العدسة – منصور عطية
لم تهدأ الإمارات في محاولاتها الرامية إلى التغلغل والتأثير في أوساط الكيانات الدولية، عبر منظمات غير حكومية، تهدف في المقام الأول والأخير إلى الترويج لسياسات أبو ظبي وتشويه صورة دولة قطر، خاصة بعد الأزمة الخليجية.
وعلى الرغم من الفضائح التي طالت بعض المنظمات والشخصيات المرتبطة بالإمارات في مجال حقوق الإنسان وانتهت بإزاحتهم عن المشهد، إلا أنَّ المحاولات مستمرة ولم تتوقف.
خلية دحلانية
أحدث تلك المحاولات ما كشفه المجهر الأوروبي لقضايا الشرق الأوسط، الذي قال إن أروقة البرلمان الأوروبي والمفوضية الأوروبية في بروكسل وستراسبورج، تشهد مؤخرًا تواجدًا نشطًا لأفراد يتحركون باسم منظمات غير حكومية، تعمل بشكل حثيث على استمالة مساعدين لأعضاء في البرلمان الأوروبي، وبعض العاملين في المفوضية الأوروبية، لحثهم على الانخراط بشكل أكبر في تصدير مواقف لصالح الإمارات والسعودية، ومناهضة لدولة قطر.
تقرير المجهر، أوضح أنَّ هذا الحراك الذي عبر عنه بشكل كبير الأسابيع الماضية – خلال السعي لإزالة اسم الإمارات من قائمة الاتحاد الأوروبي السوداء لدول الملاذات الضريبية – قد نجح حتى اللحظة في استمالة بعض المساعدين لعددٍ من أعضاء البرلمان الأوروبي من دول أوروبا الشرقية، بحسب تقارير إعلامية.
ورغم التاريخ الطويل لتواجد بعض الأفراد داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي، إلا أنَّ وجود هؤلاء الأشخاص لم يحظ حتى اللحظة بتقدير وانتشار كبير لمفاصل صناعة القرار داخل الاتحاد الأوروبي، ولوحظ أن الجديد في هذا الحراك هو الاندفاع غير المحسوب لتلك العناصر، والذي جاء – وفق شهادة الباحث في الشؤون الأوروبية ستيوارت جان – بسبب الموقف الأوروبي الأخير من الأزمة الخليجية التي بدأت مطلع يونيو الماضي، ومساندته موقف قطر بشكل كبير، ورفض الانحياز إلى مواقف دول الأزمة المناهضة للدوحة.
ويبرز من بين الأسماء شخص يدعى “رمضان أبوجزر”، وهو شخصية جدلية عُرفت خلال الأعوام الماضية بلعب دور كبير في تشكيل “الشبكة الدولية للحقوق والتنمية”، وهي شبكة وهمية اتهمت بتبييض الأموال، يرأسها فلسطيني آخر يدعى لؤي ديب، سنأتي لتفصيلها لاحقا.
ويعتبر أبوجزر أحد العناصر المحسوبة على حليف الإمارات القيادي الفتحاوي المفصول محمد دحلان، وكان سعى خلال الأشهر الماضية – بعد اندلاع الأزمة الخليجية – إلى عقد ندوات والتنسيق لبعض الوفود المصرية والإماراتية لأجل اللقاء بمسؤولين أوروبيين، أو أعضاء في البرلمان الأوروبي.
وبذل الرجل خلال الأيام الماضية جهودًا من أجل استمالة عدد من المتدرّبين داخل البرلمان وخارجه، للمشاركة في وفد دولي لمراقبة انتخابات الرئاسة المصرية، وعلى الرغم من أن حضور أبوجزر باهت، إلا أنه واصل الحضور داخل أروقة البرلمان بين الحين والآخر تحت عدة أسماء لمؤسسات سجّلها على الأراضي البلجيكية التي يمتلك جنسيتها، وآخرها “مركز بروكسل الدولي للبحوث وحقوق الإنسان”.
والاسم الآخر- الذي يسعى للحضور بشكل متواتر إلى أروقة المؤسسات الأوروبية – هو علي النعيمي، وهو شخصية محورية في فريق ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، الذي عيَّنه عضواً في اللجنة التنفيذية التابعة للمجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي في يونيو 2017، ويدير جامعة الإمارات.
وأسس النعيمي مع اندلاع الأزمة الخليجية “المركز الدولي للتمييز لمكافحة التطرف العنيف – هداية”، وهو مركز دشن بهدف العمل على ربط قطر بالإرهاب، والسعي لدى المحافل الدولية لتقديم تقارير وإفادات، تدفع باتجاه وصم قطر بدولة راعية للإرهاب.
ويعمل النعيمي هذه الأيام على عقد ندوة في إحدى قاعات البرلمان الأوروبي في بروكسل، لأجل مهاجمة قطر تحت عنوان “الأزمة الدبلوماسية الخليجية: مكافحة تمويل الإرهاب”، عمد من خلالها إلى حشد عدد من الشخصيات المعروفة بمعاداتها للعرب والمسلمين، بينها جاك شيكلر مساعد رئيس المفوضية الأوروبية، وجووست هيلترمان مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية، وجون جاترتر رئيس شعبة مكافحة الإرهاب في دائرة العمل الخارجي الأوروبي.
لؤي ديب.. واتهامات لا تنتهي
في هذا السياق يبقى اسم الفلسطيني “لؤي ديب” مساعد دحلان هو الأكثر ارتباطًا بالأزمات والفضائح، والذي كان آخرها ما كشفته تقارير إعلامية في نوفمبر الماضي، من إنفاقه 10 ملايين كرونة نرويجية في لعب القمار، سحبها من حساب مكتب الشبكة الدولية للحقوق والتنمية التي يرأسها.
وتعود قضية لؤي ديب إلى عام 2015 عندما وجهت له السلطات القضائية النرويجية؛ حيث يقيم ويقع مقر شبكته، تهمة تبييض الأموال وأعمال إجرامية، وفق القانون 317 الصارم جداً في مسائل الجرائم الاقتصادية والاحتيال.
وأفادت المعلومات حينها بتلقي ديب ما يقارب الـ100 مليون كرونة نرويجية (حوالي 21 مليون دولار) من دولة الإمارات العربية، في حساب الشبكة، ولا يزال ملف القضية مفتوحا.
لؤي ديب.. إلى اليمين
ويضيف تقرير الصحيفة أن ديب جاء إلى النرويج عام 2002 كلاجئ وهو من أصل فلسطينى، وكان يعمل حارساً وموزعاً للصحف، ومن ثم أسس المنظمة الحقوقية في 2008، وبدأ تدفق الأموال لحسابها في 2013.
وفي أغسطس 2016 كشفت صحيفة “الجارديان” البريطانية صدور قرار من محكمة نرويجية بإشهار إفلاس الشبكة لامتناعها عن دفع أجور الموظفين، بعد أن دهمت الشرطة النرويجية مقر الشبكة ومنزل ديب في مايو 2015.
وأشارت الصحيفة إلى وثائق قانونية صدرت في النرويج، تكشف أن دولة الإمارات موّلت الجمعية بأكثر من 13 مليون دولار على مدار عامين.
وحسب الوثائق فقد تلقت الجمعية أكثر من 1.6 مليون دولار عن طريق دولة الإمارات عام 2013، والتحويلات ارتفعت إلى 5 ملايين دولار في عام 2014، وأكثر من 6.9 ملايين دولار عام 2015. وفي عام 2013 وحتى عام 2015 كانت أكبر جهة مانحة لشبكة “ديب” شركة مقرها الإمارات متخصصة في أمن المعلومات.
وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أنَّ شركات أخرى سبق لها أن قدمت رعاية للجمعية مثل (قاعود لو)، و(ماي دريم) و(أكشن ديزاين)، دون أن يعرف الكثير عنها وعن حجم مساهمتها.
يزعم ديب أن لديه “شبكة واسعة في الشرق الأوسط، لذلك كان من الممكن بالنسبة لي إنشاء شركة الاستشارات هناك”، مضيفا: “حققنا بعض العقود الجيدة في وقت مبكر”، لكنه رفض الإدلاء بمزيد من التفاصيل، التزامًا بالسرية والقانون الإماراتي.
وتابعت الصحيفة أن أجزاءًا كبيرة من محتويات موقع الشركة مسروق من الشركات الاستشارية المحترفة، وأضافت أنّ هذه الشركات إذا كانت لم تمول جمعية ديب من أرباحها، فإن دورها الأكثر وضوحًا هو أنها كانت تُستخدم كقنوات لإخفاء المصدر الحقيقي للأموال.
ونقلت الصحيفة عن موقع “يور ميدل آيست” قوله إن الإمارات شرعت في حملة عالمية جديدة لتسويق ما أسماه “علامتها التجارية من الاستبداد”، وتحقيق القبول العالمي لتعريفها الاستبدادي للإرهاب الذي يشمل كل شيء، ويرتكز على اعتبار “الإسلام السياسي” مصدرًا للعنف ويجب حظره.
وأوضح تقرير الموقع أن الإمارات تسعى عبر هذه الشبكة الحقوقية لتوسيع وبسط نفوذها الإقليمي عبر “القوة الناعمة”، وتحقيق القبول العالمي بتعريفها الاستبدادي للإرهاب الذي تقصد به الإسلام السياسي.
ويعتبر سجل هذه المنظمة بشأن قضايا حقوق الإنسان مشوهًا؛ حيث يمتدح سجل دولة الإمارات الحقوقي، رغم تعرض أبو ظبي لانتقادات متكررة من قبل منظمات حقوق الإنسان العالمية ووزارة الخارجية الأمريكية، حيث نشرت هذه المنظمة العام الماضي مؤشرًا لحقوق الإنسان صنف دولة الإمارات العربية المتحدة في المرتبة 14 على مستوي العالم وقطر في المرتبة 97، وهو ما قوبل بانتقادات دفعت المجموعة لحذف هذا المؤشر من موقعها على شبكة الانترنت.
سلسلة فضائح لدول الحصار
النشاط الملحوظ للوبي الإماراتي الحقوقي بوجوه جديدة أعاد للأذهان، الفشل الذريع الذي مُنيت به المنظمات الحقوقية التي جندتها دول حصار قطر، من أجل تشويه صورة الدوحة في المنابر الدولية المعنية بحقوق الإنسان وفي مقدمتها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ومحاولة انتزاع أية إدانة ضدها، لكن لم تفشل المنظمات فقط في تحقيق مآربها، بل انتهت مهمتها بفضيحة مدوية، في أعقاب اختتام اجتماعات المجلس والتي استمرت من 11 إلى 30 سبتمبر الماضي.
تلك الفضيحة كشفها تحقيق أجرته “الهيئة المستقلة لمراقبة الأمم المتحدة” داخل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، حيث أدان وجود “تعبئة وضغط سياسيين تمارسهما الإمارات عن طريق إغراق المجلس بمعلومات مضللة، والضغط على المقررين الخاصين التابعين لمجلس حقوق الإنسان، في انتهاك صارخ للقوانين المالية والتجارية السويسرية والأوروبية”.
الهيئة التي تتخذ من جنيف ونيويورك مقرين لها، أعلنت بحسب تقارير إعلامية، أنها تقدمت برفقة حقوقيين سويسريين بطلب إلى الشرطة السويسرية من أجل اعتقال كل من “سرحان الطاهر سعدي” المقيم في سويسرا والمنسق العام لجمعية محلية إماراتية متورطة في تقديم رشى وغسيل أموال تدعى “الفيدرالية العربية لحقوق الإنسان”، إضافة إلى شخص آخر إماراتي الجنسية يدعى “أحمد ثاني الهاملي” يقف خلف ذات الجمعية بجانب منظمة أخرى تدعى “ترندز” للبحوث والاستشارات.
كما تقدمت الهيئة للشرطة السويسرية بتقرير تفصيلي مدعم بالأدلة وإفادات الشهود حول قيام الأشخاص المتهمين بتوزيع رشى داخل الأراضي السويسرية، وداخل مقرات الأمم المتحدة إضافة إلى نقل أموال والعمل بصورة غير قانونية، وطالبت كذلك مجلس حقوق الإنسان بطرد جمعية إماراتية تتواجد دون أي صفة قانونية داخل أروقة المجلس، وترتكب مخالفات مالية وقانونية وتهرب ضريبي.
الهيئة ذاتها اتهمت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان برئاسة الحقوقي البارز “حافظ أبو سعدة”، بالتورط في مشاركة الإمارات في تسييس أعمال مجلس حقوق الإنسان، موضحة أنَّ المنظمة المصرية سهلت عمل “الفيدرالية العربية لحقوق الإنسان” خلال جلسة مجلس حقوق الإنسان السادسة والثلاثين سبتمبر الماضي.
وطالبت الهيئة المستقلة بسحب الصفة الاستشارية للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان، بسبب تلقي رشاوى من الجمعية الإماراتية.
اضف تعليقا