قالت صحيفة “لوموند” الفرنسية إن الانقلاب الذي قاده الرئيس التونسي قيس في 25 يوليو/ تموز الماضي، وأدى إلى سيطرته على السلطة بشكل كامل، أعاد خلط الأوراق لصالح المحور المصري الإماراتي.
وأصدر سعيد في الراب من الشهر الحالي 24 أغسطس/ آب أمرًا رئاسيا بتمديد تعليق أعمال البرلمان لأجل غير مسمى، مع الإبقاء على رفع الحصانة عن كل أعضائه.
وجاء في بيان أصدره مكتب الرئاسة أنّ سعيد سيتوجه بكلمة للشعب التونسي في الأيام المقبلة، دون توفير المزيد من التفاصيل.
وبحسب الصحيفة فإن الوضع السياسي الجديد في تونس، والذي كان ضحيته الرئيسي حزب النهضة الإسلامي، هو بشرى سارة للغاية بالنسبة للمحور المكون من مصر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، المنخرط في معركة ضد جماعة الإخوان المسلمين، حيث تسعى هذه الدول الثلاث لتقويض أي تجربة ديمقراطية خوفا من وصولها إليهم.
وأشارت إلى أن المسؤولين ووسائل الإعلام في هذه الدول رحبوا بحرارة بـ “الإجراءات الاستثنائية” التي اتخذها قيس سعيد، فيما توالت زيارات كبار الدبلوماسيين إلى تونس العاصمة على مدار شهر، وآخرها كان لوزير الشؤون الإفريقية السعودي يوم 22 أغسطس/ آب.
من ناحية أخرى، تتابع “لوموند”، تراقب الجزائر، من جانبها، “باهتمام كبير، وحتى بقلق”- على حد تعبير دبلوماسي غربي – تطورات الوضع، الذي ستعاني من تداعياته على حدودها في حالة عدم الاستقرار.
وكدليل على قلق الجزائر، قام وزير الخارجية رمطان لعمامرة بثلاث زيارات إلى تونس في غضون شهر فقط.
وعن المستفيدين من الأوضاع الجارية، رأت اليومية الفرنسية أن مصر تحتل الصدارة، إذ يتفق جميع مراقبي المشهد الدبلوماسي التونسي على أن الزيارة التي قام بها قيس سعيد في الفترة من 9 إلى 11 أبريل/ نيسان للقاهرة، حيث استقبله نظيره عبد الفتاح السيسي بحفاوة كبيرة، كانت نقطة تحول، وربما نذير للانقلاب يوم 25 يوليو/ تموز.
وأكدت أنه وفقا لهؤلاء المراقبين عاد الرئيس التونسي من هذه الرحلة مسلحًا بثقة جديدة، متسائلة هل قدم له المشير المصري عبد الفتاح السيسي الذي أطاح بالرئيس محمد مرسي – المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين – في انقلاب يوليو/ تموز 2013، النصح والإرشاد؟
ونوهت الصحيفة الفرنسية بأنه على الرغم من أن طريقة السيطرة بشكل كامل على السلطة مختلفة في مصر عن تونس – حيث لم تسفك الدماء في الأخيرة- لكنها متطابقة في جوانب أخرى: كحشد الجماعات في الشارع التونسي للمطالبة بإقالة حكومة هشام المشيشي- المدعوم من النهضة – باسم إحياء “الثورة” على غرار حركة تمرد في القاهرة.
أقلمة الصراع
ولأن أن هناك تلاقيًا كبيرًا بين البلدين حول إسقاط سلطة “الإسلام السياسي”، أعرب رئيس الدولة التونسية عن دعمه لمصر في صراعها مع إثيوبيا حول سد النهضة – وهو موقف غير مسبوق للدبلوماسية التونسية، فسعيد غير مكترث بالتراث الناصري المرتبط بمصر.
وبحسب “لوموند” فإن في 25 يوليو/ تموز ناتج عن الصراع الداخلي في تونس بين قيس سعيد، مدرس القانون الدستوري الذي انتخب على رأس الدولة عام 2019 وراشد الغنوشي، رئيس للبرلمان، حول الملفات الإقليمية خاصة ليبيا، وقد دفع هذا الخلاف الرئيس قيس سعيد للاقتراب تدريجياً من المحور المصري الإماراتي.
مخاوف في الجزائر
وتقول الصحيفة إن خطر إضفاء الطابع الإقليمي على الشأن التونسي هو بالضبط ما يقلق الجزائر، فخلال زيارته لتونس العاصمة في 24 أغسطس/ آب أكد رمطان لعمامرة، رئيس الدبلوماسية الجزائرية، “رفضه لأي تدخل أجنبي” مع جارته الشرقية، لكن الجزائريين قلقين أيضا من التقارب الجديد لمصر مع سعيد، فالجزائر والقاهرة كانتا ذات يوم يتنافسان على القيادة الإقليمية.
غير أن الوضع الإسرائيلي يعد مصدر توتر إضافي، تقول الصحيفة، حيث قامت مصر وحليفتها الإماراتية بتطبيع علاقاتهما مع إسرائيل (القاهرة عام 1980 وأبو ظبي عام 2020).
ومن المؤكد أن النفوذ المتزايد لهذا المحور في تونس سيحرك الجزائر العاصمة، التي لديها صارع بالفعل مع المغرب، فوفقا لمحلل تونسي “كونك محاطًا بقوى إقليمية قامت بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل يحرج الجزائر”.
والقلق الأخير، وهو الخوف من انتهاج سعيد سياسة قمعية مناهضة للنهضة في تونس، على غرار ما يحدث في مصر ضد جماعة الإخوان المسلمين، وهذا لا يناسب مصالح الجزائر، التي لا تريد قبل كل شيء سقوط جارتها في فخ العنف بين الإسلاميين ومعارضيهم، وهو ما يذكرنا بما شهدته الأخيرة في التسعينيات.
ويعتقد وزير سابق أن “سعيد لن يشرع في القضاء على النهضة، لأن الجزائر ستقوم بإقناعه حول هذه النقطة”.
للإطلاع على النص الأصلي اضغط هنا
اضف تعليقا