متناسيان الهجمات الشخصية والتهديدات بالاحتلال والدعاية المعادية عبر وسائل الإعلام الخاصة بكل منهما، احتضن كل من أمير قطر الشيخ تميم آل ثاني وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بعضهما البعض بحرارة وهما مرتديان أقنعتهما، يوم الثلاثاء، على مدرج مطار العلا في شمال المملكة السعودية العربية، أثناء وصول أمير قطر للمشاركة في قمة مجلس التعاون الخليجي.
وقد تم عقد قمة المصالحة بين الجارتين، بعد ثلاث سنوات ونصف من الخلاف الذي لم يحسم بعد، ولكن تحت ضغط من الإدارة الأمريكية المنتهية ولايتها، وبفضل وساطة الكويت، قررت كل من السعودية -الدولة الرائدة في الخليج- وقطر -إمارة غاز صغيرة ولكنها ثرية للغاية- دفن الأحقاد.
وقال محمد بن سلمان في افتتاح القمة، إن دول الخليج الست وقعت رسميًا اتفاقية “تضامن واستقرار”، لكنها لم تقدم المحتوى الذي لم يظهر في البيان الختامي.
ومساء الإثنين، أعلنت الكويت أن الرياض تعيد فتح مجالها الجوي وحدودها البرية لقطر، مما يسمح بلم شمل العائلات المعزولة بسبب الحصار، وتخلت قطر في المقابل عن إجراءاتها أمام الهيئات القضائية الدولية.
وقد بدأت هذه العداوة في يونيو 2017 عندما قطعت الرياض وحلفاؤها الإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر العلاقات الدبلوماسية مع قطر وفرضت عليها حصارًا جويًا وبريًا.
فطالما انتقدت هذه الدول دعم قطر للإسلام السياسي الذي تمثله جماعة الإخوان المسلمين، وكذلك علاقاتها بإيران وتحالفها مع تركيا،
ولكن بفضل تنويعها لطرق إمداداتها وذكائها الدبلوماسي الذي لا يمكن إنكاره، تمكنت الدوحة من النجاة من هذا الفخ.
الاكتفاء الذاتي
والمفارقة هنا أن عزلة قطر مكنتها من زيادة استراتيجيتها للاكتفاء الذاتي والتقرب أكثر من إيران وتركيا، وهو عكس ما كان يسعى إليه جيرانها عندما أرادوا محاصرتها، وبهذا تكون الدوحة هي الفائز في هذا التقدم الدبلوماسي.
وقد فرضت عليها “دول الحصار” 13 شرطًا سنة 2017 قبل أن تخفف قبضتها، من بينها إغلاق قناة الجزيرة ومقاطعة إيران والإخوان المسلمين.
ولا يبدو أن الدوحة قد قبلت أي من هذه الشروط، ولن تتخلى قطر عن روابطها الاستراتيجية الآن مع حليفها التركي -الذي لديه قاعدة عسكرية في قطر- ولن تتخلى عن نهج دبلوماسية لا تتماشى مع دبلوماسية السعودية.
ومن جهته صرح محمد بن سلمان أن “هناك اليوم حاجة ملحة لتوحيد جهودنا للنهوض بمنطقتنا ومواجهة التحديات التي تحيط بنا، ولا سيما التهديدات التي يشكلها برنامج النظام الإيراني النووي والصواريخ البالستية وخططه التخريبية والمدمرة.”
وإذا لم تعد قطر مضطرة لدفع مائة مليون دولار سنويًا لطهران مقابل تحليق طائراتها فوق المجال الجوي الإيراني، فلن يتم استخدام الدوحة -التي تشترك في حقل غاز ضخم مع إيران في مياه الخليج- كقاعدة إطلاق لشن هجوم على الجمهورية الإسلامية.
انعدام الثقة ما يزال قائما
بما أنه لم يتم حل الأسباب الأصلية للخلافات بين هذه الدول، فما حصل الآن هو تخفيف لحدة التوتر أكثر من كونه مصالحة إقليمية واسعة النطاق.
وهذا ما يوضحه قول الباحثة السياسية باربرا سلافين من مركز التفكير الأمريكي: “أشك في أننا نشهد تكثيفًا مفاجئًا للتعاون بين دول الخليج التي فشلت حتى في جعل قدراتها العسكرية متوافقة منذ أربعين عامًا، والتي لها مصالح وسياسات متباينة تجاه القوى الخارجية”.
فانعدام الثقة لم يختف فجأة، لا سيما بين قطر والإمارات، فهل ستعيد هذه الأخيرة فتح مجالها الجوي بسرعة أمام الطائرات القطرية؟
تدين أبو ظبي بشدة الدعم القطري لجماعة الإخوان المسلمين وتركيا، بالإضافة إلى أن البلدين في صدام في ليبيا ويشنان حرب نفوذ قاسية على جبهات متعددة لدى حلفائهما الأوروبيين والأمريكيين.
ولم يحضر كل من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي –المناهض للإخوان المسلمين- ولا أمير الإمارات، محمد بن زايد، في القمة الخليجية التي تحتضنها مدينة العلا.
ويشير كوينتين دي بيمودان، المحلل في معهد أبحاث الدراسات الأوروبية والأمريكية، إلى أن “الإمارات هي الخاسرة، لأنها استثمرت الكثير في وسائل الإعلام ضد قطر”.
ومن جانبه يرغب جاريد كوشنر، مهندس اتفاق العلا وصهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أن تحذو القاهرة وأبو ظبي والبحرين حذو الرياض.
وقد أعلن وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود في قمة العلا، أن الإمارات والبحرين ومصر وافقت على “إعادة الاتصال الكامل” مع قطر.
وبالنسبة لمحمد بن سلمان، الداعم الكبير لدونالد ترامب، فإن بداية المصالحة هذه تريح جو بايدن من أزمة بين حلفاء الولايات المتحدة، قبل خمسة عشر يومًا من دخوله البيت الأبيض، وهي خدمة مقدمة للرئيس الأمريكي القادم الذي ينوي تذكير بن سلمان بقضية حقوق الإنسان.
بعد التطبيع الأخير بين الإمارات والبحرين والمغرب وإسرائيل، من المحتمل أن تكون هذه الطفرة الدبلوماسية هي النجاح الدبلوماسي النهائي لإدارة ترامب.
للاطلاع على المقال الأصلي (اضغط هنا)
اضف تعليقا