يستعد صندوق الاستثمارات العامة السعودي (PIF) للعودة إلى أسواق السندات للمرة الرابعة هذا العام، في مسعى لتأمين التمويل اللازم لتنفيذ خططه الاستثمارية الطموحة محليًا، في ظل استمرار التحديات الاقتصادية التي تواجهها الحكومة. 

يأتي هذا التحرك ضمن جهود متواصلة لجمع السيولة وسط عجز في الميزانية، وتحديات تمويلية تواجه المشاريع الكبرى لرؤية 2030 التي يقودها ولي العهد محمد بن سلمان.

وفقًا لتقرير نشرته وكالة “بلومبيرغ”، فإن صندوق الاستثمارات العامة يقوم بتسويق صكوك لمدة ثلاث سنوات بحجم قياسي، والذي عادةً ما يصل إلى 500 مليون دولار على الأقل. 

وعلى ما يبدو أن ولي العهد السعودي والحاكم الفعلي للمملكة لم يتعلم من الدرس الذي تدفع ثمنه الآن المملكة بسبب المشاريع الضخمة ويتجه من جديد إلى الاقتراض الذي يهدد اقتصاد بلاد النفط.

تكاليف باهظة للاقتراض

تشير المعلومات إلى أن الهدف الأولي للسبريد يبلغ حوالي 110 نقاط أساس فوق سندات الخزانة الأمريكية، ما يعكس تكاليف الاقتراض التي يتحملها الصندوق في ظل الأسواق العالمية المتقلبة.

إلى جانب هذه الصكوك، يسعى الصندوق أيضًا إلى جمع سندات خضراء تستحق في عام 2032، بفارق يصل إلى 135 نقطة أساس فوق سندات الخزانة الأمريكية، مما يعزز من التزامه بمشاريع الاستدامة والطاقة النظيفة التي تعتبر جزءًا من أهداف رؤية 2030.

يُذكر أن شركات كبرى مثل “جولدمان ساكس”، “إتش إس بي سي”، و”جي بي مورجان” تشارك في إدارة عملية الاكتتاب، مما يعكس الثقة الكبيرة التي توليها المؤسسات المالية العالمية في الصندوق السعودي رغم التحديات التي يواجهها الاقتصاد السعودي بشكل عام.

الاقتراض في سياق التحولات الاقتصادية

يشهد صندوق الثروة السيادية فترة نشطة من الاقتراض هذا العام، حيث جمع بالفعل 7 مليارات دولار من خلال بيع سندات بالدولار مرتين خلال 2023، بالإضافة إلى 650 مليون جنيه إسترليني (850 مليون دولار) من إصدار بالجنيه الإسترليني في يونيو الماضي. كما قام الصندوق بإعادة تمويل قرض بقيمة 15 مليار دولار، ما يعكس استمراره في الاعتماد على الأسواق المالية لتلبية احتياجاته التمويلية.

في إطارهذه الجهود، حصل الصندوق أيضًا على حصة إضافية بقيمة 164 مليار دولار في شركة “أرامكو” السعودية، وهي خطوة تهدف إلى تعزيز قدراته المالية ودعمه لتحقيق طموحات رؤية 2030. هذا الاستثمار الضخم في “أرامكو” يعكس سعي الصندوق للاستفادة من ثروات الطاقة السعودية، رغم التحديات المتزايدة التي تواجه أسعار النفط والاستثمار الأجنبي المباشر.

تحديات مستقبلية وتمويل المشاريع الضخمة

يعد صندوق الاستثمارات العامة أحد الأدوات الأساسية في استراتيجية ولي العهد محمد بن سلمان لإعادة تشكيل الاقتصاد السعودي بعيدًا عن اعتماده التقليدي على النفط. وبينما يسعى الصندوق لتنفيذ مشاريع ضخمة مثل مدينة “نيوم” ومشاريع البنية التحتية العملاقة، تبرز تحديات تمويلية كبيرة، خاصة في ظل استمرار العجز في الميزانية المتوقع أن يستمر لمدة ثلاث سنوات على الأقل.

كتب باسكال بودي، الخبير الاستراتيجي في “مورجان ستانلي”، أن احتياجات الصندوق للتمويل في عام 2024 تبلغ حوالي 22 مليار دولار، وهو أقل من نصف ما تم جمعه من خلال مبيعات السندات خلال هذا العام. هذا يشير إلى أن الصندوق سيضطر على الأرجح لزيادة مبيعات الديون والاقتراض البنكي كجزء من استراتيجيته لتأمين السيولة المطلوبة.

وفي ظل استمرار التحديات الاقتصادية التي تواجه السعودية، من المتوقع أن تلعب الديون دورًا أكبر في تمويل مشاريع الصندوق، خاصة مع بطء التدفقات الاستثمارية الأجنبية وتراجع أسعار النفط عن المستويات المطلوبة لتحقيق التوازن المالي. يشير التقرير إلى أن غياب ارتفاع كبير في الاستثمار الأجنبي المباشر وأسعار النفط سيزيد من اعتماد الصندوق على أسواق الدين العالمية.

اقتصاد متدهور

تعد المشاريع الضخمة التي يقودها صندوق الاستثمارات العامة جزءًا رئيسيًا من رؤية ولي العهد محمد بن سلمان لتحديث الاقتصاد السعودي وتحويله إلى مركز عالمي للتجارة والاستثمار. ولكن في ظل العجز المستمر وتحديات التمويل، يتساءل بعض المحللين عن قدرة الصندوق على مواصلة تنفيذ هذه المشاريع الطموحة دون الاعتماد المفرط على الاقتراض.

مع استمرار الحكومة السعودية في مواجهة عجز الميزانية، أصبح من الواضح أن مشاريع مثل مدينة “نيوم” و”القدية” تتطلب تمويلًا ضخمًا ومستدامًا. وإذا استمرت أسعار النفط في التراجع، فإن الصندوق سيواجه تحديات كبيرة في تأمين التمويل اللازم دون أن يزيد من ديونه.

الخلاصة أن صندوق الاستثمارات العامة يعتبر عنصرًا حيويًا في الاستراتيجية السعودية الاقتصادية، ولكنه يواجه تحديات كبيرة في جمع التمويل اللازم لمشاريعه الطموحة في ظل العجز المتزايد وارتفاع تكلفة الاقتراض، ومن المتوقع أن يستمر الصندوق في الاعتماد على أسواق الدين العالمية لجمع السيولة، ما يضع تحديات إضافية أمام الاقتصاد السعودي في المستقبل.

 

اقرأ أيضًا : صدمة لبن سلمان.. “رايتس ووتش”: فيلم “حياة الماعز” يعكس انتهاكات لا تزال قائمة