«تدين إسرائيل بشدة الاجتياح العسكري التركي للمحافظات الكردية»! كانت هذه كلمات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في صدد تعليقه على العملية العسكرية التي بدأتها تركيا أول أمس على خط حدودها مع سوريا، مضافا إليها تحذير لأنقرة «ووكلائها» من القيام «بتطهير عرقي بحق الأكراد»، ووعد بأن تبذل إسرائيل «كل جهد ممكن لتقديم المعونات الإنسانية للشعب الكردي الباسل».

غير أن التصريح الأكثر إثارة للجدل جاء من وزيرة العدل الإسرائيلية السابقة ايليت شاكيد التي قالت إن «ذاكرتنا القومية تلزمنا برفض العنف الموجه ضد شعب»، وأن «من مصلحة إسرائيل والولايات المتحدة إقامة دولة كردية في المنطقة من أجل الأمن»، حاثة الغرب على الوقوف مع الأكراد لأنهم «شعب عريق يرتبط تاريخيا بعلاقة خاصة مع اليهود»!

يلفت النظر في تصريح نتنياهو استخدامه تعبير «المحافظات الكردية» وهذا يقتضي بعض التوضيح فإذا تجاهلنا أن هذه المحافظات تعتبر سورية في القوانين الدولية، فمن الضروري التنبيه إلى أن الأكراد ليسوا غير واحد من المكوّنات العديدة التي تسكنها، وهم لا يشكّلون أغلبية حتى في الحسكة، المحافظة الرئيسية لتواجدهم، كما أن تواجدهم ضعيف في الرقة ومعدوم تقريبا في دير الزور.

يفيد هنا ذكر أن سكان شرق الفرات هم نتيجة ثلاث موجات من الهجرة من جنوب شرق الأناضول بين منتصف العشرينيات وأوائل الستينيات وبهذا المعنى فإن نشوء المكوّن الكردي، إلى جانب العرب والسريان والأرمن وغيرهم، نتج بشكل أساسي عن الهجرة من تركيا.

ورغم السرديّات الكردية حول سياسات «التبعيث» والتعريب خلال ستينيات القرن الماضي فالحقيقة أنه لم يكن لهذه السياسات أثر كبير، بل إنه منذ النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي وحتى أواخر التسعينيات ساهمت السلطات السورية في تعزيز ديناميات “تكريد” الجزيرة (أي المنطقة المسماة إعلاميا بشرق الفرات)!

وذلك في سياق التحالف مع حزب العمال الكردستاني، وهناك أرشيف تاريخي طويل لمعاناة السريان السوريين من محاولات التطهير العرقي الكردي ضدهم وعمليات طردهم من قراهم وأراضيهم، وهذا يبين الديناميّات المعقدة للجغرافيا السياسية لسكان المنطقة من دون أن يعفي النظام الاستبدادي السوري السائد من المسؤولية.

من الضروري لفهم معنى مغالطة نتنياهو وضع هذا الأمر في سياقه السياسي وليس الديمغرافي فحسب عبر التذكير بوقائع مهمة، ومنها وجود قرابة مليون لاجئ من المحافظات المذكورة موجودون في تركيا، كما أن هناك قرابة 300 ألف لاجئ كردي أيضا.

وكل هؤلاء نزحوا بعد هبوط مقاتلي حزب العمال الكردستاني من جبال قنديل العراقية إلى سوريا عام 2011 بالاتفاق مع نظام بشار الأسد لقمع الأكراد والعرب الثائرين على النظام، وقد افتتحوا مسلسل سيطرتهم على «المحافظات الكردية» المزعومة بمجزرة ضد الأكراد في بلدة عامودا وكذلك باغتيال القيادي الكردي المعروف مشعل تمو.

مثير للسخرية، في هذا السياق، حديث ايليت شاكيد عن «رفض العنف الموجه ضد شعب»، وهي الوزيرة السابقة في دولة قائمة أساسا على «عنف موجه ضد شعب»، وكذلك الحديث عن أن «إقامة دولة كردية في المنطقة من أجل الأمن»، فالمقصود هنا إقامة دولة لجماعة عسكرية تعمل بإمرة الغرب (أو إسرائيل؟) وتقوم بتحقيق «الأمن» على الطريقة الإسرائيلية.

الأكراد هم فعلا شعب عريق وباسل وهم إخوة وأشقاء للمكوّنات الدينية والعرقية الأخرى وسياقهم السياسي الطبيعي هو العمل من أجل الديمقراطية في سوريا وتركيا، ورفض المشاريع التي تعتبرها إسرائيل «أمنا» على طريقتها.