العدسة – معتز أشرف:

في تطور جديد دشنت الدولة القطرية تصعيدًا لافتًا في ضوء تعنت دول الحصار، وأطلقت قذيفة جديدة من منصة المواجهة القانونية ضد السلطات الإماراتية، وفي القلب منها ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، لتكون المعركة الجديدة في غُرَف المداولة في محكمة العدل الدولية في لاهاي في انتظار حكم يرى مراقبون أنه مضمون لقطر.

نرصد لائحة الاتهام وأبرز الانتهاكات التي يرى كثيرون أنها تدين “بن زايد” بعد أن تجاوز كل المبادئ القانونية في حصاره قطر.

لائحة الاتهام

تواجه أبو ظبي ممثلة في ولي العهد محمد بن زايد لائحة اتهام خطيرة أمام محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة، بسبب انتهاكات لحقوق الإنسان وإجراءات تعسفية قامت بها الإمارات ذات تأثير مدمِّر على حقوق القطريين والمقيمين في دولة قطر.

واتخذت الإمارات، خلال الحصار غير القانوني المفروض على دولة قطر سلسلة من الإجراءات العنصرية ضد القطريين بحسب لائحة الاتهام القطرية، فقد شملت هذه الإجراءات طرد جميع المواطنين القطريين بشكل جماعي من الإمارات، وحظرت على القطريين الدخول إليها أو المرور عبرها، وأمرت مواطنيها بمغادرة دولة قطر، وأغلقت مجالها الجوي وموانئها أمام قطر، وتدخلت في العقارات المملوكة للقطريين وقامت بالتمييز ضد الطلاب القطريين الذين يتلقون تعليمهم فيها. كما جرّمت الإمارات أي خطاب يُنظر إليه على أنه “دعم” لقطر، وقامت بإغلاق مكاتب قناة الجزيرة لديها، وحظرت الدخول إلى المحطات والمواقع الإلكترونية القطرية، كما شارك مسؤولو دولة الإمارات في حملة إعلامية واسعة النطاق ضد قطر والقطريين، محرضين على خطاب الكراهية بشكل مباشر.

وبحسب الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري، فإنَّ “الإجراءات غير القانونية التي تفرضها دولة الإمارات العربية المتحدة مزقت العائلات؛ حيث تم فصل الوالدين عن الأبناء والأزواج عن الزوجات. تستحق العائلات أن تتوحد. لقد حرمت الإمارات الشركات القطرية والأفراد من ممتلكاتهم وحرمت القطريين من حقهم في الحصول على التعليم والطب والعدالة في محاكم دولة الإمارات العربية المتحدة”.

الحكومة القطرية عيّنت الدكتور محمد عبد العزيز الخليفي وكيلًا لها أمام المحكمة الدولية، وطالبت في الدعوى الإمارات بتقديم تعويض كامل، بما في ذلك التعويضات عن الأضرار التي لحقت بها بسبب انتهاكات أبو ظبي لاتفاقية القضاء على التمييز العنصري، بالإضافة إلى ذلك، وعلى ضوء الانتهاكات المستمرة، قدّمت دولة قطر طلبًا بالإجراءات المؤقتة تطلب فيه من محكمة العدل الدولية اتخاذ إجراء فوري لحماية القطريين من أي ضرر مستقبلي لا يمكن إصلاحه، فضلًا عن أن تأمر المحكمة الإمارات بإلغاء الإجراءات التمييزية واستعادة حقوق القطريين.

لماذا الإمارات؟!

سبب قانوني محض وراء استهداف قطر للإمارات فقط، دون باقي دول الحصار، ووفق حيثيات طلب قطر إلى المحكمة الدولية، فإن دولة الإمارات هي من قاد هذه الإجراءات التي كان لها تأثير مدمر على حقوق الإنسان للمواطنين القطريين والمقيمين على أرضها، وهو الأمر الذي يمثل انتهاكًا لالتزاماتها بموجب الاتفاقية الدولية الخاصة بالقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري (CERD). وقد انتقدت العديد من منظمات حقوق الإنسان المستقلة تصرفات دولة الإمارات بما في ذلك هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية ومنظمة مراسلون بلا حدود.

وأوضحت أن اتفاقية القضاء على التمييز العنصري (CERD) تعد اتفاقية متعددة الأطراف تُلزم جميع أعضائها بمنع التمييز العنصري والقضاء عليه، بما في ذلك التمييز على أساس الجنسية، وهي واحدة من حقوق الإنسان الأساسية للأمم المتحدة؛ فدولة قطر بالإضافة إلى الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والبحرين ومصر جميعها أطراف في اتفاقية القضاء على التمييز العنصري، ولكن وافقت دولة قطر والإمارات العربية المتحدة على اختصاص محكمة العدل الدولية بموجب المادة 22 من اتفاقية القضاء على التمييز العنصري (CERD) في البتّ في النزاعات المتعلقة بالاتفاقية فيما لم توافق عليه السعودية والبحرين ومصر.

شهود إثبات 

ومن أبرز الشهود على ما ارتكب ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد خلال الحصار الذي دخل عامه الثاني، منظمة هيومن رايتس ووتش التي أكدت في يوليو 2017 أن الحصار المضروب على قطر تسبّب في انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، وأبرزها انتهاك الحق في حرية التعبير وتشتت العائلات وتوقف الرعاية الطبية؛ وانقطاع التعليم، وتشرد العمالة الوافدة من دون طعام أو ماء.

المنظمة لم تكتفِ بإصدار البيانات؛ حيث أصدرت تقريرًا موثقًا أشارت فيه إلى أنَّ باحثيها وثقوا حالات 50 مواطنًا من قطر والبحرين والسعودية، وأكثر من 70 وافدًا أجنبيًا يعيشون في قطر، انتهكت فيها حقوقهم بسبب السياسات التقييدية المفروضة على دولة قطر منذ 5 يونيو 2017، حتى وقت إصدار التقرير في يوليو من ذات العام.

من جانبها أدلت سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش بشهادتها خلال التقرير بقولها: “تنتهك النزاعات السياسية التي يشنها حكام الخليج حقوق سكان المنطقة ممن يعيشون حياتهم بسلام ويعتنون بأسرهم. وُضع مئات السعوديين والبحرينيين والإماراتيين أمام خيار صعب: إما تجاهل أوامر بلادهم أو ترك عائلاتهم ووظائفهم”.

شاهد الإثبات الثاني في هذه الدعوى قد يكون هو منظمة العفو الدولية التي أدلت بشهادتها في أكثر من بيان وتقرير مناهض للانتهاكات ضد قطر، مؤكدة أن السعودية والبحرين والإمارات “تتلاعب” بحياة آلاف الأشخاص في أزمتها مع قطر.

وحذّرت المنظمة منذ بداية الحصار من أنّ طرد المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين للرعايا القطريين على خلفية الأزمة الدبلوماسية مع الدوحة يتسبب بتفكك أسر خليجية وبنشر الخوف والمعاناة، ونقلت عن مواطنين خليجيين طالتهم الإجراءات العقابية روايات موثقة عن أبرز الانتهاكات التي تعرضوا لها، مؤكدة أن العلاقات داخل العائلات الخليجية المختلطة أصبحت “في خطر”، كما انتقدت المنظمة تهديد سلطات الدول المقاطعة لقطر بسجن الأشخاص الذين يظهرون تعاطفًا معها على وسائل التواصل الاجتماعي وفي وسائل الإعلام. وقالت: إنّ هذا الإجراء يمثل “قمعًا لحرية التعبير”.

ولمنظمة مراسلون بلا حدود شهادة مهمة في هذا الإطار حيث وثقت العديد من الانتهاكات بحق حرية الرأي والتعبير من قبل دول الحصار، مؤكدًا أن طلب بعض دول الخليج العربي ومصر من قطر إغلاق شبكة الجزيرة الإعلامية كأحد الشروط لإنهاء الحصار الجزئي المطبق على البلاد “ابتزاز غير مقبول”، رغم أن الجزيرة “قامت بثورة في عالم الإعلام العربي رغم ذلك، منذ تأسيسها عام 1996 من خلال توفير منتدى لكل الاتجاهات السياسية”.

مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان شاهد إثبات مهم؛ فقد ذكرت هجمات دولة الإمارات على حرية التعبير في تقرير لها صدر في ديسمبر 2017 ووصفتها بأنها جزء من “حملة تشهير وكراهية واسعة ضد قطر”.

 شهود النفي

وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، من أبرز شهود النفي بعد إعلان قطر نيتها التحرك قضائيًا ضد دولة الإمارات وزعم عبر حسابه على تويتر” عدم صحة الانتهاكات قائلًا: “نقول إن من تجرأ وكذب في ادعاءاته حول الحج لا تستغرب منه هذا السقوط”، وذلك رغم التوثيق الكبير للانتهاكات الإماراتية وزيف الإشاعات حول موقف قطر من تدويل قضية الإشراف على الحج وفق ما أثبته مراقبون في وقت سابق.

قرقاش زعم في وقت سابق أنَّ “قطر ليست تحت الحصار بل تحت إجراءات عزلة قد تستمر لسنوات”، موضحًا أن الإجراءات المتّخذة ضد قطر عبارة عن إجراءات عزل، إذا أصرّت الدوحة على عنادها، في تناقض واضح.

إدانة مضمونة

الإدانة مضمونة وقد تستغرق سنوات بحسب سوابق محكمة العدل الدولية، وفي هذا الإطار كشفت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية القطرية لولا راشد الخاطر عن أن الدعوى مرتكزة على بُعد قانوني صِرْف، استند على إجراءات قانونية مبكرة، قائلة: “منذ اليوم الأول للحصار قالت إنها لن تألو جهدًا في الحفاظ على حقوق مواطنيها، والفترة الماضية كانت منصبَّة على تجميع الحقائق والوثائق القانونية، ومُنح خلالها الوقت للوسائل الدبلوماسية أملًا في إنهاء الأزمة، لكن في النهاية اضطررنا للتقدم إلى محكمة العدل الدولية”.