يبدو أن الدبلوماسية المصرية في طريقها نحو خسارة معركة جديدة، بعد الفضيحة التي فجرتها نتائج الجولة الأولى لانتخابات مدير عام جديد لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو).
السفيرة مشيرة خطاب، مرشحة مصر، حصلت على 11 صوتًا فقط من إجمالي 58 صوتًا لأعضاء المجلس التنفيذي للمنظمة والمعني بانتخاب المدير العام الجديد، فيما تجرى جولات متتالية على مدار 3 أيام بغية حصول أحد المرشحين على 30 صوتًا (50%+1) فيما تؤول الانتخابات إلى جولة إعادة حاسمة الجمعة المقبل بين أعلى مرشحين اثنين، في حال لم يحسم أحد المرشحين خلال الجولات الثلاث.
وبقدر ما شكلته النتائج من إخفاق مصري واضح، عكست نجاحًا قطريًا كبيرًا بتصدر مرشح قطر “حمد الكواري” الجولة بـ19 صوتًا.
الكاشفة
الطامة الكبرى كانت في تفاصيل توزيع الأصوات التي حصلت عليها مصر في الجولة الانتخابية، وجاءت وفق تحليل نشره حسام نصار المنسق السابق لحملة مصر في اليونسكو، كالتالي:
عدد 1 صوت من أوروبا الشرقية من أصل 7.
عدد 2 صوت من المجموعة العربية من أصل 7.
عدد 2 صوت من أفريقيا من أصل 13.
عدد 3 أصوات من آسيا من أصل 12.
عدد 3 أصوات من أمريكا الجنوبية من أصل 10.
عدد صفر صوت من مجموعة أوروبا الغربية من أصل 9.
خريطة الأصوات هذه تعكس فشلًا ذريعًا للدبلوماسية المصرية التي لم تنجح حتى في الحصول على قدر كاف من أصوات أشقائها العرب أو جيرانها الأفارقة، فيما تمكنت قطر من الحصول على أكثر من نصف الأصوات العربية، واكتسحت القارة السمراء.
الفشل هنا لا يبدو في عدم الحصول على أصوات توازي قيمة مصر الحضارية والثقافية الممتدة في جذور التاريخ ولا احتوائها على ثلث آثار العالم، بل في الترنح الشديد الذي تعانيه في سياق إدارة المعركة مع قطر، باعتبار مصر ضمن الرباعي العربي المحاصر للدوحة.
وزراء خارجية دول الحصار الأربع
في المقابل، نجحت قطر وباقتدار في إدارة المعركة بحرفية شديدة، امتدادًا لنجاحات واختراقات سابقة على مدار الأزمة الممتدة منذ يونيو الماضي، في مجالات شتى ربما يتوجها هذا المجال، لما للمنظمة من قيمة كبيرة في الأوساط الدولية.
بطبيعة الحال، وكالعادة دائمًا، فقد كانت الشماعات التي تعلق عليها مصر فشلها جاهزة، وسخر الإعلام الموالي للسلطة تغطيته في اتجاه الحديث عن مؤامرات وتدخلات وغيره، فيما ألمحت مرشحة مصر إلى الفشل الدبلوماسي.
تقارير إعلامية نقلت، عن مصادر وصفتها بـ”المطلعة”، أن دولًا كبرى عقدت “صفقة سرية” من أجل حشد الأصوات للمرشح القطري في انتخابات مدير اليونسكو بهدف إقصاء مصر.
المصادر قالت: “يبدو أن عملية انتخابات اليونسكو هذا العام ستكشف عن مكائد سياسية وأهداف تتجاوز بكثير مسألة المنافسة على مقعد مدير عام المنظمة”.
وتابعت: “ربما يكون من المفيد أن تسفر تلك الانتخابات عن فوز مرشح قطر، كي يتأكد للجميع مدى انتهازية بعض الدول، وأن يعيد أعضاء المنظمة النظر في جدواها وجدوى ما تضطلع به اليونسكو من مهام أو أنشطة”.
الترويج لهذه المؤامرة، رغم التأكيدات السابقة من الإعلام ذاته، لفرص مصر الكبيرة في حسم النتيجة لصالحها، يحاول تبرير الفشل ويلقي باللوم على مؤثرات خارجية، دون الحديث أبدًا عن ضعف مصر في حشد الأصوات لتأييدها كما فعلت قطر.
مشيرة خطاب
“مشيرة خطاب” قالت في تصريحات متلفزة: إن المعركة لها شقان الأول يتعلق بكفاءة المرشح، والشق الثاني سياسي، مضيفة: “نتيجة الجولة الحالية تدفعنا للتفكير فيما نحتاج إليه خلال جولة الإعادة والتحركات السياسية المطلوبة”.
المرشحة كشفت أن مفاوضات يجريها الوفد المصاحب لها في باريس مع الدول المختلفة لحشد الأصوات، بقيادة سامح شكري وزير الخارجية، وخالد عبد الغفار وزير التعليم العالي.
منسق مصر السابق، توقع في الجولة المقبلة، أن تنسحب كل من: الصين (5 أصوات)، وفيتنام (صوتان)، وأذربيجان (صوتان)، لتنحصر المنافسة بين قطر لتصبح (21 صوتًا) وفرنسا (14) ومصر (17) ولبنان (6).
في الجولتين الثالثة والرابعة توقع “نصار” أن تنسحب لبنان وتذهب أصواتها إما لفرنسا أو قطر، مشيرًا إلى أن الأمل الوحيد لبقاء مصر حتى الجولة النهائية إما انسحاب فرنسا أو الضغط على الدول الأفريقية لتحويل أصواتها من قطر إلى مصر.
المنسق كشف ادعاءات الإعلام المصري بشأن تقدم المرشح القطري بطرق ملتوية، قائلًا: “فرقوا بين قطر ومرشحها”، الذي وصفه بـ”وزير ثقافة من العيار الثقيل” وأن لديه “شبكة علاقات دولية واسعة جدا”.
سجل من المعارك الخاسرة
خسارة مصر الوشيكة لمعركتها في انتخابات اليونسكو، يبدو أنها لن تكون الأخيرة للدبلوماسية المصرية، كما أنها ليست الأولى في عهد النظام الحالي، منذ الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي في يوليو 2013.
الأزمة الخليجية التي لا تزال تلقي بظلالها تعد أبرز تجليات المعارك الخاسرة للدبلوماسية المصرية والتي تكشفها أكثر معركة اليونسكو، بانتصار قطر.
فبينما نجحت الدوحة في التسويق لمواقفها بين الدول الكبرى فاصطف بعضها بجانبها وحيدت البعض الآخر، وفي الأوساط الدولية، فشلت دول الحصار، ومصر أحدها، في تحقيق انتصارات دبلوماسية على الدوحة، وبقيت الأزمة تراوح مكانها.
سد النهضة
سد النهضة.. تلك الأزمة التي تهدد شريان حياة المصريين، كانت الخارجية أو الدبلوماسية المصرية أحد أسباب تفاقمها، إلى الحد الذي يضيق أكثر فأكثر خيارات مصر لمواجهتها.
الخارجية اتُهمت بتمكين إثيوبيا من التلاعب بمصر وإطالة أمد المفاوضات، بينما تمضي أديس أبابا قدمًا في طريق إنجاز مشروعها القومي، بعد أن وضعت مصر أمام الأمر الواقع والذي جسده اتفاق المبادئ الثلاثي في 2016.
ارتباطًا بهذا الملف، فإن الغياب المصري عن العمق الأفريقي بات لا يحتاج لإثبات، وسط صراع محموم على النفوذ بين إسرائيل وتركيا وقطر والإمارات، الأمر الذي يبدد جهودًا مضنية بذلتها مصر طيلة عقود في مساندة أفريقيا خاصة في أزمات التحرر من الاستعمار الأجنبي.
هذا الغياب انعكس بالضرورة على أزمات متعددة أبرزها سد النهضة واتفاقية عنتيبي التي تسعى من خلالها دول حوض النيل إلى حرمان مصر من حوقها التاريخية في مياه النيل باتفاقية جديدة.
وأخيرًا كان الانعكاس على معركة اليونسكو، وفشل مصر في الحصول على أكثر من صوتين من أصل 13 صوتًا أفريقيًا.
خليفة حفتر
وفي ليبيا عمق مصر الغربي المشتعل، لم تكن للدبلوماسية فرصة في التحدث باسم مصر، وفُتح المجال فقط للدور العسكري والمخابراتي، الأمر الذي أسفر عن انحياز مصر لأحد أطراف الأزمة (خليفة حفتر) وفقدان تأثيرها على القضية ككل.
وعلى الرغم من البعد الدبلوماسي المنتظر والذي كان يمكنه أن يلعب الدور الأكبر في أزمة مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني يناير 2016، إلا أن الملف كان قضائيًا بامتياز وغاب عنه الدور الدبلوماسي لأكثر من عام ونصف.
ولعل جهود السياسة الخارجية اقتصرت على محاولة اكتساب النظام لشرعية دولية، في ظل المواقف المترددة حول الاعتراف بنظام ما بعد 3 يوليو 2013.
الدبلوماسية “الأمنية”
وبحساب المقدمات والنتائج، لم يكن هذا الفشل والغياب الرسمي للدبلوماسية المصرية في العديد من الملفات الحساسة، إلا انعكاسًا لسيطرة وتحكم من قبل السلطة السياسية وتحديدًا الرئيس عبد الفتاح السيسي على أمور الوزارة السيادية.
“مؤسسة الرئاسة المصرية انفردت بتحديد السياسية الخارجية المصرية، وتوجهاتها العامة، بما يتناسب مع مصلحة نظام الحكم؛ حيث احتكرت الرئاسة العديد من الملفات التي تراها حيوية”، هكذا خلصت دراسة نشرها في نوفمبر 2016 مركز “الزيتونة للدراسات والاستشارات” بإصداره السادس، ضمن دراسات صدرت تباعًا تحمل عنوان “مصر بين عهدين: مرسي والسيسي – دراسة مقارنة”، تحت عنوان “السياسة الخارجية“.
الإصدار تناول السياسية الخارجية المصرية خلال الفترة من 25 يناير 2011 وحتى نهاية 2015؛ تجاه القضية الفلسطينية، وتطوراتها، كما تحدثت عن العلاقة المصرية – الإسرائيلية، وناقشت السياسة الخارجية المصرية مع أبرز الدول العربية والإسلامية والدولية.
خالد فوزي
سامح شكري
“عانت السياسة الخارجية من غياب الرؤية؛ مما أفقد مصر دورها كفاعل رئيسي في المنطقة، وجعل مصلحتها تدور في فلك النظم الديكتاتورية؛ في الوقت الذي ارتبطت فيه مصالح النظام بتقوية العلاقات مع إسرائيل، والقوى المناهضة للتغيير والديمقراطية”، بحسب الدراسة.
السيطرة امتدت إلى الأجهزة الأمنية وهو ما تجلى فيما نشره تقرير إعلامي، كشف أن 5 من أعضاء السلك الدبلوماسي تم نقلهم للعمل خارج الوزارة مايو الماضي، هم ضمن قائمة تشمل 40 دبلوماسيًا تضغط أجهزة الأمن على الوزارة وتحديدًا الوزير سامح شكري لاستبعادهم.
الضغوط الأمنية المتواصلة لاستبعاد هؤلاء الدبلوماسيين خلال العامين الماضيين، جاءت على خلفية اتهامات ضمنية -لم توجه مباشرة- منها التعاطف مع الإخوان المسلمين، أو التعاطف مع شباب ثورة يناير 2011 وخاصة مجموعة 6 أبريل، أو رفض التحولات السياسية التي أعقبت الإطاحة بمرسي، أو التقصير في الترويج لهذه التحولات أثناء عملهم في الخارج.
اضف تعليقا