في مقال لهما بصحيفة “لوموند” الفرنسية سلط آدم باتشكو، باحث بالمركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، وجيل دورونسورو أستاذ العلوم السياسية في جامعة باريس 1، الضوء على الأسباب التي أدت إلى انسحاب القوات الغربية من أفغانستان.
وقال الباحثان: إذا كان انتصار طالبان في الأشهر القليلة المقبلة يبقى محتملا، فقد تميزت هزيمتنا بإعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن عن الانسحاب الكامل لقوات بلاده في 11 سبتمبر/ أيلول 2021″.
وأضافا “على الرغم من الخطاب المتفق عليه بشأن (النصر) الأمريكي، إلا أنه لم يتحقق أي من الأهداف التي تم تحديدها قبل عشرين عامًا”، مشيرين إلى وجود المئات من مقاتلي القاعدة على الأراضي الأفغانية، وأيضا تنظيم “داعش” الذي تأسس عام 2014.
وأكدا على أن الانتخابات في هذا البلد لطالما فقدت مصداقيتها بسبب عمليات التزوير واسعة النطاق، كما أن النخب الأفغانية فاسدة بما يفوق الوصف، والمخدرات أصبحت هي المورد الاقتصادي الرئيسي للبلاد.
ونوها الباحثان بأن التطورات القليلة – كحقوق المرأة وحرية الإعلام – تعرضت للتهديد لعدة سنوات وستختفي بسرعة مع الانسحاب النهائي للقوات الغربية.
وتساءلا كيف يمكن أن يخسر أكبر تحالف عسكري في العالم “الناتو” هذه الحرب على الرغم من إنفاق أكثر من 2 تريليون دولار، ومقتل أكثر من 3000 جندي وجرح عشرات الآلاف؟
ورأى باتشكو ودورونسورو أن الجدل العام حول هذه القضية هزيل، لأن هذه الهزيمة، التي سنعاني عواقبها في الأشهر والسنوات المقبلة، بالكاد تثير الرأي العام.
مقبرة الإمبراطوريات
وتابعا “من السهل إذا إلقاء الغرب بهذا الفشل على الحالة الاستثنائية لأفغانستان”، وتساءلا مجددا”: بعد كل شيء، أليست أفغانستان “مقبرة الإمبراطوريات”؟
لكن وفقا للباحثين، فإن الهزيمة في أفغانستان، مثل الكارثة في سوريا والعراق وليبيا، هي نتيجة لاستراتيجية معيبة، ونظرة عالمية متحيزة وآليات تدخل غير فعالة، وبالفحص نجد أن هناك خمسة عناصر أساسية.
أولاً، جعل التحالف من أفغانستان دولة قبلية، ومحلية في مصلحتها، وغير سياسية بشكل أساسي ولديها حساسية من الدولة.
أي أن الغربيون احتفظوا فقط من بلد اجتاحته التيارات الثورية، وخضع لتحول اجتماعي سريع للغاية – تكاثر المشردين داخليا واللاجئين، والتحضر السريع، وولادة طبقة وسطى حضرية – بصورة أفغانستان “التقليدية” والمقاومة لأي سلطة الدولة.
وأوضحا أن ما أدهشهم، على العكس من ذلك، هو المطالبة بالدولة التي تم التعبير عنها في أفغانستان، ولا سيما القضاء والشرطة، والتي للأسف لم يعتبرها التحالف أولوية.
ثانيًا، لم يبذل التحالف، بحسب الباحثان، أي جهد لفهم التمرد، والتوصيفات التي طبقت عليه – “قبلية”، “عرقية”، “قديمة”، “من القرون الوسطى”- من قبل معظم الخبراء والجنود والتي تشير إلى جهل مأساوي بواقع هذه الحركة.
ولفتا إلى أنه كان ينبغي من خلال تنظيم نظام قضائي بديل، وتناوب الكوادر بين المناطق، وفعالية الدعاية الموجهة إلى السكان الأفغان، على وجه الخصوص، أن تنبه المسؤولين العسكريين والسياسيين إلى إمكانات التمرد في وقت مبكر من عام 2003.
ووفقا لهما فإن هذا العمى يفسره جزئياً بعض القرارات الإستراتيجية الكارثية، لا سيما عدم القدرة على توقع تقدم طالبان خارج مناطق البشتون في الجنوب والشرق وتجنيد الأوزبك والطاجيك.
علاوة على ذلك، فإن الأبحاث حول الانقسامات الداخلية في طالبان، على الرغم من أنها ربما تكون تناولتها بكثرة شركات الخدمات الاستشارية، لم تكن لها أهمية عملية على الإطلاق.
الاعتقالات التعسفية
كذلك لم تتمكن الولايات المتحدة من صياغة استراتيجية متماسكة، يقول باتشكو ودورونسورو، فمنذ بداية التدخل الأمريكي، كانت السياسة الباكستانية جوهر المشكلة الأفغانية، إذ أنه منذ ظهور حركة طالبان عام 1994، دعمتها باكستان، جزئياً بسبب علاقتها العدائية مع الهند.
وإذا أدت عمليات التحالف في أفغانستان إلى تعطيل حركة طالبان، فإن قيادة الحركة كانت محمية من الضربات الأمريكية، لذلك فإن جميع عمليات مكافحة التمرد محكوم عليها بالفشل بسبب سهولة اختراق الحدود الأفغانية الباكستانية، لكن الإدارات الأمريكية المتعاقبة، بالاتفاق مع البنتاجون، لم تمارس الضغط اللازم على إسلام أباد.
علاوة على ذلك، يرى الباحثان، أن تكاثر عمليات القوات الخاصة خارج أي إطار قانوني هو عنصر أساسي في تحول السكان الأفغان.
كذلك فإن الاعتقالات التعسفية التي يتبعها أحيانًا التعذيب، وتشكيل ميليشيات ذات ممارسات وحشية (على سبيل المثال، تلك الخاصة بوكالة المخابرات المركزية في الشرق)، والتحالفات العشوائية مع الجماعات القبلية، أدت إلى رفض متزايد للقوات الغربية.
وبدلاً من المساعدة في تعزيز السلطات المحايدة التي تحافظ على القانون، انخرطت القوات الغربية في صراعات محلية، قادت المهزومين للانضمام إلى التمرد.
وأخيرًا، كانت سياسات “بناء الدولة” مدفوعة من رؤية نيوليبرالية، سمحت للشركات الغربية الكبرى وخاصة الأمريكية، بالاستيلاء على موارد المساعدات، كما أن ممارسة التعاقد من الباطن المتتالي، وغياب المنافسة الحقيقية للحصول على العقود، والرقابة الجادة على البرامج المنفذة، تفسر النتائج المنخفضة في ضوء المبالغ المستثمرة.
ولاستكمال صورة هذه الهزيمة التاريخية، يقول الباحثان، يمكن للمرء أن يضيف الصعوبات الداخلية لحلف الناتو والإفلاس شبه الكامل للخبرات، سواء أكان ذلك داخليًا للوزارات أو من مراكز الفكر.
فعلى عكس النرويجيين والأستراليين، على سبيل المثال، لم تر فرنسا أنه من المناسب إعادة النظر في مشاركتها بأفغانستان، التي أودت بحياة مئات الجنود وعدة مليارات من اليورو.
واختتما باتشكو ودورونسورو مقالهما بالقول: في السياق الحالي، من المحتمل أن تظل فكرة التقييم النقدي مجرد أمنيات، ولكن لا يزال لدينا الكثير لنكسبه من التساؤل عما سيبقى من أول حرب وأيضا أول هزيمة لحلف الناتو .
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا