العدسة – ياسين وجدي:
الموالاة تصر على الدفع به إلى سدة القرار حتى آخر رمق ، وشعب بلاده حائر ، بينما المعارضة لم تحسم موقفها بعد في إطار المواجهة ولكن لديها بعض الأوراق .. إنه الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة البالغ من العمر 81 عاما والممسك بزمام السلطة منذ 1999 دون بوادر إيجابية للرحيل الاختياري.
السيناريوهات البديلة شحيحة في ظل السعي المحموم لتمرير انتخابات الرئيس العجوز الذي ينتظر الموت بين لحظة وأخرى وفق مقتضيات السن ، ولكنها باتت ملحة بحسب المراقبين لتخطي الجزائر حالة الجمود السياسي والفشل الذريع الذي ترزح تحته ، وهو ما نتوقف عنده.
تدخل “الجيش” !
سيناريو تدخل الجيش في اللحظات الأخيرة ، لازال له بريقه رغم تسارع نفي طلب استدعائه والتحذير من ذلك بين فرقاء المشهد ، ولكن بات اسمه خيارا مطروحا.
وفي يوليو الماضي ، بدأ ظهور الجيش كرقم في الحديث السياسي ، بعد مبادرة “التوافق الوطني” التي أطلقها رئيس “حركة مجتمع السلم” الجزائرية المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين عبد الرزاق مقري ، حيث تحدث البعض عن أنها مغازلة للجيش وطلب للحضور، غير أن الرجل سرعان ما نفى هذه التحليلات مؤكدا أن “حركة مجتمع السلم لا تريد إقحام المؤسسة العسكرية في شؤون السياسة، وإنه تم فهم رسالته بالخطأ”.
الجيش يتدخل بحكم الواقع ، ولكن بحسب مقري لابد ألا يدخل البلاد في المتاهات السياسية ، وهو ما قاله رئيس حركة مجتمع السلم” الجزائرية بوضوح : “نحن نطالب بعدم مساعدة الجيش لطرف على الآخر، وقائد أركان الجيش عليه أن يضمن عدم تدخل المؤسسة العسكرية في المتاهات السياسية والجميع في الجزائر يعلم أن الجيش كان يتدخل في الانتخابات السابقة لصالح جهة معينة”.
في المعسكر الآخر يقف الأمين العام لحزب “جبهة التحرير الوطني” الحاكم جمال ولد عباس الذي حذر من إقحام الجيش الجزائري في الشؤون السياسية، لكنه في تحذيره أوضح أن الجيش يخضع لأوامر رئيس الجمهورية، وزير الدفاع، القائد الأعلى للقوات المسلحة .
ورقة الجيش حاضرة إذاً علنا بعد أن كانت في الكواليس ، ولايبدو بحسب المراقبين أنها ستتأثر بتصريحات قائد أركان الجيش الجزائري أحمد قائد صالح حول ما قيل عن مبادرة حزب حركة السلم الجزائرية ، والتي دعا فيها إلى عدم اقحام المؤسسة العسكرية في المتاهات، أو الزج بها في الصراعات السياسية مع اقتراب كل استحقاقات وطنية ، لكن وضع 5 جنرالات في الجزائر مؤخرا قيد التوقيف الاحترازي بتهم تتعلق بالفساد قد يغير كل شيء بحسب البعض.
اتفاق سياسي
ويرى متابعون للشأن الجزائري أن إجراء اتفاق سياسي يحدد شكل المرحلة المقبلة حتى ولو استمر بوتفليقة شكلا خيارا متاحا ، قبل أن تواجه الجزائر خلال العام المقبل استحقاقين، الأول في الثلث الأول منها ، وهو التجديد النصفي لأعضاء مجلس الأمة (الغرفة الثانية في البرلمان الجزائري)، أما الثاني فهو الاستحقاق الرئاسي في أبريل 2019.
أصحاب هذا الرأي يرون أن حزب “جبهة التحرير الوطني” الحاكم في الجزائر وافق في وقت ذلك الحديث في أي مبادرة سياسية شرط عدم “تهميش دور الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة في أيّ مبادرة سياسية هدفها البحث عن توافقٍ وطني”.
رئيس حركة مجتمع السلم عبدالرزاق مقري، لم يتجاهل هذه الثغرة ، وقاد مشاورات مع الحزب الحاكم وأطراف المعارضة لبحث أفق الأزمة متعددة الجوانب، ورغم ذلك يبدو أن اسم “بوتفليقة ” ظل بحسب المراقبين مانعا لأي تقدم في أي نقاش سياسي في ظل رفض حزب “مجتمع السلم” إجبار الأحزاب على تسمية بوتفليقة رئيسًا لولاية جديدة، ومع إصرار الحزب الحاكم على إعلانه مرشحا رئاسيا له.
مقري الذي يفضل حمل راية التسوية السياسية على ما عداها وفق مراقبين ، اجتمع في هذا الإطار برئيس الحكومة السابق، علي بن فليس، وهو من ألد خصوم الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، وكذلك رئيس الحركة الشعبية عمارة بن يونس، وانتقدت حركته “حمس” في بيان صدر إثر اجتماع لمكتبها التنفيذي الوطني استمرار التجاذب على السيطرة على السلطة في الأروقة المظلمة بعيدا عن المصلحة الوطنية مؤكدة أن مبادرة التوافق الوطني تمثل مخرجا حقيقيا لمعالجة الأزمة من جذورها، خاصة أنها تمثل مصلحة الجميع، ومنهم مصلحة الذين يتحكمون في قرار الدولة الجزائرية و يسيطرون على مؤسساتها ، في محاولة لاستمرار فتح الأبواب السياسية حتى آخر لحظة.
“الرئيس التوافقي” بات كذلك أحد خيارات المعارضة لتمرير اتفاق سياسي ، بعدما دعت بعض أحزابها في 12 سبتمبر الماضي لمبادرة للتوافق الوطني تهدف إلى انتخاب رئيس جديد للجزائر، يمارس الدبلوماسية الرئاسية في الخارج، ويقود التوافق الوطني، لاختيار رئيس حكومة توافقي، وتشكيل حكومة توافقية واسعة التمثيل، تجمع بين الكفاءة والخبرة والرمزية السياسية.
ثورة جزائرية !
سيناريو صعب للغاية بحسب البعض، فالسياق العام في الجزائر قد لا يرشح لثورة في ظل سعي أكبر أحزاب المعارضة وهو حزب حركة السلم المحسوبة على الإخوان للتوافق في ظل تجارب غير مكتملة للثورات في المنطقة العربية، ولكن لازالت ورقة الثورة مطروحة وفق نشطاء أغلبهم من الشباب .
محاولات إشعال الثورة ، حاضرة ، وقادها نشطاء جزائريون حاولوا الانضمام إلى حراك الربيع العربي بدعوة لثورة في 17 سبتمبر 2011 ضد استمرار بوتفليقة ، لكنها لم تكتمل ، وتوقفت عند انتشار شعارات وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي وقتها لها دلالاتها ، ومنها : “الجزائر حرة بدون بوتفليقة- موعدنا يوم 17 سبتمبر”، ” الثورة الجزائرية ضد عبدالعزيز بوتفليقة ، ” أنا جزائرى ضد التخريب ومع المظاهرات السلمية”، ” الصفحة الرسمية لثورة 17 سبتمبر 2011 في الجزائر”، ” الثورة الجزائرية ضد جنرالات الفساد”، ” ثورة الجزائر قادمة “.
ولم يكن النشطاء وحدهم في هذا المسار ، حيث حذرت زعيمة حزب العمال اليساري، لويزة حنون، في العام 2017 من ربيع عربي في الجزائر، مؤكدة أن استفزاز الحكومة للشعب عبر فرض مزيد من الضرائب “سيفكك كل الجهود التي بذلتها الدولة خلال السنوات الأخيرة من أجل تنمية البلاد على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي، والتي جنّبت البلاد الربيع العربي”.
الانسحاب المستحيل !
وبات انسحاب “بوتفليقة” طواعية في لحظة ضمير واستجابة لنداءات الشعب خيارا شبه مستحيل ولكنه قد يحدث !
طالبت 14 شخصية جزائرية معارضة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة مبكرا بعدم الاستجابة لدعوات ترشيحه لولاية خامسة ، وأطلقت رسالة سياسية أشارت فيها بوضوح إلى موجود مؤامرة كبرى على الجزائر ، وقالت نصا :” إن “قوى خبيثة تجتمع لدفعكم نحو طريق العهدة الخامسة” وحذرت بالقول “ننبهكم إلى الخطأ الجسيم الذي قد تقترفونه إن رفضتم صوت الحكمة الذي يخاطب الضمير في الأوقات المصيرية”.
المراقبون يرون أن بوتفليقة يسير في اتجاه تكرار تجربة بومدين، إذا لم ينسحب بإرادته ، قبل الوقوع في الفخ الذي أوقع فيه بورقيبة نفسه فانتهى “المجاهد الأكبر” بالطريقة التي انتهى بها، حيث رفض الأخير الانسحاب من الحلبة السياسية قبل أن يتقدم به العمر وقبل أن يصبح أسير سيدات القصر ما أدى إلى الانقلاب الذي نفذه زين العابدين بن علي.
انتظار “عزارئيل” !
ويرى البعض أن وفاة “بوتفليقة” قد تشكل مخرجا جيدا من الأزمة السياسية في البلاد ، خاصة أن الحزب الحاكم يتقاطع مع رغبات أحزاب المعارضة في الأبعاد الاقتصادية واستقلال لجنة الانتخابات وليس لديه مشكلة حتى تاريخه إلا في تمرير “بوتفليقة “رئيسا بأي ثمن.
وشهدت الفترات السابقة تدوال شائعات متكررة عن وفاة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ، ويعزز هذا السيناريو الظروف الإنسانية المشابهة للسن الطاعن الذي وصل إليه “بوتفليقة” ، خاصة أن الأخير يخضع لعلاج من مضاعفات داء سرطان المعدة ويتعرض لإغماءات مفاجئة في كثير من الأحيان .
يأتي هذا السيناريو متوافقا مع نشر موقع ” ويكيليكس” برقيات مسربة من الخارجية الأمريكية، أقر فيها دبلوماسيون أمريكيون أن إصابة الرئيس الجزائري من سرطان المعدة في مراحله الأخيرة، وأن نظام الحكم بات مهددا.
ان كل السيناريوهات محتملة لكن بقاء الرئيس مطلب شعبي او تزكية الرئيس لمرشح النظام اما المؤسسة العسكرية تحضى باحترام واسع في الاوساط الجزائرية ولها مهامها الدستورية واد كان تدخلها لحماية البلاد في المرحلة القادمة فمرحبا