بالنسبة للدبلوماسي “ميشيل دوكلوس”*، كانت أزمة كوفيد 19 بمثابة “صدمة واضحة” لقادة الاتحاد الأوروبي، من خلال اعتماد خطة إنعاش تسمح “ببلورة الهوية الأوروبية”، خاصة فيما يتعلق بفرنسا التي لم يعد لديها سوي “عدد قليل من الحلفاء الأقوياء”، ما يتطلب سياسات خارجية أكثر اتحاداً مع الدول الأوروبية من الرئيس ماكرون.

في حوار صحفي أجرته الصحيفة مع الدبلوماسي “ميشيل دوكلوس”، يستعرض أهم ما جاء في تقريره “تأثير وباء كوفيد-19 على السياسة الخارجية الفرنسية”، والذي نشره معهد مونتين للدراسات السياسية.

كما يتحدث دوكلوس عن الدروس الجيوسياسية الأولى لوباء كوفيد-١٩ الذي اعتبره “عاصفة عنيفة” ثم يبحث في “هامش سياسات فرنسا”، في مقارنة متملقة مع ألمانيا من حيث المقاومة الاقتصادية للأزمة.

فيما يلي نص الحوار الصحفي:

هل أنت مطمئن بشأن فعالية المشروع الأوروبي في مواجهة كوفيد-19، بينما يتم مناقشة خطة إنعاش كبيرة؟

في خضم العواقب الوخيمة المحتملة للوباء، أحد الأخبار الجيدة القليلة هي الطفرة الأوروبية المحتملة، حيث وراء خطة الإنعاش “التي تبلغ 750 مليار يورو التي اقترحتها المفوضية، بعد مبادرة فرنسية ألمانية”، لن يبرز إنعاش أوروبا فقط، ولكن، ولأول مرة منذ سنوات، ستتبلور الهوية الأوروبية.

قبل ذلك، كنا نتحدث عن أوروبا من حيث المشاريع والميزانيات التي لا تعني الكثير للرأي العام، لكن إنقاذ اقتصاد بلداننا هو أمر يسهل استيعابه الفوري على الجميع.

بالنسبة للحكومات، فإن السوق المشتركة هي العروة الوثقى الحقيقية للاتحاد الأوروبي، وبالنسبة للمواطنين، فهي إعادة إعمار ما بعد وباء كوفيد -19 وإنشاء أوروبا موحدة، ويجب على فرنسا التركيز على هاتين النقطتين، وإخضاع سياساتنا لضرورة جمع الأوروبيين.

لا تزال هناك جوانب مقلقة، خاصة في البلدان الواقعة تحت ضغوط شعبوية جنوبية، مثل إيطاليا، التي ستواجه مشاكل اجتماعية واقتصادية خطيرة في السنوات القادمة.

ليس من المستبعد حدوث أزمة الديون السيادية، ولكن، لأول مرة، يتم رسم خط واضح، وهو الخروج السياسي من الاضطرابات الأوروبية من خلال الاستجابة الفعالة للأزمة.

كيف نفسر التطور المذهل لألمانيا فيما يتعلق بخطة الإنعاش مقارنة بالمواقف الصعبة التي تحملتها خلال الأزمة اليونانية؟

لقد كان وباء كوفيد-١٩ الصدمة التي كشفت لهؤلاء القادة أن مصالحهم لا يمكن فصلها عن مصالح إيطاليا أو فرنسا، وقد وضحت صناعة السيارات لـ ميركل، على سبيل المثال، أن خسارة شمال إيطاليا ستكون قاتلة.

على المستوى الجيوسياسي، تبحث أوروبا عن مكان في العالم، في حين أن المواجهة الصينية الأمريكية تزداد صعوبة … ما تعليقك؟

هنا أيضا، يكشف لنا وباء كوفيد-١٩ العديد من الأشياء، فالأمر هنا يتعلق بإيجاد نوع من العلاقة مع الصين والولايات المتحدة يتوافق مع طبيعة هذين الوحشين العظيمين، وأنا لا أؤمن بفكرة أن أوروبا متساوية بين هاتين القوتين، وسيكون الاتفاق مع الولايات المتحدة ضروريًا لمواجهة الصين، وهو ما لا يعني الانجرار إلى التنافس الصيني الأمريكي.

في أوروبا، لطالما نظرنا إلى الصين على أنها اليابان العظيمة: ذات مصالح اقتصادية ولكن بدون الرغبة في الإسقاطات السياسية، وقد أظهر الوباء أن دولة قوية مثل الصين تميل دائمًا إلى استغلال سلطتها.

إضافة إلى ذلك؛ الطبيعة الحالية للعالم: ليست القوة العسكرية هي التي تصنع الفرق بالنسبة للقوى العظمى، ولكن القدرة على السيطرة، ومن هنا أهمية الفضاء الإلكتروني وخطر الهيمنة التكنولوجية لقوة أجنبية التي يجب علينا تجنبها، وهذا ما تظهره قضية الجيل الخامس “5G”.

ما الذي يجب أن نتوقعه من الولايات المتحدة كحليف… حلفاء أقل موثوقية أكثر فأكثر؟ 

سيعتمد الكثير على الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر، وإذا تم إعادة تعيين “ترامب”، فستواجه أوروبا خصمًا حازمًا على المستوى التجاري وكذلك من حيث التضامن العسكري، وسوف يرغب في إنهاء “الناتو”.

في هذا الصدد، بطبيعة الحال لا ينبغي أن تعطي فرنسا الانطباع بأنها ترى في هذا أمراً يساهم في تحرير أوروبا، علاوة على ذلك، لا ينبغي الاستهانة بتعلق الكونجرس والطبقة السياسية الأمريكية بالتحالف الأطلسي.

أما في حالة إدارة “جو بايدن” المرشح الديمقراطي، سيكون هناك المزيد من التقارب، ولكن هذا لن يلغي الاتجاهات السائدة، حيث يمكن أن تبحث الولايات المتحدة عن مكان جديد، ولكنها ستطالب، كما في الماضي، بمحاذاة كاملة للحلفاء.

سواء كان “ترامب” أو “بايدن”، ستظل مسألة أمننا في محور أزمة الشرق الأوسط قائمة، وستميل أي إدارة أمريكية إلى تقليص القدرات العسكرية للولايات المتحدة في المنطقة، وهذا الانسحاب يمهد الطريق لقوى من الدرجة الثانية.

يقول “إيمانويل ماكرون” إنه يستأنف حواره الاستراتيجي مع روسيا دون سذاجة، ما المخاطر التي تراها هناك؟

أنا أؤيد الحوار، لكني أود أن ننتبه إلى مشهده الذي له تكلفة، فعندما يقضي رئيس فرنسي نصف زيارته الرسمية لبولندا في تقديم مبررات، فهناك خطأ ما هنا، هناك أسباب لمواصلة الحوار، لكنني لا أعتقد أن “بوتين” قادر على تغيير شيء، بعد عشرين عامًا في الكرملين.

هو يرى نفسه على أنه القائد الذي سيستعيد العظمة الروسية ضد الغرب، وكانت أوكرانيا سنة 2014 عنصرا موضحا له، من هناك أعطى الضوء الأخضر لإبرام اتفاقات النفط والغاز مع الصين، ومن هناك أيضاً تم توثيق التعاون العسكري الثنائي بين بكين وموسكو.

في عام 2014، ضمت روسيا شبه جزيرة القرم، ورداً على ذلك، اعتمد الاتحاد الأوروبي مجموعة من العقوبات الاقتصادية، كيف يجب أن يتفاعل الأوروبيون مع ضم محتمل لأجزاء من الضفة الغربية من قبل إسرائيل في صيف عام 2020؟

علاقتنا مع إسرائيل ليست هي نفسها علاقتنا بروسيا، وضع فلسطين في القانون الدولي لا يزال غير واضحاً، بينما من الواضح أن أوكرانيا دولة ذات سيادة، ومع ذلك، يجب أن تفعل شيئا في حالة ضم الضفة الغربية، على سبيل المثال عن طريق تعليق بعض التعاون، كما ذكر “جان إيف لودر يان”.

أما إذا فعلنا غير ذلك، سنعطي انطباعا على أننا نقبل من إسرائيل إجراءات رفضناها عند ضم شبه جزيرة القرم وانقلاب الصين ضد هونغ كونغ.

أمام “إيمانويل ماكرون” أقل من سنتين قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة، ماذا يجب أن تكون أولويات سياسته الخارجية؟

أولويتان متصلتان ببعضهما البعض: البناء على خطة التعافي الأوروبية والبحث عن حلفاء، ففي عالم اليوم، كل شيء يتفتت ويتكسر، ويصبح كل شيء متضاربًا.

فرنسا محاطة بعدد قليل من الحلفاء الأقوياء، وتعاني من العزلة نسبيا، فلم يعد “ترامب” حليفاً لها، ويوجد في أوروبا العديد من الانقسامات، والشرق الأوسط في خضم الفوضى، وليس لدينا حضور كبير في آسيا.

توصيتي هي تعزيز الوحدة الأوروبية إلى أقصى حد، والسعي إلى إقامة علاقة أكثر ثقة مع الإدارة الأمريكية المقبلة، لاستعادة شعور الرفقة مع حلفائنا وشركائنا، ولتعزيز علاقات الشراكة الاستراتيجية في آسيا والنماذج المضادة في الصين، فأنا أفكر في أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية، وفي الهند أيضاw.

يجب أن تعمل دبلوماسيتنا على التحول من الجغرافيا السياسية إلى الجغرافيا الاقتصادية، بالتزامن مع القيام بدور محوري جغرافي في آسيا، ولا يمكننا القيام بذلك بمفردنا، سيتعين علينا إدماج بعض شركائنا الأوروبيين.

*الدبلوماسي “ميشيل دوكلوس” هو سفير سابق في سوريا وسويسرا، وهو مؤلف كتاب “الليلة السورية الطويلة” (2019).

للاطلاع على المقال الأصلي (اضغط هنا)

اقرأ أيضًا: