النهائي في عودة الجماهير إلى الملاعب، كانت هي المتهم الرئيسي في الأحداث التي تسببت في إبعادها عن المستطيل الأخضر.
فهل تحول الأمر بين الأمن والجماهير إلى ثأر؟
هل تخشى الجهات الأمنية أن تواجه الجماهير الغاضبة مرة أخرى داخل المدرجات؟ هل تخشى أن يكون بينهم من يريد الثأر للدماء البريئة التي أريقت والأنفس الطاهرة التي أزهقت؟
مقدمات ثورة
على الجانب الآخر، ترى بعض التحليلات، أن النظام الحالي في مصر، يخشى من أي تجمعات، خاصة إذا كانت بأعداد كبيرة، حتى ولو كانت مجرد تجمعات رياضية جاءت لمؤازرة فريقها المفضل، مرجعة ذلك لأسباب سياسية بحتة، وليس لمنع انتشار التعصب الرياضي كما يصور أنصار النظام.
ويرى أصحاب هذا الرأي، أن مبرر ذلك، هو ارتفاع وتيرة الرفض داخل أوساط المصريين لسياسات النظام وشخوصه، وهو ما قد يتعاظم ويتحول من مجرد شعور بالرفض إلى فعل مادي ملموس، إذا ما سمح للمصريين بالتجمع بأعداد كبير، وينتج عنها تحركات عفوية، قد تكون بذرة ثورة جديدة تطيح بالنظام.
والدليل على ذلك، هو سماح الجهات الأمنية للجماهير بحضور المباريات في استاد برج العرب، كونه بعيدا عن العاصمة أو أي مدينة كبيرة، بينما لا يسمح على الإطلاق للجماهير بالحضور في استاد القاهرة الذي أصبح شبه مهجور مؤخرا، ما يشي بأن السبب وراء المنع سياسي في المقام الأول، وليس لدواعي الحفاظ على سلامة الجماهير.
مكاسب السادة
أضف إلى ذلك، المكاسب التي تحققها المؤسسة العسكرية من منع حضور الجماهير للمباريات المقامة في العاصمة القاهرة، وحصر حضور الجماهير على المباريات المقامة باستاد برج العرب المملوك للجيش، حيث أصبح هو الاستاد الأول والوحيد في مصر حاليا الذي تسمح فيه الجهات الأمنية بحضور الجماهير.
وهي ميزة لن يتخلى عنها الجيش بكل سهولة، خاصة وأنها أحيَت الاستاد البعيد تماما عن المدينة ويصعب على الجماهير الوصول إليه بسهولة.
فلسفة الخوف
فلسفة الخوف، أو ما يعرف بـ”المكارثية” قد تكون كذلك سببا خفيا وراء إصرار النظام على منع الجماهير من العودة إلى المدرجات.
فالنظام المصري الذي لا يفتأ يتفاخر بأن الأوضاع الأمنية في مصر تحت حكمه أفضل “من سوريا والعراق”، يحتاج في الوقت ذاته إلى إرهاب المصريين بشكل دائم، والزعم بأن هناك خطرا ما يتهددهم، وأن وجود النظام على رأس الدولة، هو السبب الرئيسي في منع هذا الخطر من الوصول إلى الشعب.
وهو ما يساعد السلطات في مصر على إطلاق يدها الباطشة تجاه الجماهير خاصة من يصارحون بمعارضتهم للسياسات الحالية، كما يساعده على إبعاد فكرة الخروج ضد النظام للاعتراض من خليه الجماهير.
والسماح للجماهير بالعودة إلى المدرجات، قد يراه البعض مظهرا من مظاهر استتباب الأمن، وأن الظروف قد تكون سانحة لإبعاد هؤلاء الشخوص الذين استولوا على السلطة ونفذوا من خلالها إلى كل مفاصل الدولة، لذا فإن سياسة التخويف هي أفضل وسيلة تبعد شبح الثورة عن الشارع المصري، عبر الإيحاء بأن الدولة تواجه خطرا ضخما مرعبا مهولا، قد يقضي على الجميع لو تخلى عنا المنقذ والحامي.
اضف تعليقا