العدسة – باسم الشجاعي

دائما ما تعمل دولة الإمارات العربية المتحدة على إشعال النار في المنطقة الخليجية؛ حيث لم تكتف بإشعال فتيل الخلافات وافتعال الأزمات مع قطر، بل تسعى أيضًا إلى جر الدول المجاورة إلى الانقسام، وخاصة التي تقف على الحياد من أزمة الدوحة، مثل سلطنة عُمان.

ومن المعروف أن سلطنة عمان، رغم التزامها الصمت تقريبا، في الأزمة الخليجية القطرية، لا تنظر بارتياح إلى التصعيد السعودي الإماراتي ضد قطر، ولا اليمن.

وفي هذا الإطار كشف حساب يدعى “بدون ظل” على موقع التدوينات المصغرة “تويتر”، عن اتفاق غير معلن بين أبوظبي والرياض، يهدف لضم قطر وسلطنة عمان لدولة لإمارات والكويت والبحرين للسعودية.

وقال الحساب الذي يعرف نفسه على أنه ضابط بجهاز الأمن الإماراتي، في سلسلة تغريدات له: إن “الأجهزة الأمنية في سلطنة عمان وضعت يدها على وثائق وتسجيلات تؤكد تدخل ولي عهد أبوظبي “محمد بن زايد” في التأثير على أهالي “مسندم”، بهدف استمالتهم لصالح الإمارات وتحريضهم للمطالبة بالانفصال عن سلطنة عمان”.

وألمح إلى أن السلطان قابوس انزعج بعد أن انكشف الأمر؛ مما دفع “محمد بن زايد”، لاستدعاء قائد الانقلاب المصري “عبدالفتاح السيسي” من أجل تهدئة الوضع، وكانت زيارته الأولى لسلطنة عمان في فبراير الماضي، من أجل التوسط وعدم كشف الأمر، خاصة وأن هناك خلافًا لم ينته مع قطر.

ليست الأخيرة

ما كشفه “بدون ظل”، ليس المحاولة الأولى لاستفزاز الإمارات سلطنة عمان وجرها إلى بؤرة الصراعات، فللمرة الثانية على التوالي، وفي ظرف زمني لا يتجاوز الشهرين؛ عرضت شركة إماراتية إعلانًا ترويجيًّا لها، وضعت خلاله خريطة تضم محافظة “مسندم” العمانية إلى الحدود الإماراتية.

وتداول نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أمس “الاثنين” 19 مارس، مقطع فيديو للإعلان الترويجي، صادرًا عن شركة إماراتية، وتعمد إزالة محافظة “مسندم” من خارطة سلطنة عمان، وضمها داخل الحدود الإماراتية.

والفيديو الترويجي الذي تعمد ضم “مسندم” للإمارات، أشعل موجة غضب لدى المغردين العمانيين، الذين أكدوا أن الهدف هو شن حرب على عمان.

كما سبق وأن نشر متحف “اللوفر” في مدينة أبوظبي، خريطة مشوهة، استقطعت محافظة كاملة من السلطنة العمانية، وأتبعتها للإمارات؛ حيث تبدو في الخريطة محافظة “مسندم” الواقعة شمالي عُمان جزءًا تابعًا لدولة الإمارات المتحدة.

خلافات قديمة

خريطة “اللوفر” وما كشفه حساب “بدون ظل”، وإن كانت نقطة الخلاف الأحدث بين الإمارات وعمان، إلا أنها ليست الوحيدة بينهما، فالعلاقات بين الطرفين لم تكن على خير ما يرام، منذ يناير عام 2011، و ذلك عندما اكتشفت السلطات العمانية شبكة من الجواسيس تعمل لصالح الإمارات، وذكرت حينها أن الشبكة كانت تتجسس على الحكومة والجيش العماني.

وبعيدًا عن أزمة التجسس، شابت العلاقات بين الطرفين العديد من الأزمات، بعضها جاء على خلفية تحركات مشبوهة للإمارات، هدفت من خلالها إلى السيطرة على محافظة المهرة شرق اليمن، والحدودية مع سلطنة عمان، في مسعى لإيجاد موطئ قدم لها في منطقة محاذية لأهم المضائق البحرية “هرمز”.

عقاب إماراتي

وبالبحث عن الأسباب حول الاستفزازات الإماراتية لسلطنة عمان، تبين أن ذلك يعود لعدة أسباب؛ منها اصطفاف مسقط إلى جانب الكويت في الأزمة الخليجية التي خلفت حملة عقوبات وقطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر، إذ لم تتخذ السلطنة موقفًا مؤيدًا للمحور الرباعي الذي شكلته كل من “الإمارات والسعودية والبحرين ومصر”، وإن كان دورها أقل وضوحًا في المفاوضات وجهود الوساطة بشأن الأزمة من الكويت.

كما أن الإمارات تتذرع في عدوانها الخفي على سلطنة عمان، بالاتهامات المباشرة التي وجهتها أبوظبي للسلطنة بتهريب الأسلحة والمعونات لجماعة أنصار الله الحوثي، عبر منفذي ميناء نشطون وصرفيت على الحدود في محافظة المهرة اليمنية.

ولعل ما أزعج الإمارات أيضا من سلطنة عمان، استيراد مسقط عتادًا عسكريًّا تركيًّا؛ ضمن إطار اتفاقية تم توقيعها عام 2015 بين الجانبين؛ حيث من المخطط أن يقوم الجانب التركي بتزويد قوات السلطنة العمانية بـ 172 عربة مصفحة من هذا النوع، حتى عام 2020، مضيفة أن هذه المجموعة تشمل مدرعات “بارس 3- 8×8″ و”بارس 3- 6×6” متعددة المهام، لتكون مسقط ثاني دولة تتسلّم عتادًا تركيًّا بالخليج العربي بعد قطر.

لماذا “مسندم” العمانية؟

لمحافظة “مسندم” أهمية كبيرة لدى الإمارات؛ حيث تقع في أقصى شمال البلاد، وتغطي ما يقارب 3000 كم من المساحة الاجمالية للسلطنة، ويفصلها عن بقية المناطق شريط من أراضي دولة الامارات العربية المتحدة، ويمثل موقعها على مضيق هرمز أهمية إستراتيجية؛ كونه يقع على رأس أحد أهم خطوط الملاحة البحرية في العالم.

فالإمارات كانت بدأت قبل عدة سنوات مشروعاً سياسيًّا إستراتيجيًّا تعدى حدود الطموح الاقتصادي بكثير؛ حيث تسعى للسيطرة على الموانئ المطلة على البحر الأحمر والقرن الإفريقي.

والناظر إلى خريطة الملاحة والموانئ في الشرق الأوسط والقرن الإفريقي، سيلاحظ امتدادًا إماراتيًّا توزع ما بين اليمن والقرن الإفريقي ومصر على استحياء، بعيدًا عن مناطق نفوذ السعودية التي تركت لها الإمارات “قيادة” الخليج والعالم الإسلامي، لتخلق لنفسها دورًا أشد أهمية وتأثيرًا خارج محيطها الإقليمي الخليجي المليء بالنزاعات ومحاولات السيطرة.