العدسة- معتز أشرف:
كان الاتصال الأول لمحمد بن زايد مقلقًا، زاد الطين بلة الاتصال الثاني لمحمد بن سلمان، فاتصالان متتاليان من دولتين قاومتا حراك الربيع العربي وتضغطا على الأردن للقبول بصفقة القرن- أمر خطير، تدق له أجراس الخطر، وهو ما نرصده ونستشرف توابعه، التي من بينها أن الأردن بعد طرح مشروع قانون ضريبة الدخل ليس كما كان قبله.
مساومة وتحريض!
أجرى الأميران محمد بن سلمان ولي العهد السعودي ومحمد بن زايد ولي عهد أبوظبي مباحثات هاتفية مع العاهل الأردن الملك عبدالله الثاني في يومين متتاليين، تزامنًا مع احتجاجات تشهدها المملكة الأردنية أسفرت عن الإطاحة برئيس الحكومة هاني الملقي دون تراجع عن الاحتجاج في المطالبة بوقف قانون معدل لضريبة الدخل وحل البرلمان.
وكالة الأنباء السعودية(واس) قالت: إنه جرى خلال المباحثات “بحث العلاقات الأخوية بين البلدين وسبل تعزيزها، واستعراض القضايا ذات الاهتمام المشترك، بالإضافة إلى بحث مستجدات الأوضاع في المنطقة، فيما لم توضح تطرُّق بن سلمان لاحتجاجات الأردن، لكن رفيقه محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي كان أوضح فيما نشره في وسائل إعلامه الرسمية؛ حيث أعرب في الاتصالات عن “وقوف الإمارات مع المملكة الأردنية بما يصون أمنها ويحفظ استقرارها”، بحسب وكالة الأنباء الإماراتية “وام”.
وقالت “وام “ إن بن زايد اطمأن من الملك عبدالله الثاني على الأوضاع في الأردن في ضوء الأحداث الجارية، كما تمّ خلال الاتصال بحث “آخر التطورات في المنطقة، إضافة إلى سبل تعزيز العلاقات” بين البلدين.
كواليس الاتصالات رغم أنها اتضحت مع بن زايد، إلا أنَّ تأثيره ميدانيًا ظهر مؤشر سلبي له بالتزامن مع اتصال بن سلمان، حيث نقل شهود عيان بحسب الإعلام المحلي المقرَّب من المحتجين أن مساعد مدير الأمن العام لوح بفضّ اعتصام الدوار الرابع في حال عدم الالتزام بالسلمية، في تطور لافتٍ إلا أنه شدَّد على ضرورة أن تبقى الاحتجاجات في إطارها السلمي!.
علاقة ولدي سلمان وزايد بصفقة القرن ورعايتهما لها، والضغط على الأردن في ظل الأزمة الحالية للقبول بها ضمن رعاية اقتصادية، لمح له دون أن يسمي وزير الخارجية القطري السابق حمد بن جاسم، حيث قال بحسابه الرسمي على “تويتر” بالتزامن مع الاتصالين: هناك دول تستهدف الأردن، تزامنًا مع الاحتجاجات الواسعة التي تشهدها المملكة منذ أيام، وأرجو ألّا يكون مخططًا من دول قريبة، وذلك للضغط على هذا البلد الآمن للقبول بصفقة القرن، وأنا أعرف معاناة الشعب الأردني، وأعرف شحّ موارد الأردن، التي تحتاج منا جميعا الوقوف معه، ولكن أتمنى من الشعب الأردني الشقيق أن ينظر للخراب من حوله، وأن يثق بالملك، وأن يعاتبه ككبير العائلة الأردنية، ولكن يجب الحفاظ على هذا الكيان في هذا البحر المتلاطم”.
قلق من الاتصالات
وفي السياق ذاته انتشر على موقع التواصل الاجتماعي على وسمي الأردن والدوار الرابع معلومات رائجة عن تدخل سلبي للإمارات والسعودية لاحباط التحرك الشعبي، وقال حساب ” فاضح محمد دحلان“: “محمد دحلان أقنع عيال_زايد و آل سعود بمعاقبة الأردن على رفضه لصفقة القرن الأمريكية لتصفية القضية الفلسطينية من خلال قطع المعونات”، وهو ما يتوافق مع أعلنه الملك عبدالله الثاني عندما قال في رسائله: “هناك تقصير من العالم، فالمساعدات الدولية للأردن انخفضت رغم تحمل المملكة لعبء استضافة اللاجئين السوريين، والأردن واجه ظرفًا اقتصاديًا وإقليميًا غير متوقع، ولا يوجد أي خطة قادرة على التعامل بفعالية وسرعة مع هذا التحدي”.
الكاتب الصحفي المصري”جمال سلطان“غرّد خائفًا من اتصالات بن زايد بالعاهل الأدرني، وقال علي حسابه الرسمي علي تويتر: “ولي عهد أبو ظبي يتصل بالعاهل الأردني ويؤكد وقوف بلاده مع الأردن- اللهم احفظ الأردن من مكر الإمارات وشرها، فلا تفعل فيه ما فعلته في عواصم الربيع العربي التي أحالتها إلى دم ونار وأحقاد”.
وقالت ” مــريــم آل ثــانــي” في تغريدة لها: “نصيحة للأردن ابتعدوا عن السعودية والإمارات دول الابتزاز ولي الذراع!، فليس لديكم ما تخسرونه!، تحالفوا مع تركيا والكويت وعمان وقطر والسودان ودول المغرب، فهذه الدول أثبتت مصداقيتها، وسياستها متزنة، حتى لو تم الاختلاف فيما بينهم في بعض الملفات!”
رواية أخرى
للصهاينة رواية لها تفاصيل أكثر، نشرتها صحيفة “يديعوت أحرنوت” العبرية، الأحد، متحدثة عن دور سلبي للسعودية والإمارات، بالاضافة إلى مصر و”إسرائيل” والولايات المتحدة، في المشهد الأردني لعقاب عمان على خروجها من الاتفاق الذي تمّ بين الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية ومصر، في موضوع نقل السفارة الأمريكية إلى القدس”.
وقالت: “ملك الأردن الراحل حسين، ومن بعده ابنه عبدالله، عرفا كيف ينزعا الدعم من الجارات العربيات في الخليج، إضافة للتبرع الأمريكي ومبلغ ثابت من صندوق النقد الدولي وصناديق المساعدات الأخرى، وهكذا أدى الاقتصاد الأردني المتعثر دوره على مدى السنين، ولكن “دفعة واحدة تفكك كل شيء، فالسعودية ولأسبابها، قررت التنازل عن الأردن في مسيرة أعدت مع الأمريكيين، ومصر التي ليس لديها مال زائد جرت خلفها، ومعهما الإمارات”.
وأشارت إلى أنه من غير الواضح ما الذي سبق الآخر، هل سفر الملك عبدالله ومعه ثلاثة من أشقائه إلى تركيا، حيث ألمح للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، “بأنه مستعد للسير معه، إلى جانب غمزة كثيرة المعنى للإيرانيين والقطريين، أم أنَّ الملك بدأ يبحث عن شركاء جدد حتى قبل أن يصل إلى أنقرة، حين فهم بأن السعوديين قد ألقوا به”، وفق الصحيفة.
وأضافت “يديعوت” أن “غضب الولايات المتحدة، وإسرائيل والسعودية تفجر من وقوف الملك عبدالله إلى يمين أردوغان”، في إشارة إلى مشاركة ملك الأردن في القمة الاستثنائية لمنظمة التعاون الإسلامي، التي عقدت بإسطنبول التركية الجمعة 18 مايو الماضي، والتي بحثت تطورات الوضع في فلسطين المحتلة عقب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس.
يتزامن هذا مع حديث وسائل إعلام عن ضغوط يتعرض لها الأردن خصوصًا فيما يتعلق بقضية القدس، حيث أوقفت السعودية في وقت سابق من العام الجاري أكثر من 250 مليون دولار من المساعدات التي وعدت الأردن بها.
استمرار الغضب
ميدانيًا، لابدَّ من قراءة المشهد بحسب المحتجين حتي نستشرف توابع الضغوط السعودية والإماراتية علي العاهل الأردني، فمن جانبه علق الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي محمد عواد الزيود على نبأ تكليف الدكتور عمر الرزاز لتشكيل الحكومة الجديدة قائلًا: “سلملي على السيادة الوطنية”، وفي منشور له عبر موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، قال الزيود: “جماعة وادي عربة، يسلمون الراية لجماعة بنك النقد الدولي سلملي على السيادة الوطنية”، حيث إنَّ الملقي كان ضمن المشاركين بالمفاوضات التي انتهت بتوقيع اتفاقية وادي عربة مع الاحتلال الإسرائيلي.
وأكدت جماعة الإخوان المسلمين بالأردن أهمية استجابة الحكومة الجديدة لمطالب الشارع الأردني، مشددة على أنه من حق الشعب الأردني الاستمرار في حراكه السلمي والحضاري حتى تحقق بقية مطالبه، معتبرة أن الحل الجذري والفعال لمشكلاتنا اليوم هو بتغيير النهج وليس مجرد تغيير الأشخاص والوجوه، وهو ما رصدته صحيفة “نيويورك تايمز الأميركية” التي قالت إن الأوامر الملكية لم تقنع المحتجين.
يأتي هذا مع تواصل الاحتجاجات والاعتصامات في العاصمة عمان والمحافظات لليلة الخامسة على التوالي بالرغم من استقالة حكومة الملقي؛ حيث تجمع الأردنيون بالقرب من الدوار الرابع للمطالبة بتغيير النهج الاقتصادي وسحب مشروع قانون الضريبة، وحاول المشاركون الوصول إلى الدوار الرابع إلا أنَّ قوات الأمن منعتهم.
وبحسب مراقبين فإنه لا يبدو أن فتيل الاحتجاجات على وشك الانطفاء بعد قبول الملك عبدالله الثاني استقالة الحكومة ظهر الاثنين، فالمحتجون عادوا إلى الشارع مساءً مطالبين بتنفيذ باقي المطالب وعلى رأسها تغيير النهج الاقتصادي، كما أنَّ القصر شهد حراكًا قويًا في الساعات الأخيرة، حيث وضع الملك يضع الكرة بملعب الحكومة القادمة والشعب، وهو ما قد يوحي بقرارات سياسية جديدة قد تصل إلى إجراء انتخابات نيابية مبكرة وهو ما يهتف به الشارع.
اضف تعليقا