العدسة: محمد العربي

أثارت تصريحات وزير الآثار المصري خالد العناني حول قرار رئيس الإنقلاب بمصر عبد الفتاح السيسي بتخصيص مليار و270 مليون جنيه لترميم التراث اليهودي، موجة من الجدل حول توقيت هذا الإجراء وأسبابه، وما الذي يمثله التراث اليهودي من أهمية للتاريخ المصري.

من جانبها قابلت السفارة الإسرائلية بالقاهرة الخطوة السيساوية بترحاب كبير، مؤكدة في تصريح نشرته عبر حسابها بتويتر أنها خطوة إيجابية تؤكد على تطور العلاقات المصرية مع اليهود المصريين.

وتشير العديد من التحليلات التي تناولت الموضوع بأن السيسي أراد بهذا الإجراء مجاملة شركاءه الإسرائيليين، وأن القرار لم يكن جديدا، وإنما كان التزاما من السيسي لمجلس الكونجرس اليهودي الذي التقاه منتصف 2017.

ويري المراقبون أن تصريحات خالد العناني خلال اجتماع لجنة الثقافة والإعلام والآثار بالبرلمان، بأن الإجراء يأتي انطلاقا من قناعة السيسي بأن التراث اليهودي جزء من التراث المصري وله أولوية مثل التراث الفرعوني والروماني والإسلامي والقبطي، لم تكن إلا مجرد تبريرات تحاول تقليل الغضب الجماهيري، خاصة وأن الوزير أكد قائلا في نفس الاجتماع: “مش هستنى حد يقولي خد فلوس ورممه”.

لماذا الآن؟!

ووفقا للمراقبين فإن قرار تخصيص التراث اليهودي لم يكن جديدا، وإنما تم اتخاذه منذ مارس 2017 بعد أن التقى السيسي برئيس الكونجرس اليهودى العالمى، والذي نقل له شكاوى الطائفة اليهودية بمصر، بينما يرى آخرون أن الخطوة تمثل عربون محبة لإسرائيل التي لا يمل السيسي من مغازلتها، والتأكيد على أهمية أمنها القومي.

ويستدل أصحاب هذا الرأي بآخر تصريحات السيسي في منتدي الشباب والتي أكد فيها أن اتفاق السلام مع إسرائيل مستقر ودائم، وأن معظم المصريين يؤيدون المعاهدة التي مضى عليها حوالي 40 عاما.

وتشير تحليلات أخرى أن هذه الخطوة تأتي في ظل التعاون الثلاثي بين مصر وإسرائيل والولايات المتحدة، بإجراء عملية ترميم شاملة للآثار اليهودية الموجودة بالبلاد، ووفقا لمعلومات استندت إليها التحليلات فإن عمليات الترميم ستشمل عددا من الكتب في مكتبة المعبد اليهودي بشارع عدلي، فضلا عن الاهتمام بترميم متحف متواضع لا يتحدث عنه الإعلام كثيرا إلا أن به الكثير من الشواهد على عراقة يهود مصر، فضلا عن ترميم 12 معبدا في عموم مصر.

ووفقا للرأي السابق فإن عملية الترميم تأتي في ظل تحركات يقوم بها النظام المصري منذ عدة سنوات لتغيير نظرة المجتمع المصري الرافضة للتواجد اليهودي، لأخرى متقبلة لوجودهم باعتبار أنهم جزء من نسيج الشعب المصري، وهو ما ظهر بوضوح في مسلسل حارة اليهود الذي أظهرهم بوطنية خالفت كل الكتابات التي تناولت موقفهم خلال هذه الفترة الزمنية.

وتشير التحليلات نفسها إلى أن هناك منعطفا جديدا في الإعلام المصري لفتح أفق الحوار مع اليهود وعن اليهود، مستدلين بالحوارات الصحفية التي أجرتها صحف مصرية شهرية مع شخصيات يهودية مصرية مثلال مارسيل هارون زعيمة الطائفة اليهودية، وألبير أريه، الذي يقدم نفسه باعتباره مدافعا عن التاريخ اليهودي بمصر، والحاخام إسحاق كوهين، أحد اليهود المصريين الذي يعيش في أمريكا وتحدث عن المآسي التي عانى منها اليهود المصريين.

أين التراث اليهودي

وتشير الدراسات التي أجريت على الجالية اليهودية بمصر إلى أنها لم تتجاوز 6 نساء في القاهرة و12 في الإسكندرية، وكلهن طاعنات في السن، ورغم قلة عددهم الذي لا يتجاوز الـ 20 شخصا، فإن زعيمة الطائفة مارسيل هارون دعت أكثر من مرة للحفاظ على التراث اليهودي المصري، الذي يضم وفقا لكلامها قرابة عشرة معابد وعددا لا يحصى من المقتنيات الدينية، لكنها مهجورة منذ زمن طويل.

ووفقا لهارون فإن وزير الآثار خالد العناني وعدهم بترميم التراث اليهودي وشكل في سبيل ذلك لجنة بداية عام 2016 لجرد الآثار اليهودية وباقي المعالم اليهودية الموجودة في المعابد.

ويرى المتابعون أنه فىي عام 2017 بدأت أولى خطوات حكومات السيسي الاهتمام بالتراث اليهودي، بترميم المعبد اليهودي بالإسكندرية بتكلفة وصلت 100 مليون جنيه بتمويل حكومي خالص، وفقا لـ “محمد عبد العزيز”، مدير عام مشروع القاهرة التاريخية بوزارة الآثار، الذي أكد فى بيان له أن مشروع الترميم ممول من الحكومة، موضحا أن وزارة الآثار لن تتوانى عن ترميم الآثار اليهودية فى مصر، باعتبارها آثارا مصرية لا بد من حمايتها طبقا لقانون حماية الآثار، كما أنها تمثل جزءا من التراث والتاريخ المصرى.

وقد لاقت هذه الخطوة اهتمام مجلة “إيكونومست” البريطانية وقتها، والتي سلطت الضوء على مساعى النظام المصري بالتواصل مع المجتمع اليهودي المصري، الذى لا يتجاوز عدد أفراده 20 شخصا.

بينما وصفت صحيفة “الجارديان” البريطانية أن قرار ترميم المبنى وغيرها من المعالم اليهودية في الإسكندرية، جاء بعد أشهر من ضغط اليهود المصريين حول العالم، وفق ما أكده رحَب أليك ناكامولي عضو مؤسسة “النبي دانيال” للحفاظ على تراث مصر اليهودي.

رد الجميل

ويرى أخرون أن خطوة السيسي تأتي في وقت تعاني فيه الآثار الفرعونية والإسلامية والقبطية إهمالا كبيرا، رغم أنها تمثل النسبة الأكبر من حيث الجذب السياحي، وهو ما يؤكد أن الموضوع أكبر من اعتبار التراث اليهودي جزءا من التراث المصري، وإنما الموضوع كما وصفه المراقبون ردا للجميل، بعد الدعم الذي حظي به السيسي من إسرائيل منذ بداية الانقلاب العسكري عام 2013 وحتى استقرار نظام السيسي محليا ودوليا.

ووفقا لهذا الاتجاه فإن الترحيب الذي استقبل به المسئولين الإسرائيليين إعادة انتخاب السيسي في مارس الماضي، كان مثيرا للاهتمام ويدعو للتساؤل عن شكل العلاقة التي تجمع بين رأس الانقلاب بمصر ومسئولي الكيان الإسرائيلي، ووفقا لعيران ليرمان النائب السابق لرئيس مجلس الأمن القومي، ومساعد رئيس معهد القدس للأبحاث الاستراتيجية، والذي عمل في السابق جنرالا بسلاح الاستخبارات العسكرية، فإن إعادة انتخاب السيسي لولاية رئاسية ثانية تعتبر بشرى طيبة لإسرائيل، ومن الواجب على إسرائيل أن تقدم مساعداتها لنظام السيسي، بل وتحديث معلوماته بكل جديد، كي يكون محتاطا لأي تطور قد يحدث.

وأكد ليرمان، المحاضر في جامعة تل أبيب ومعهد هرتسيليا متعدد المجالات، أن بقاء السيسي في الحكم لا يعتبر لإسرائيل وشريكاتها في المنطقة وعلى رأسها قبرص واليونان أخبارا سيئة، لأن الدول الثلاث باركت صعوده في 2013، وكان لها الكثير من الأسباب للقلق من وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة في مصر. واليوم توجد مستويات من التعاون السياسي بين القاهرة وتل أبيب، بجانب التنسيق الأمني الاستخباري، فضلا عن مجالات الطاقة.

وأشار ليرمان رئيس ملف إسرائيل والشرق الأوسط في اللجنة اليهودية الأمريكية إلى أن إسرائيل ترى في محاربة السيسي للجماعات المسلحة أحد مفاتيح الاستقرار في المنطقة، سواء في مجال الحروب المباشرة في سيناء، أو الحرب على الوعي الفكري، ولذلك تنظر إسرائيل بأهمية لما شرع به السيسي في مجال الإصلاح الديني، والعمل على تهميش الإسلاميين الذين حكموا المسار السياسي .