بعد عشرين عامًا من أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول، أصبحت أفغانستان مقبرة للطموحات الأمريكية، وبينما تقوم فرنسا بتقليص تواجدها في مالي لفشلها هناك، فهل سيشهد العالم حروبا أخرى بدعوى الإرهاب؟

سؤال طرحه الكاتب جان دومينيك مارشيه في صحيفة “لوبينيون” الفرنسية بعد أن الغرب خرج من أفغانستان منهزمًا في حربه على الإرهاب، ولم ينجح في تحقيق الاستقرار بأي مكان من بؤر الأزمات. 

وقال الكاتب سقطت صواريخ على العاصمة الأفغانية كابول، الثلاثاء20 يوليو/ تموز، بالقرب من القصر الرئاسي خلال صلاة عيد الأضحى، وفي مالي، تعرض الرئيس عاصمي غوتا لمحاولة طعن في مسجد باماكو الكبير.

كما أنه في العراق، أسفر تفجير انتحاري، قبل ذلك بيوم، عن مقتل 35 شخصا على الأقل وإصابة أكثر من 60 في سوق مزدحمة في حي مدينة الصدر الشيعي ببغداد.

وأكد مارشيه أن الفشل واضح، ويقدّم كل من الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وفك الارتباط الجزئي لفرنسا دليلاً على ذلك، بغض النظر عن نفي السلطات.

وأشار إلى أن “حرب العشرين عامًا”، سلط الضوء عليها باحثان فرنسيان هما مارك هيكر وإيلي تينينبوم، في كتاب أوضحا خلاله أن “مرحلة الحرب العالمية على الإرهاب، التي بدأت في 11 سبتمبر / أيلول، تقترب من نهايتها”.

واستخلص الكاتبان درسين هما: “التحذير من المبالغة في رد فعلنا وطموحاتنا المفرطة، وأيضًا ” الاستخفاف بالتهديد والجبن”.

ويرى مارشيه أن مرحلة الحرب على الإرهاب انتهت وستبدأ أخرى وستركّز على مواجهة القوى العسكرية العظمى بدل عناصر متطرفة متفرقة هنا وهناك.

ولفت إلى أن المواجهة الغربية الآن ستكون أمام الصين وروسيا وربما تركيا، وجميع الجيوش الغربية تعيد تشكيل نفسها في هذا الاتجاه والجيش الفرنسي ليس استثناءً، إذ يتجه أكثر فأكثر نحو البحر المفتوح في “المحيطين الهندي والهادئ” ضد الصين.

 

فيتنام الجديدة

ووفقا له فإن الفشل الغربي الأكثر وضوحًا كان في أفغانستان، حيث تتجه طالبان لاستعادة السلطة، بعد عشرين عامًا من الإطاحة بها من قبل الأمريكيين. 

ورأى أنها أطول حرب خاضتها الولايات المتحدة (بصرف النظر عن الحروب الهندية) وعلى الرغم من الوسائل والتكلفة فقد خسرتها، فهذه الحرب بالنسبة لأمريكا فيتنام جديدة لم تحدث ضجة كبيرة.

وتساءل الكاتب هل سيُرى علم طالبان وهو يرفرف فوق كابول في 11 سبتمبر/ أيلول المقبل، في الذكرى العشرين لتفجير مركز التجارة العالمي؟ هذا غير مؤكد، لكن أيام النظام الأفغاني الموالي للغرب تبدو معدودة.

ففي يوم الثلاثاء الماضي، سقطت صواريخ على القصر الرئاسي مع إجلاء معظم الغربيين من البلاد، كما أن المراكز الحدودية بالفعل في أيدي حركة طالبان، التي تسيطر على جزء كبير من الأراضي، الأمر الذي جعل الأوروبيين يخشون تدفقا جديدا للاجئين الأفغان. 

وتساءل مجددا هل ما يحدث بمثابة هزيمة كاملة في مواجهة الإرهاب؟، مجيبا لا، حيث سجل الغربيون نقاطا مهمة، إذ قُتل أسامة بن لادن عام 2011 في باكستان، واستعادت فرنسا في 2013 شمال مالي وتم تفكيك الخلافة الإقليمية لتنظيم داعش في العراق وسوريا بين عامي 2014 و2019.

وذكر أن أجهزة المخابرات الفرنسية مثل نظرائها في الغرب تعتبر الآن أن “التهديد المتوقع” – أي الأعمال الإرهابية الموجهة من الخارج – أصبح منخفضًا للغاية، وهناك تهديد آخر، “داخلي”، قادم من متطرف غير منظم أو معروف لأجهزة الشرطة، أقل فتكًا من حيث عدد الضحايا، لكن محاربته أكثر صعوبة.

ويؤكد مارشيه على أنه إذا هُزم الغرب، فذلك بسبب الإفراط في طموحاته، فبالنظر لماضيه الاستعماري وانتصاره في الحروب الباردة، اعتقد أن بإمكانه إعادة تشكيل المجتمعات الأجنبية.

وذكر أن الغرب خلط بين المعركة – الممكنة والمشروعة – ضد التهديد الإرهابي والقتال الذي خسره مقدما، فبالتدخلات العسكرية الغربية أدت إلى تقوية هذه الجماعات، فالخطأ الاستراتيجي كان عدم المغادرة بسرعة، حيث كان ينبغي للفرنسيين أن يفعلوا ذلك أيضا في عام 2013، خاصة أنه لم يكن هناك أي تهديدات مؤكدة ضد الأراضي الفرنسية من منطقة الساحل.

 

مرحلة جديدة

ونوه بأنه بمجرد رحيل الغرب من أفغانستان، ستبدأ مرحلة جديدة من الحرب الأهلية، وليس هناك ما يشير إلى أن الحل السلمي ممكن، بل على العكس تمامًا، الصراع بين الأفغان مستمر منذ ثلاثة وأربعين عامًا، بدأ عام 1978 بانقلاب شيوعي واستمرت منذ ذلك الحين دون انقطاع.

فالمرحلة الأمريكية، يتابع مارشيه، كانت مجرد لحظة في التاريخ المأساوي لأفغانستان، فخلال عشرين عاما، قُتل حوالي 170 ألف أفغاني، أكثر من ربعهم مدنيون، وقتل 3596 جنديًا غربيًا، بينهم 89 فرنسيًا، يضاف إليهم عدد مماثل من “المتعاقدين”، هؤلاء الأفراد الذين يعملون لصالح القوات الأمريكية، ناهيك عن أن تكلفة هذه الحرب أكثر من 2000 مليار دولار.

وشدد على أن أفغانستان ليست الوحيدة، فكل من الصومال وسوريا وليبيا والعراق ومالي، يوضح فشل التدخل الغربي.

وبحسب مارشيه فإن الجيش الأمريكي يعيد الآن تنظيم نفسه في مواجهة القوة الصينية، ويجر الحلفاء ورائه، لذلك تنوي فرنسا أن تكون حاضرة أكثر فأكثر فيما يسمى بمنطقة “المحيطين الهندي والهادي” ولم يتوان إيمانويل ماكرون عن التذكير بذلك يوم الجمعة خلال زيارته لليابان، كما فعل ذلك في أستراليا، عندما تحدث عن “محور” المحيطين الهندي والهادي.

كما لفت إلى أنه في الآونة الأخيرة، قامت الغواصة النووية الفرنسية Emeraude بدورية في بحر الصين، حيث شاركت سفينة برمائية تابعة للبحرية الفرنسية في تمرين مع اليابانيين والأمريكيين، وليس من المستبعد أن تتجه حاملة الطائرات شارل ديجول في العام المقبل إلى بحر الصين.

وقبل ذلك كانت طائرات أمريكية من طراز F-35 تشارك في تمرين أتلانتيك ترايدنت في الأجواء الفرنسية مع القوات الجوية “تحضيرا للمعارك التي يمكن أن يشارك فيها البلدين معًا”، وهذا بلا شك ليس لاصطياد المتطرفين على دراجات نارية في الساحل.

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا