تمر الأزمة الأمريكية الإيرانية -التي استمرت لعدة أشهر في جميع أنحاء المنطقة- اليوم بمشهدين متناقضين يحدثان في آن واحد، فبينما يصل وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، إلى قمة مجموعة السبع في بياريتز، حيث يجري محادثات مع نظيره الفرنسي جان إيف لو دريان، الأمر الذي فتح إمكانية حدوث انفراج أمريكي إيراني بوساطة فرنسية، تقصف إسرائيل على الجهة الأخرى الضاحية الجنوبية لبيروت الواقعة تحت سيطرة حزب الله الشيعي بطائرتين دون طيار.
في الوقت الذي كان يستمع أنصار حزب الله إلى خطاب الأمين العام للحزب حسن نصر الله، في العين (البقاع)، حيث قال أن هذا القصف يعد أول انتهاك لقواعد الاشتباك منذ حرب 2006، أصابت طائرات بدون طيار مجهولة مركبتين تابعتين لميليشيات شيعية تدعمها إيران على الحدود السورية العراقية.
يقول المحللون أن ما حدث في نهاية هذا الأسبوع على الساحة اللبنانية ليس على سبيل المصادفة، بل هو وثيق الصلة بالتطورات الأخيرة في سوريا والعراق، إذ أن إسرائيل غيرت سياستها الاستراتيجية وقامت مؤخرًا بتوسيع مجال عملها ضد إيران ونوابها من خلال استهداف مواقعهم في سوريا والعراق نتيجة لقيام إيران بنقل أسلحتها من سوريا إلى العراق ولبنان.
إسرائيل تحذر إيران: يمكننا مواجهتك في كل مكان
شهدت الجبهة اللبنانية الإسرائيلية نوعًا من الاستقرار النسبي منذ عام 2006، بينما شن الإسرائيليون آلاف الضربات ضد مواقع التواجد الشيعي الإيراني في سوريا في السنوات الأخيرة، كانت حدود لبنان الجنوبية التابعة لسيطرة حزب الله الشيعي بمنأى عن الصراع.
أكد حسن نصر الله، في كلمته، أن هناك علاقة بين حدث في العراق وهجوم الطائرات بدون طيار في لبنان، حيث قال زعيم الحزب الشيعي إن الحال لن يكون بعدم الرد مثل العراق، إذ هدد نصر الله إسرائيل بالانتقام، وقال أن الدولة اليهودية لا تستطيع تغيير قواعد اللعبة دون أن تعاني من العواقب.
لعبة البوكر وحرب الطائرات بدون طيار
أصبحت المواجهة بين طهران وتل أبيب إقليمية بشكل متزايد، في حين أن الإيرانيين لديهم الفرصة لتهديد إسرائيل من عدة جبهات، فإن إستراتيجية إسرائيل لردع إيران تتطور بوضوح منذ الشهر الماضي، إذ قال جو ماكرون، المحلل في المركز العربي في واشنطن، ” إن إسرائيل تقوم بتوسيع مسرحها إلى العراق وربما إلى مضيق هرمز، بالإضافة إلى سوريا ولبنان، وذلك بتشجيع من البيت الأبيض”.
أشارت الصحيفة الفرنسية أن آخر 48 ساعة من المباريات بين بطلتي البطولة إيران وإسرائيل يمكن تلخيصها في “كذاب البوكر و حرب الطائرات بدون طيار”، ففي حين أن الإسرائيليين نادراً ما يتحدثون عن غاراتهم في سوريا، قال الجيش الإسرائيلي إنه شن غارة جنوب شرق دمشق ضد المنشآت العسكرية لقوة إيرانية لمنع حدوث أي هجوم، مما أدى إلى قتل اثنين من مقاتلي حزب الله وإيراني واثنين من الأجانب مجهولي الهوية في الغارة الإسرائيلية، وعلى الجهة الأخرى كانت هناك محاولة لمهاجمة طائرات بدون طيار إيرانية في إسرائيل.
ووفقًا للمرصد السوري لحقوق الإنسان (OSDH)، أنكرت إيران أن مواقفها قد تأثرت، إلا أن صور اثنين من مقاتلي حزب الله اللذان قتلا، انتشرت بسرعة على الشبكات الاجتماعية، ومن جابنه أقر حسن نصر الله بأن مواقع حزبه كانت مستهدفة بين عشية وضحاها في سوريا، لكنه فند الادعاءات الإسرائيلية بأن الهدف هو قوة القدس الإيرانية ووحدة النخبة من حراس سوريا.
أصبح التمييز بين الجبهة السورية والجبهة اللبنانية التابعة لإيران، التي يحترمها حتى الآن الطرفان، أكثر هشاشة، إذ هدد وزير حزب الله بالأمس بالرد على الضربات الإسرائيلية على حزب الله في سوريا من لبنان، حيث أن الزعم الإسرائيلي بأن الطائرات الإيرانية بدون طيار في سوريا تعتزم ضرب شمال إسرائيل تبدو مبالغًا فيها لتبرير ضرباتها في سوريا، لكنه يظهر أن حكومة نتنياهو قلقة بشأن خطة انتقامية إيرانية محتملة ويعتبر أي عمل إيراني بمثابة تهديد مباشر لأمن إسرائيل.
يقول مايكل هورويتز، المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في شركة لبيك إنترناشونال، “هذه العملية، في نظر إسرائيل، عملية دفاعية بحتة، لأن الجيش عمومًا يتواصل دائمًا عندما يحبط هجومًا”.
يذكر أن جيش الدفاع الإسرائيلي نشر أنظمة دفاع جوي مضادة للطائرات في شمال إسرائيل الليلة الماضية، تحسبًا لاحتمال إطلاق صواريخ بعد الانتقام، وعلى الصعيد الدبلوماسي، غادر محمد جواد ظريف، بياريتز، بعد لقائه مع إيمانويل ماكرون، حيث رحبت الرئاسة الفرنسية “بالمناقشات الإيجابية”.
اضف تعليقا