العدسة – ربى الطاهر

عايش الكثير منا في مرحلةٍ ما من حياته، الشعور بأن أصدقاءه الذين سبقوه إلى الزواج قد تغيرت طباعهم، ولم يعودوا كسابق عهدهم، وربما في بعض الأحيان قد يؤدي هذا التغيير إلى التمسك من الآخرين بمزيد من التأخير في الإقدام على فكرة الزواج، حيث يشعر بعض الشباب بأن أصدقاءه أصبحوا “مملين”، سُلِبوا الكثير من حريتهم، أصبحوا أكثر التزامًا في مواعيد عودتهم إلى منازلهم، أو عدم تلبية دعوات الطعام خارج المنزل…إلخ.

وقد يشعر بتلك التغيرات الأشخاص المتزوجون أنفسُهم بعد فترة من الزواج، وليس مَن حولهم مِن أصدقاء فقط، وهو ما جعل علماء النفس يحاولون الوصول إلى إجابة بالبحث والدراسة حول استفهام: هل الزواج يكون مسؤولا عن الشعور بالرضا عن النفس بنسبة أعلى، أم أن من يقدمون على الزواج هم من لديهم ثقة أعلى بالنفس؟

في واقع الأمر لم يتوصل الباحثون إلى إجابة، ولكن الأبحاث أشارت إلى أن الارتباط بشخص والاستقرار معه، ينعكس بقوة على إحداث تغييرات بالشخصية، سواء كانت سلبًا أو ايجابًا.

ولعل الارتباط المعلن بشخص آخر يتطلب قدرًا كبيرًا من التفكير، وهو ما يجعل هناك شعورًا بالولاء تجاهه؛ وبالتالي، فإن تغيرات جذرية لابد أن تحدث على عدة مستويات، سواء كانت في نمط الحياة أو في الشخصية، فالزواج يعني أن هذا الشخص سيكون معظم الأوقات موجودًا، لذلك لابد من التحلي ببعض أخلاقيات مشاركة شخص آخر للحياة، كالصبر والمرونة.

الشعور بالسعادة وحرية الحركة

ولم تتناول الكثير من الأبحاث موضوعات محددة، كتأثير الزواج على الشخصية، بل إنها نادرة جدا، إلا أن بعض النتائج التي توصلت لها تلك الدراسات المحدودة أظهرتها دراسة ألمانية أجريت مؤخرًا، وخضع للدراسة عينة تصل إلى  15 ألف شخص، وقد عنيت بالتركيز على التغيرات التي تحدث في شخصية الفرد، وذلك لمدة طويلة من الزمن استمرت لأربع سنوات.

وكان من بين أفراد العينة عدد وصل إلى 664 من المشاركين، قد تزوجوا أثناء خضوعهم للدارسة، وهو ما أتاح الفرصة لجولسبيكت وزملائها من جامعة مونستر (بألمانيا)، أن يلاحظوا كيفية التغيرات التي تحدث في شخصياتهم، مقارنة بالآخرين ممن شملتهم الدراسة من غير المتزوجين.

وقد رصد الباحثون تلك التغيرات التي ظهرت على أفراد العينة، الذين تزوجوا أثناء الدراسة، واتضح ذلك التناقض في خصال بعينها، مثل الهدوء النفسي والصراحة فيما قد مروا به، مقارنة بالآخرين.

وكانت النتائج -رغم اعتدالها- تدعم تلك الأفكار التي تنظر إلى أن الأشخاص المتزوجين لم يعودوا كسابق عهدهم في الشعور بالسعادة أو حرية الحركة.

بينما قامت دراسة أمريكية أخرى نشرت في عام 2000، بإثبات نفس النتائج تقريبًا، حيث أجرى العلماء اختبارات على الصفات الشخصية لما يزيد عن 2000 شخص (عينة الدراسة)، وتم متابعتهم لمدة تراوحت ما بين 6 و9 سنوات.

وفي أثناء فترة البحث، تزوجت 20 مشاركة من عينة الدراسة، في حين طلقت 29 امرأة أخرى من المشاركين أيضًا، وكشفت الدراسة أن هؤلاء المطلقات أصبحن أكثر انطلاقا وانفتاحًا وشعورًا بالسعادة، مقارنة بغيرهن من المستمرات في زواجهن أثناء تلك الفترة، وكأن الزواج كان قيدًا تحررن منه.

ولكن على صعيد آخر، أظهر الرجال الذين قد تزوجوا حديثا سلوكيات مختلفة تماما؛ فقد أبدوا تغيرات في مواصفاتهم أكثر إيجابية ولطفًا، إذا قورنوا بغيرهم من الرجال الذين قد مر على زواجهم سنوات طويلة وحققوا نسبًا أعلى في اختبارات الراحة النفسية وارتياح الضمير، ودرجات أقل في اختبارات التوتر والقلق النفسي.

أما في العام 2017، فقد نشرت دراسة أخرى أجراها فريق بحثي من علماء النفس الهولنديين، ترأسهم تيلا برونك من جامعة تيلبورج، أكدت نتائج الدراسة السابقة؛ من حيث تحقيق الرجال حديثي الزواج قدرا كبيرا من الراحة النفسية وراحة الضمير، كما أن كل من مر بتجربة الزواج ستتكون لديه خبرة مؤداها أن المرور بالحياة الزوجية إلى بر الأمان، خلال كل ما يمر بها من أزمات، هو أمر يحتاج إلى مهارات عالية، وأن أهم صفتين أو مهارتين، لابد وأن يتحلى بهما الرجال المتزوجون الراغبون في استكمال حياتهم الزوجية بنجاح، هما القدرة على ضبط النفس (أي التدرب على المزيد من احتمال كل ما قد يثير، من أجل الحفاظ على علاقة زوجية طويلة الأمد)، أما الثانية فهي القدرة على المسامحة (وذلك حتى يتم التمكن من تجاوز تلك الآثار النفسية المترتبة على أخطاء وزلات الشريك).

اكتساب مهارت جديدة

وقد قيمت الدراسة القدرة على التسامح لدى الأشخاص المتزوجين على فترات مختلفة، فقد تابع الباحثون – من خلال 199 شخصًا بعد مرور ثلاثة أشهر على الزواج- مدى شعور كل منهم بالتسامح تجاه الطرف الآخر، وأعيد نفس التقييم مع نفس الأشخاص بعد مرور سنة، وتكرر ذلك لأربع سنوات متتالية، وهو ما كشف عن زيادة مساحة التسامح بين الأشخاص المتزوجين، واكتساب مهارات ضبط النفس، بل إنهما كانا في ازدياد مع مرور المزيد من الوقت، مع ملاحظة أن الزيادة في اكتساب مهارة التسامح كانت أعلى من الزيادة في اكتساب مهارة ضبط النفس.

إلا أن برنامجًا أعد خصيصًا للمتابعة أثناء الدراسة، للتعديل من نسبة الزيادة في مهارة ضبط النفس، والتي أوضحت “برونك” وفريقها أنها بالفعل حققت ذلك التقدم المرجو منها مع استكمال تلك البرامج النفسية.

أما فيما يخص الإحساس بشعور الرضا عن النفس، الذي قد يبديه المتزوجون أحيانا، فقد تأتي النتائج الخاصة بهذا الأمر من دراسات تناولت هذه المشاعر التي قد تتغير، ومثلها مشاعر السعادة أيضا بعد الزواج، فقد يستشعر الأشخاص الذين لم يخوضوا تجربة الزواج بأنهم أكثر سعادة حينما يعلمون أن هذا الانطباع أو الشعور بالرضا عن النفس قد يكون عاليا في تلك الفترة التي تعقب الزواج، بينما يقل هذا الشعور بعد مرور ما يقارب السنة أو أكثر قليلا بعد الزواج، ليعود إلى ما كان عليه قبل ذلك.

إلا أنه لا يمكن أن تعمم تلك النتائج على الجميع، فقد تشير النتائج كذلك إلى أن الزواج قد يغير من شعور الأشخاص بالسعادة بدرجات مختلفة، وربما يتدخل في هذه النسب الطباع الشخصية لكل فرد على حده قبل الزواج.

فقد يكون الزواج سببا كافيا لتوفير قدر كبير من السعادة لبعض الشخصيات منهم، فمثلا الرجال المنفتحون أو حتى النساء المنطويات، فهؤلاء تسيطر عليهم التصرفات التي تميل إلى إرضاء ضميرهم، وهم من تلك النسبة التي تظهر استمرارا في مشاعر الرضا لفترة أطول بعد الزواج.

وربما يعود ذلك إلى أن طبيعة الحياة الزوجية الجديدة تلائم تلك النوعيات من الأشخاص، برغم أن هذه النتائج أيضا لازالت بحاجة إلى مزيد من الدراسة لتأكيد ذلك.

أما فيما قد يشاع بين الناس بأن كلا الطرفين “المتزوجين”، قد يتطبعان بالصفات الشخصية للطرف الآخر مع مرور السنين على زيجتهم، فقد تمكن الباحثون من جامعة ولاية ميشيجان، من تقييم السمات الشخصية لأكثر من 1,200 متزوج، ليصلوا في النهاية إلى أن كل ما يقال ليس هناك أية دلائل علمية تؤكده، ففي حقيقة الأمر فإن الشخصيات التي تتشابه من حيث السمات الشخصية تتقارب بشكل يميل إلى الزواج، وقد يستمرون على ذلك بنفس التشابه فيما بينهم طوال فترات الزواج، وهذا ما يعطي ذلك الانطباع.

وأخيرًا فإن كل ما سردته نتائج الأبحاث التي تناولت موضوع التغيرات الشخصية التي تحدث بسبب الزواج، أشارت إلى أن الزواج بالفعل قد يترك آثارًا خفية في الشخصية دون أدنى شك في ذلك.