الآن بعد أن أصبح كل شيء مكشوفًا، وأعلن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان صراحة عما يريده من واشنطن مقابل تطبيع العلاقات مع إسرائيل – وخاصة الضمانات الأمنية الأمريكية – فإن السؤال المطروح هو: هل يجب على صانعي القرار الأمريكيين قبول ثمن هذا التحالف؟
أولاً، يجب على الجميع الانتباه إلى غرابة هذه الصفقة: تطلب المملكة العربية السعودية من حكومة الولايات المتحدة الالتزام رسميًا بأمن السعودية – وهو أمر تفعله الولايات المتحدة فقط مع حلفائها أعضاء الناتو مقابل خدمات متبادلة- لكن السعودية تريد حماية الولايات المتحدة مقابل شيء لن تفعله لواشنطن، ولكن لشريكها التاريخي، وهو احتضانها لإسرائيل!
يدرك المسؤولون في الرياض مدى عمق علاقة الولايات المتحدة بإسرائيل، وهم يحاولون بلا خجل الاستفادة منها، لقد تعلم السعوديون من الدول العربية الصديقة للولايات المتحدة أنهم إذا عاملوا الدولة اليهودية بشكل صحيح، فيمكنهم الحصول على تعويض جيد من واشنطن، ليس تعويض ماليًا، ولكن الحماية من تهديد إيران.
وحسب القراءات القريبة لسياسة ولي العهد السعودية، فإن يتبع سياسة لها استراتيجية أمنية ذات شقين، بدلًا، من الاختيار بين بكين وواشنطن لتطوير دفاعات أقوى ضد إيران، يعتمد على كليهما، لكن بقدرات مختلفة.
من ناحية الصين، سيختبر الملك المنتظر ما إذا كانت عملاق الاقتصاد الآسيوي، التي توسطت في تقارب سعودي إيراني في وقت سابق من هذا الشهر، قادرة على كبح جماح العدوان الإيراني، إنها خطوة قليلة المخاطر وذكية، إذ تتمتع بكين بنفوذ على طهران، بالنظر إلى اعتماد الأخيرة على الاستثمارات الاقتصادية للأولى وشراء النفط الإيراني.
لكن محمد بن سلمان يعرف أيضًا أن الحلول الدبلوماسية لا أنياب لها، ولها حدودها التي تكبح أي تهور أو قرارات جريئة، لذلك، بعد كل شيء، ليس لدى بكين القدرة أو الرغبة في ردع أو معاقبة إيران إذا تخلت عن وعودها واستأنفت عنفها ضد المملكة العربية السعودية، سواء بشكل مباشر أو من خلال حلفائها من الدول في اليمن والعراق، وبالتالي، فإن المرحلة الثانية من الاستراتيجية السعودية ضرورية – اتفاقية دفاع مع واشنطن.
من ناحية أخرى، العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل ليست في أفضل حالاتها هذه الأيام بالنظر إلى الانزلاق الإسرائيلي الحالي بعيدًا عن الديمقراطية بفضل سياسات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الاستبدادية، والتي يمكن أن تزيد النسبة المئوية الأعلى بالفعل من الديمقراطيين الأمريكيين الذين يظهرون تقاربًا تجاه الفلسطينيين، وفقًا لآخر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة غالوب، لذلك يجب ألا يكون الاقتراح السعودي بداية لواشنطن، بل يجب أن ترتكز المفاوضات، أولًا وقبل كل شيء، على المصالح الوطنية للولايات المتحدة، وليس مصالح إسرائيل.
تتطلع المملكة العربية السعودية إلى الولايات المتحدة لتزويدها بالأمن لأنه بدونها لا يستطيع ولي العهد متابعة خطته الكبرى للتحول الاجتماعي والاقتصادي بفعالية – وهي أولويته القصوى، وفي الواقع، لا يمكن لأي دولة أن تتابع بنجاح إصلاحات شاملة وجذب الاستثمار الأجنبي إذا تعرضت للقصف بالصواريخ والطائرات بدون طيار كتلك الهجمات التي وجهها الحوثيون نحو السعودية على مدار الأعوام الماضية بسبب تدخل بن سلمان في حرب اليمن.
على الرغم من الأهمية الاستراتيجية للتحالف مع السعودية، فإن الولايات المتحدة غير قادرة على ترقية العلاقات الأمنية إلى تحالف كامل، وذلك لأنه لا يوجد إجماع سياسي في واشنطن حول العلاقة الثنائية، التي لا تزال قضية سياسية سامة في الولايات المتحدة، إذ يتطلب تحالف المعاهدة مع أي دولة أجنبية تصديق و “مشورة وموافقة” مجلس الشيوخ الأمريكي، وهو أمر غير مرجح حدوثه بسبب سياسات ولي العهد الداخلية فيما يتعلق بقمع الحريات واستهداف النشطاء.
الحجة الاستراتيجية لإبرام اتفاق دفاع رسمي مع المملكة العربية السعودية واهية، لا تستطيع الولايات المتحدة إنشاء تحالف مع المملكة العربية السعودية أو أي دولة أخرى في الشرق الأوسط (باستثناء تركيا، التي هي بالفعل عضو في الناتو) وتخصيص المزيد من الموارد العسكرية للمنطقة في وقت تركز فيه على منع الصين من أن تصبح قوة مهيمنة في آسيا، لذلك سيكون التحالف العسكري مع السعودية غير حكيم من الناحية الإستراتيجية وغير متوافق مع أولويات السياسة الخارجية الجديدة للولايات المتحدة.
الرياض ليست بحاجة لاتفاقية دفاع مع واشنطن، ما تحتاجه حقًا هو نهج أكثر فاعلية وتنسيقًا للأمن، والذي يمكن بناؤه من خلال العمل مع واشنطن على عناصر مشروع إعادة هيكلة دفاع المملكة، وإجراء تخطيط طوارئ مشترك بين الولايات المتحدة والسعودية، والاستثمار في جميع المتطلبات المؤسسية للدفاع المختص: جهاز يتجاوز المعدات العسكرية.
لنأخذ إسرائيل على سبيل المثال، على عكس المفاهيم الخاطئة الشائعة، لا يوجد تحالف عسكري بين الولايات المتحدة وإسرائيل، ومع ذلك فإن الشراكة الأمنية بين الولايات المتحدة وإسرائيل هي واحدة من أكثر الشراكات الأمنية فعالية في العالم، يجب أن يكون هذا هو النموذج المتبع مع أي دولة أخرى.
الأهم من ذلك، يتطلب الأمن الأمريكي السعودي المشترك أيضًا أن تلتزم الرياض بعدم توسيع تعاونها الاقتصادي والدبلوماسي مع بكين – وهو ما لا تستطيع واشنطن ولا يجب أن تحاول إيقافه – ليشمل المجال العسكري الأمني، وهذا يعني عدم وجود استثمارات سعودية في أنظمة الأسلحة الصينية الرئيسية، بما في ذلك الصواريخ الباليستية (الجديدة والمحدثة) والدفاعات الصاروخية والطائرات المقاتلة؛ ولا اتفاق سعودي على أي نوع من الوجود العسكري أو الأمني الصيني في المملكة.
حان الوقت لواشنطن للانتقال من نظام الوصاية الأمريكية في الرياض (والمنطقة) إلى نظام الشراكة الحقيقية، هذا هو تفويض القيادة المركزية الأمريكية وتركيزها الآن، لقد ولت أيام عملية عاصفة الصحراء، عندما قامت الولايات المتحدة بكل التخطيط العملياتي والغالبية العظمى من القتال لتحرير الكويت والدفاع عن المملكة العربية السعودية من جيش صدام حسين، اليوم، تحتاج واشنطن من شركائها الإقليميين لإضفاء المزيد من القوة على اللعبة.
لدى المملكة العربية السعودية فرصة كبيرة لرفع مستوى علاقاتها الأمنية مع الولايات المتحدة، حتى أن لديها بعض النفوذ لدفع واشنطن في هذا الاتجاه، لكن يجب على الرياض ألا تبني عرضها لواشنطن على المصالح الإسرائيلية، لأنه لن يكون لهذا العرض التأثير الكافي على الرأي العام والسياسة الأمريكية في واشنطن.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا