العدسة : محمد العربي

على غير المتوقع وجه الاتحاد الأوروبي ضربة موجعة للمملكة العربية السعودية بتصنيفها خطرا على بلدانه واتهامها بدعم الإرهاب على مستوى العالم وهو الإجراء الذي لم تعلق عليه السلطات السعودية حتى هذه كتابة هذه السطور إلا أنها تعكس في نفس الوقت أن المملكة الغنية بالنفط أصبحت على رادار النهب والطمع الأوروبي في ظل رغبة أوروبا في الحصول على جزء من الكعكة التي تقدمها السعودية يوميا للإدارة الأمريكية التي كانت سباقة في اتخاذ مثل هذا الإجراء ضد المملكة عام 2017 والذي نتج عنه الاتفاق الشهير بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس الأمريكي ترامب في القمة الإسلامية الأمريكية .

الأسباب المعلنة !

وفقاً لمحللين فإن الاتحاد الأوروبي اتخاذ قرار وضع السعودية ضمن مسودة قائمة بالدول التي تشكل خطراً على التكتل نتيجة لما اعتبره الاتحاد تراخيا في  السيطرة على تمويل الإرهاب وغسل الأموال.

وجاء ذلك كرد فعل على فشل فريق ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في الحصول على عضوية قوة مهام التحرك المالي، في سبتمبر الماضي، بعد ثبوت عجزها عن محاربة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، حيث اعتبرت قوة مهام التحرك المالي أن اتخاذ الحكومة السعودية خطواتٍ لتعزيز جهودها في التصدي للكسب غير المشروع وإساءة استخدام السلطة، “لا تحقق أو تحاكم بشكل فعال الأفراد المتورطين في أنشطة غسل الأموال على نطاق أوسع ولا تصادر عائداتِ الجريمة في الداخل أو الخارج”.

وبحسب وكالة “رويترز” فإن هذا القرار ارتبط بالحملة الدولية للضغط على السعودية بعد تورط ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في مقتل الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية باسطنبول، حيث نقلت “رويترز” في عدة تقارير صحفية أن المملكة لم تتعاون مع المحققين الدوليين في عملية اغتيال “خاشقجي” وهو ما يمثل إزعاجا للأوروبيين في إطار حرب النفوذ الخفية بين واشنطن والقارة العجوز.

ويشير مراقبون إلى أن وضع السعودية في القائمة الأوروبية الأولية للدول الداعمة للإرهاب بمثابة “جس النبض” لرد الفعل السعودي فيما يتعلق بتقديم المزيد من المميزات لأوروبا وإلا انتقل التصنيف إلى المرحلة النهائية، وانطلاقا من ذلك فإن جذب الاستثمارات التي تعول عليها السعودية في مشروع “نيوم” سوف تكون محل شك في ظل ترقب المستثمرين الغربيين للأوضاع الأمنية في المنطقة العربية المشتعلة وفي القلب منها السعودية التي تتشابك في عدة ملفات ساخنة أبرزها اليمن وسوريا ولبنان ومقتل “خاشقجي”.

ما بين السطور !

ويرى مراقبون أنه رغم تسريب الاتحاد الأوروبي أسباب وضع السعودية في القائمة المبدئية بأنه يرجع لتحديث القائمة بناء على معايير جديدة عكفت المفوضية الأوروبية على تطويرها منذ عام 2017، إلا أن هناك آخرون يرون أن هناك أسباب أخرى منها : قضايا الفساد التي تنتشر في السعودية، والتي تتحدث عنها المنظمات الحقوقية الدولية في تقاريرها.

ويضيف البعض أسباب أخرى يمكن أن يطلق عليها من بين سطور القرار المرتقب في مقدمتها تعيين فريق دولي للتحقيق بقضية خاشقجي، حيث يصنف مراقبون القرار الأوروبي بأنه أحد تداعيات قضية اغتيال خاشقجي التي فجرت انتقادات دولية شديدة للمملكة بالتزامن مع إعلان مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، الجمعة، تعيينَ فريق من ثلاثة خبراء دوليين للتحقيق في مقتل الصحافي السعودي البارز.

كما يأتي القرار كرد فعل موجع بحسب المراقبين مع دعوات غربية حقوقية تزعمتها هيومان رايتس ووتش وآخرين لهم صلات رائجة بالاتحاد الأوروبي من أجل الضغط لإغلاق ملف تعذيب الناشطات الحقوقيات الموقوفات في السعودية وفي مقدمتهن لجين الهذلول .

جاء ذلك متوافقا مع غضبة الاتحاد الأوروبي ضد المملكة العربية السعودية في أغسطس 2018 ومطالبتها عبر بيان رسمي للرياض بإلقاء الضوء على ملابسات احتجاز ناشطات في مجال حقوق الإنسان والاتهامات التي يواجهنها  ، وهو ما دعمه قبل أيام تهديد مجموعة من النواب البريطانيين بنشر “تقرير حقوقي يتضمن تفاصيل سوء المعاملة للناشطات ما لم تسمح لهم الرياض بالاتصال بهن ، بحلول الأسبوع القادم”.

ويرى البعض أن أحد أسباب الموقف الأوروبي الجديد هو الرد على العنجهية السعودية في أزمتها مع كندا ، والتي برزت في هجوم الامير السعودي خالد بن عبد الله آل سعود على الاتحاد الأوروبي، وهو الموقف الذي ترجمه بكلمات محددة عندما خاطب الاتحاد الأوروبي قائلا :” أعلى ما في خيلكم اركبوه”!.

وحسب مراقبين يظل الملف اليمني أحد أبرز الملفات التي تعتمد عليها أوروبا في الضغط على المسئولين السعوديين إما بغرض تهدئة الرأي العام الأوروبي المنزعج من الوضع الانساني المتردي باليمن ، أو بسبب الرغبة الأوروبية في ابتزاز أكثر لبلاد النفط والمال عملا بمبدأ لماذا العم ترامب فقط ؟!  

وفي هذا الإطار كان ترحيب الاتحاد الأوروبي بـ”اتفاق السويد” في منتصف الشهر الماضي ، بين وفد الحكومة الشرعية اليمنية المدعومة من السعودية ووفد ميليشيا الحوثي برعاية الأمم المتحدة، وهي المفاوضات التي يعول عليها الاتحاد الأوروبي في إحداث توازن القوى في المنطقة العربية التي يتصارع أمريكا وروسيا وتركيا وإيران من أجل أن يكون له موضع قدم يستعيد من خلاله بعضا من المميزات التي كان يتمتع بها قبل ظهور أولاد العم سام.

سقطة أوروبية !

ويستدل المراقبون الذين يدعمون الرأي بأن الاتحاد الأوروبي يريد ابتزاز السعودية للحصول على مزيد من المكاسب دون التأثير على مخطط علمنة البلاد  ، بأن ما تم تسريبه من القرار لا يشمل الضغط من قريب أو بعيد على ما جرى مع الدعاة الإسلاميين الذين اعتقلهم “بن سلمان” وقام بتعذيبهم إلى حد أن فارق عدد منهم الحياة تحت التعذيب وآخرهم الشيخ أحمد العماري، ووجود آخرين في حالة سيئة كالدعاة سفر الحوالي وعوض القرني وعلي العمري.

وحسب هذا الرأي فإن اعتقال الدعاة البارزين يتناغم مع رغبات الاتحاد الأوروبي بدعم خطوات ولي العهد محمد بن سلمان لعلمنة السعودية ، ومن هنا يأتي استخدام ورقة تمويل الإرهاب لمزيد من الضغط على “بن سلمان” للمضي قدما دون تراجع في ملف علمنة السعودية، وما يدعم ذلك هذا الدعم الأوروبي غير المسبوق لقضية الناشطات المهتمات بملف حقوق المرأة في السعودية.

تأثيرات القرار

وحسب المتابعين فإن أبرز تأثيرات القرار المرتقب هو العصف بالحملة الإعلامية التي دشنتها السعودية لتدارك توابع اغتيال خاشقجي.

كما يرى المتابعون أن القرار المرتقب يمثل أيضا انتكاسة للجهود التي تبذلها الرياض حالياً لتحسين سمعتها الدولية بتشجيع المستثمرين الأجانب على الاستثمار في خطة تحول ضخمة يعول عليها ولي العهد الشاب محمد بن سلمان وتحسين العلاقات المالية لبنوكها، والتي كان من أبرز خطواتها تعيين وزير المالية السعودي الأسبق إبراهيم العساف الذي كان ضمن “معتقلي الريتز”وزيرا للخارجية.

كما أنه من المتوقع في ظل القرار أن تتعقد العلاقات البنكية بين المملكة وبنوك الاتحاد الأوروبي، إذ سيتعين على بنوك الاتحاد إجراء عمليات تدقيق إضافية على المدفوعات التي تشمل الكيانات من السعودية .